فرضت منذ صباح اليوم الحكومة قرار الزيادة في أسعار المحروقات، وذلك حتى دون أن تكلف نفسها تنبيه المواطنين للأمر، عبر بلاغ في الإعلام العمومي بهذه الزيادة، قبل بداية تفعيلها بشكل مباشر صبيحة اليوم، في استهتار حكومي فاضح بمصلحة عموم المغاربة. سيكون لهذه الزيادة الجديدة تأثيرات كبيرة على القدرة الشرائية للمواطنين، بحكم ارتباط الكثير من القطاعات الاقتصادية بالمحروقات، مما سيدفع بزيادات أخرى في النقل وفي مواد أخرى.
من خلال تتبع مسار حكومة بنكيران وعلاقتها بالزيادات، يلاحظ أن لها شجاعة سياسية غير مسبوقة في تفعيل الزيادات في الأسعار، خاصة عندما يكون المستهدف والمتضرر الأول والأخير من هذه الزيادات، هو المواطن الفقير والطبقة المتوسطة، رغم أن هذه الفئات هي من أوصلت حزب البجيدي لرئاسة الحكومة.
المثير في الأمر أن حكومة بنكيران، فاقدة لهذه الشجاعة السياسية في أمور وقضايا مرتبطة بكبار رجال الأعمال واللوبيات الاقتصادية الكبرى التي تتحكم في الاقتصاد الوطني.
الحكومة لم تستطيع إلى اليوم تنزيل نظام الإصلاح الضريبي، بدعوى الحفاظ على علاقة جيدة مع رجال الأعمال، الذين أغلبهم يتملص من دفع الضرائب للدولة، وحتى إن دفع جزء منها يتهرب من النصيب الكبير.
بدل أن تجد الحكومة آليات ضريبية جديدة لإعادة التوازن للمالية العمومية، لجأت إلى الزيادة المباشرة في الأسعار، كحل سهل على اعتبار أن الحائط القصير في المملكة هو المواطن البسيط، الذي يدفع باسم المصالح العليا للوطن، ثمن كل الأخطاء السياسية والاقتصادية للحكومات المتعاقبة.
نفس الحكومة التي دفنت رأسها في الرمل وتهربت من مواجهة لوبيات اقتصاد الريع، التي تعبث بالثروات الوطنية من خلال رخص وامتيازات، لا يمكن أن تجدها إلا في الدول الأكثر استبدادا وفساد، أخرجت أنيابها أمام عموم الشعب، وفرضت الزيادة الجديدة حتى دون نقاش عمومي حول الحلول الاقتصادية الممكنة لحل مشكل الأزمة المالية للحكومة.
منذ الشهور الأولى لقدوم حكومة بنكيران، عاش المغاربة فصولا من الإثارة السياسية، من خلال الكشف عن لوائح المستفردين برخص النقل ومقالع الرمال، لكن في جبن وعجز غير مسبوق للحكومة، لم تل عملية الكشف عن اللوائح، أية إستراتيجية حكومية، لإعادة ثروات البلد للخضوع للقانون.
يعلم الجميع ان دعم صندوق المقاصة، تستفيد منها الشركات الكبرى التي تحقق أرباحا خيالية، وبدل أن تتحلى الحكومة بالشجاعة السياسية وتقطع "بزولة" المال العام، عن رجال الأعمال الذين راكموا ثرواتهم من أموال دافعي الضرائب، هاهي تلجأ الى نظام "المقايسة" في تحديد الأسعار، مما سيجعل من المواطن البسيط، يعيش على طول السنة على أعصابه، ففي كل شهر ستكون زيادة جديدة في الأسعار، مادام أن الوضع الدولي متأزم، والمحروقات ستعرف زيادات متتالية، خاصة أن كل المؤشرات تتجه الى حرب جديدة في الشرق الأوسط.
الوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلف بالشؤون العامة والحكامة، صرح في شهر مارس من هذه السنة أن الحكومة لن تزيد في أسعار المحروقات.
وقال نفس الوزير في تصريح سابق في شهر يونيو: "لن نقبل بالرفع غير القانوني للأسعار بذريعة الزيادة في المحروقات".
وتمسك السيد بوليف بنفس الخطاب في بداية شهر شتنبر قائلا:" إن الحكومة قررت اعتماد نظام المقايسة وليس الزيادة في المحروقات".
ولا أحد غير السيد بوليف هو من بشر المغاربة منتصف اليوم الاثنين بقرار الزيادة ، بعدما دخل قرار الزيادة في الأسعار منذ الصباح حيز التنفيذ، كما وعد نفس الوزير بحملة تواصلية مع المواطنين لإقناعهم بدفع ضريبة الأزمة المالية للحكومة.
هكذا إذن هم وزراء حكومة بنكيران، يغيرون خطابهم 180 درجة، رغم ركوبهم موجة الخطاب الأخلاقي، لحصد أصوات الناخبين قبل سنة و10 أشهر.
يسجل في كل مرة على وزراء بنيكران ، تملصهم الواضح من التزاماتهم أمام الناخبين، رغم أنهم يعلمون جيدا أن المواطن المغربي، يعيش مرارة الغلاء وارتفاع الأسعار وضعف الأجور وغياب التوزيع العادل للثروة، التي لا زالت تستحوذ عليها حفنة من رجال الأعمال وأصحاب النفوذ السياسي.
رغم كل هذا، تستمر الحكومة في سياستها العرجاء لحماية الأغنياء ومصالحهم، مما سيزيد من أعداد الفقراء والمهمشين على طول خريطة الوطن.