لا زال تأكيد رئيس الحكومة لما جاء على لسان وزير الداخلية، بشأن تحديد موعد إجراء الاستحقاقات الانتخابية المقبلة، جماعية وإقليمية وجهوية ومهنية ومأجورين ومجلس مستشارين، ابتداء من النصف الثاني من 2015 ، يثير العديد من التساؤلات المشروعة، بشأن قدرة الحكومة على الوفاء بما أعلنت عنه، علما أن هذا الموضوع أخذ وقتا طويلا من النقاش السياسي بين المعارضة والحكومة، نظرا لكون هذه الأخيرة لم تكن مستعدة بما يكفي لتنظيم هذه الاستحقاقات، على مستوى التدبير الزمني والإداري واللوجستي، وبقي هذا الموضوع مرتهنا للتأجيل خلال السنوات الماضية. تساؤلات زادت عمقا وحدة على خلفية التصريحات غير الواضحة لرئيس الحكومة فيما يتعلق بقدرة الحكومة على الالتزام بتنفيذ الأجندة التي أعلن عنها في مواعيدها المقررة. رئيس الحكومة قال إن حكومته ستعمل " وفق خارطة طريق واضحة ومضبوطة"، و "سيفتح باب التشاور وتبادل الرأي مع الفاعلين السياسيين" في الموضوع وأن "الرهان يقوم على التدبير الجيد للعامل الزمني". فإلى أي حد يمكن الوثوق بكلام الحكومة، وردود الفعل الأولية على هذا الموضوع، كانت غير إيجابية، باعتبار أن الحكومة لم تقدم أي إشارة بشأن "القانون التنظيمي للانتخابات" الذي نص عليه دستور 2011، والذي ما زال في حكم الغيب، خاصة وأن " تنظيم انتخابات الجماعات الترابية ثم الانتخابات الجهوية" يجب أن يتم عبر الاقتراع المباشر"، مما يعزز بالفعل كل الشكوك والملاحظات وردود الفعل حول مصداقية ما تفوه به رئيس الحكومة، وإمكانية أن يكون هذا القانون جاهزا قبل 2015. فنحن نعلم جيدا أن ما يسمى ب " المخطط التشريعي" الحكومي، لا زال في أغلبه حبرا على ورق ولا زالت العديد من القوانين التنظيمية في حكم المجهول، بما فيها القانون التنظيمي للجهوية الموسعة، والذي له صلة مباشرة بتلك الاستحقاقات. فكيف للحكومة أن تنجز هذا الورش الكبير الذي باتفاق عدد من المراقبين والمحللين يصعب تنفيذه قانونيا وسياسيا ولوجستيكيا قبل 2015. أضف إلى ذلك مدى استعداد الأحزاب السياسية لخوض هذ الانتخابات في ظل الوضع الحكومي الراهن المتميز بالبطء والارتجالية والانتظارية وسوء تدبير الزمن السياسي والانتخابي، زد على ذلك حجم الموارد المالية الضخمة التي تتطلبها تلك الاستحقاقات. إن الإشكالية القائمة حاليا هي أن الحكومة أضاعت وقتا كثيرا في المهاترات السياسوية والخطابات الشعبوية، في الوقت الذي كان عليها أن تتحمل مسؤولياتها منذ أول يوم شرعت فيه تسيير الشأن العام، من أجل التحضير الجيد للاستحقاقات الانتخابية المتبقية بعد الانتخابات التشريعية لسنة 2011، وإعداد كل الوسائل والإمكانيات والموارد المادية والتقنية والبشرية، في وقتها المحدد، وقبل ذلك إخراج القوانين التنظيمية المتعلقة بالانتخابات، فضلا عن مراجعة اللوائح الانتخابية وتنزيل القوانين الانتخابية. لقد حسم وزير الداخلية بشأن تحديد موعد 12 يونيو 2015، كانطلاقة فعلية لهذا الورش الانتخابي المهم، فهل ستتمكن الحكومة ورئاستها من الوفاء بالتزاماتها هذه، خاصة وأن الزمن المتبقي إلى حين موعد إجراء الانتخابات الجماعية في يونبيو من العام القادم، قد لا يسعف الحكومة في إعداد واستكمال مسطرة المصادقة على جميع مشاريع القوانين المرتبطة بالعملية الانتخابية، في مواعيدها المقررة. فالتجربة مع الحكومة الحالية أكدت بما لا يدع مجالا للشك أن بونا شاسعا بين أقوالها وأفعالها والدليل واضح وجلي، وهي مشاريع القوانين التنظيمية المتعلقة بإجراء "انتخابات الجماعات الترابية"،و"الجهوية"، و"الغرفة الثانية"ومشاريع القوانين المرتبطة بالمؤسسات الجديدة التي استحدثها الدستور الجديد، التي تحتاج إلى المرور عبر سلسلة من المحطات بدءا من مجلس الوزراء ومجلس الحكومة ثم الأمانة العامة ووصولا إلى البرلمان بغرفتيه، وهو مسار يبدو طويلا ويحتاج أن تكون للحكومة سرعة فائقة لاستدراك ما أضاعته من وقت ثمين وفرص ذهبية في هذا الشأن. إن إعلان الحكومة للأسف عن أجندتها الخاصة بتنظيم الاستحقاقات الانتخابية المقبلة جاء في الوقت الميت بامتياز، وهو ما يجعلنا كقوى سياسية وحزبية نتخوف مما أسماه بعض الفاعلين السياسيين ب " الحوار المغشوش" الذي لن يوصل إلى النزاهة الانتخابية، ويخل بالتالي بالأهداف السامية والنبيلة للعملية الانتخابية التي هي مدخل أساسي في تكريس قواعد الديمقراطية المحلية. وبالتالي ستبقى الاستحقاقات بلا أفق واضح. أما التساؤلات والمطالب المطروحة من قبل الأحزاب حول الأسباب الحقيقية لتأجيل تلك الاستحقاقات مرات عدة، ستبقى بلا جواب واضح ورد مقنع.