يجري الآن التحضير العملي لتنظيم التظاهرة الحقوقية العالمية الكبرى بالمغرب , التي ستحتضنها مدينة مراكش خلال شهر نونبر القادم , ويتعلق الامر بالمنتدى العالمي لحقوق الانسان الذي يعتبر اكبر تجمع حقوقي في العالم . ومن المنتظر ان تستقطب هذه التظاهرة الحقوقية المتميزة آلافا من النشطاء الحقوقيين على اختلاف انتماءاتهم الجغرافية , وتعدد هيئاتهم واطاراتهم الجمعوية, وتنوع اهتمامهم وتخصصاتهم في المجال الحقوقي . وفي انتظار حلول موعد الحدث , ومن الآن, يمكن التأكيد على انه حدث كبير ومتعدد الابعاد, وان المغرب له ان يكون فخورا بانعقاد مثل هذا التجمع على ارضه وفي ضيافة شعبه وملكه, وباحتضان مدينة مراكش للفعاليات التي ستتركز على قضايا حقوق الانسان , المتعارف عليها عالميا , والنهوض بها , وصيانة مبادئها وتعزيز مكتسباتها في كل بقاع العالم . وكما يرى المتتبعون للشان الحقوقي , فيما يجعل المغرب جديرا باستضافة تظاهرة عالمية من هذا النوع , وبهذا الحجم , هو الطفرة الحقوقية المهمة التي حققها مع دستوره الجديد ومع التراكمات التي راكمها خلال العهد الجديد , والتي مكنت البلاد من التوفر على قاعدة قانونية وعلى مؤسسات دستورية لها صلاحيات تتبع ومعالجة قضايا واشكالات الملف الحقوقي من جميع جوانبه . هذا علما بأن ما تقدم لا يعني ان المغرب – كما غيره -- قد بلغ الكمال ولا يمكن ان تحصل فيه ( حوادث) او تجاوزات في الميدان الحقوقي . والمعروف ان الحقل الحقوقي ( مفتوح) ومكشوف للجميع, وان وسائل الإعلام والجمعيات الحقوقية المتعددة لا تتوانى في رصد و تذييع أية حالة انتهاك او تجاوز حصلت هنا او هناك . على ان النزاهة والموضوعية تقتضيان , هنا , التمييز والتفريق بين نموذجين من الحالات التي تنشر والتي تروج : -- الحالات المفتعلة والمشوهة التي تختلق بدوافع سياسية ومناورات الجهات المعادية لوحدة المغرب الترابية , وهي جهات معروفة تستعمل افتراءاتها ( الحقوقية) المزعومة كمادة في الحرب الاعلامية التي توظف فيها بعض المنظمات والاجهزة ضد المغرب . -- الحالة الثانية هي التي تتعلق بما يسجل , بين الفينة والاخرى , من تجاوزات او انتهاكات او مساس بحق من حقوق الانسان , وهي حالات محددة والمعنيون بها يعطون التفاصيل والادلة على حصولها . ازاء هذا النموذج الثاني ينبغي أن تتكاثف كل الجهود والنوايا الحسنة , وبمشاركة كل الفعاليات والطاقات والقوى الوطنية , من اجل الحد من كل الممارسات الماسة بقواعد حقوق الانسان , ومن اجل تقوية ثقافة احترام هذه الحقوق وتجذير فهمها والاقتناع بها . في هذا الاتجاه يقوم المجلس الوطني لحقوق الانسان بدور بيداغوجي مهم وبمبادرات اقتراحية جد مفيدة بالنسبة لوضع التصورات والآليات التي تساعد على قطع مسافات جديدة على طريق البناء الحقوقي وترسانته القانونية . بل ان هذا المجلس يعتبر بان التوصيات والمطالب والاقتراحات التي يتقدم بها تتقارب مع ما تطرحه المنظمات الحقوقية الدولية , ومع المعايير الدولية , وخاصة في ما يهم اوضاع السجون ومراكز حماية الطفولة ومستشفيات الامراض العقلية , والاجانب في المغرب , والمسطرة الجنائية , والعقوبات البديلة . وهذا ما ظهر مجددا في اجتماع الدورة الاخيرة للمجلس الاممي لحقوق الانسان بجنيف , حيث اكد وفد المجلس الوطني لحقوق الانسان , بانه يلتزم بمواصلة جهوده المتعلقة بالتحقيق والتحري وكل ما من شانه تعزيز حماية حقوق الانسان في كافة مناطق البلاد . من جانبها، تبقى الحكومة مطالبة بتحمل مسؤوليتها في هذا المجال , وبالذات في كل ما له صلة بتنزيل مقتضيات الدستور ومواءمة قوانين البلاد مع فلسفتها ومنطوقها . كما ان حكومة بنكيران لا عذر لها في اي تماطل او تلكؤ في التجاوب مع المقترحات والمطالب الجدية والملموسة التي يضعها المجلس الوطني . ايضا على الحكومة , التي تتحمل مسؤولية تطبيق القوانين , أن تاخذ بالبعد الاقتصادي والاجتماعي في منظومة حقوق الانسان , وان تستحضر ذلك في معالجة المشاكل والظواهر المؤلمة التي تحصل وتتناسل في عمق المجتمع . فبالحرص على تحمل الجميع لمسؤوليته , وبالحوار والتعاون بين المؤسسات , وبنبذ الجمود والانتظارية , وبالاستماع الى اصوات الاصلاح والبناء , يستطيع المغرب ان يعزز مكتسباته ويتقدم في اصلاحاته في المجال الحقوقي وغيره , وان يثبت بأنه جدير بتنظيم المنتدى العالمي لحقوق الانسان , وان يجعل منه ورشا لصناعة دعائم جديدة للمسار الحقوقي .