بدأت تلوح في الأفق هذه الأيام مؤشرات غير مطمئنة حول إمكانية تأجيل الانتخابات الجماعية، فالصمت الذي لف عمل وزارة الداخلية منذ مدة فيما يتعلق بأجندة الانتخابات الجماعية والجهوية، وبروز توجه داخل الحكومة يفضل تأجيل الانتخابات، مما يكشف عن وجود ارتباك بين مكوناتها بخصوص إنجاز مشاريع القوانين المتعلقة بالاستحقاقات الانتخابية، في ظل وجود قوانين أخرى معمول بها، إضافة إلى مسألة تدبير الزمن الانتخابي الذي هو بحسب المحللين والمراقبين السياسيين، ليس زمنا سياسيا بل أيضا هو زمن قانوني، فيما يخص إعداد النصوص القانونية المؤطرة للعملية الانتخابية برمتها، حيث إن منطق "التسرع" في إعداد مشاريع القوانين الانتخابية، لمجرد احترام الموعد الانتخابي، سيؤدي لا محالة إلى إفراغ العملية الانتخابية من مضمونها الحقيقي والرجوع بها إلى الممارسات القديمة مما قد يزيد من حالة الإحباط داخل الشارع السياسي. إن هذه المؤشرات وبالرغم من تصريحات بعض المصادر الحكومية عن التزام الحكومة بالموعد المقرر لتنظيم الانتخابات الجماعية المرتقبة، تؤكد من دون شك أن هذه الأخيرة توجد بالفعل في ورطة حقيقية، بالنظر إلى عدد مشاريع القوانين الخاصة بهذه الاستحقاقات التي تحتاج إلى وقت كاف لمناقشتها بعمق بين الحكومة والداخلية من جهة والأحزاب السياسية، أغلبية ومعارضة، من جهة ثانية من أجل الوصول إلى تفاهمات حقيقية بشأنها. فهل الانتخابات الجماعية ستجرى في موعدها، أم سيتم تأجيلها إلى موعد آخر؟ سؤال يحتاج إلى جواب حاسم من الحكومة ووزارة الداخلية، وهل يكفي الإعلان عن أن الانتخابات الجماعية ستجرى في موعدها المقرر، وأن " ثلاثة شهور كافية لإعداد القوانين الانتخابية"؟ وهل ستكون الحكومة قادرة على الوفاء بالتزاماتها المعلنة في هذا الشأن أم أن ضيق الوقت كما يبدو بحسب بعض المراقبين قد يدفعها إلى التفكير في تأجيل الانتخابات، بدعوى أن "القوانين غير جاهزة وتتطلب وقتا طويلا لتحقيق الإجماع السياسي"؟ ولماذا تم أضاعة الكثير من الوقت في المزايدات السياسية والشعبوية من قبل رئيس الحكومة في تحديه للمعارضة بسبب وبدون سبب، إلى أن وقعت الحكومة في ورطة حقيقية، تحاول اليوم بخطاب سياسي وإعلامي مرتبك الهروب من تساؤلات الرأي العام حول مصير الاستحقاقات الانتخابية؟ إن الاتجاه نحو التأجيل معناه أن الحكومة قد فشلت مرة أخرى في تدبير هذا الملف وإدارة هذا الورش الانتحابي الهام بالنسبة لمستقبل ديمقراطيتنا المحلية، وأن رسائلها المباشرة وغير المباشرة التي وجهتها نحو الشارع السياسي ووسائل الإعلام بشأن تنظيم الانتخابات الجماعية في موعدها المقرر، ليست إلا مجرد استهلاك إعلامي لامتصاص أي مواقف غاضبة من القوى السياسية، وبالتالي فإن الإفراج عن أربع مسودات لمشاريع قوانين انتخابية، لا يعدو هو الأخر أن يكون مجرد محاولة لاحتواء أي تداعيات محتملة في حال تأجيل الانتخابات. إن المطلوب من الحكومة هو أن تكون في مستوى المسؤوليات الملقاة على عاتقها، ومنها مسؤولية احترام التزاماتها المعلنة بشأن موعد الانتخابات الجماعية.وما نتمناه صادقين، أن يكون الأمر كله مجرد إشاعات، درءا لأي مفسدة أو شبهة أو تعطيل قد يمس مصداقية العملية الانتخابية والممارسة الديمقراطية، وينحرف بها عن المقتضيات الدستورية المنصوص عليها، وإلا فإنها ستكون مسؤولة سياسيا وأخلاقيا إذا ما حدث وأكدت الأيام المقبلة ما يروج حاليا في الساحة السياسية والإعلامية من هذا الأمر، حيث إن ما تبقى من أمل وثقة لدى المغاربة في رؤية بلادهم وقد انتقلت إلى مرحلة متقدمة من البناء الديمقراطي، قد يتعرض للانهيار. فما هو منتظرهو أن تكون الحكومة في مستوى المرحلة الراهنة والتي تتميز بالدقة والحساسية في سياق ما تشهده بلادنا من تحولاتعميقة على مستوى استكمال البناء الديمقراطي، وما تواجهه من تحديات خارجية، وكذلك أن تكون في مستوى اللحظة التاريخية التي يجتازها المغرب، في الوقت الذي يسعى فيه الخصوم إلى النيل من نموذجنا الديمقراطي الفريد، وسط محيط إقليمي مليء بالقلاقل والاضطرابات الأمنية والتهديدات الإرهابية وإلا فإن أي تأجيل لهذا الاستحقاق الانتخابي الهام معناه في الأخير فشل الحكومة الذريع مرة أخرى في تتزيل الدستور وتفعيل مقتضياته التي تنص على تكريس النهج الديمقراطي عبر صناديق الاقتراع لتدبير الشأن العام الوطني والمحلي.