مكتسبات وانتظارات يخلد المغرب يوم عاشر دجنبر الجاري، وكباقي دول العالم، اليوم العالمي لحقوق الإنسان، وهو احتفال يأتي على خلفية متغيرات سياسية واجتماعية وحقوقية جد متميزة طبعت السنة الجارية منذ بدايتها في يناير الماضي، أفرزت مكتسبات هامة وحددت سقف انتظارات وانتقدت التراجعات. فليوم العالمي لحقوق الإنسان، إذن، فرصة للوقوف على الوضعية الحقوقية بالمغرب وللتعبير، بصوت عال، أن للمغاربة تطلعات مشروعة لمستقبل أفضل . يحل اليوم العالمي لحقوق الإنسان في ذكراه الرابعة والستين ،والتي تتزامن بالمغرب مع مرور ما يقارب السنة على وصول حكومة بنكيران إلى السلطة بعد حراك تمت خلاله رفع مطالب بتحقيق العدالة الاجتماعية ومحاربة الفساد ، والذي تم التفاعل معه فوريا عبر إقرار دستور جديد يعتبر وثيقة حقوقية بامتياز حمل معه مختلف الضمانات الأساسية التي من تجعل قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان ثابتين لارجعة فيهما بل و ترسيخهما بما يعنيه من حماية للمكتسبات التي راكمها المجتمع بشأن هذه القيم وتقوية المسار. فحلول الذكرى الأممية لتخليد اليوم العالمي لحقوق الإنسان تأتي في ظل ارتفاع حدة الانتقاد الموجه لحكومة بنكيران فيما يرتبط بمقاربتها للمجال الحقوقي، الانتقاد الذي طبع الأشهر الأخيرة ارتهن بالأساس بتخوف الحركة الحقوقية من الممارسات المؤسساتية للجهاز التنفيذي والذي يتناسى الروح الإيجابية التي تحملها مضامين الدستور الجديد، والذي اعتمد مبادئ حقوق الإنسان كما هي متعارف عليها دوليا، وتأسس على ما تضمنته توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة كنتاج لمسار للمصالحة وتجاوز لتعثرات الماضي نحو بناء دولة الحق والقانون والديمقراطية الحقة . فالذكرى بذلك لا تعد فرصة فقط للتمعن في المسار الذي قطعه المغرب في مجال الارتقاء بحقوق الإنسان بل للتوقف عند ممارسات الفاعلين الأساسيين ممثلا في الحكومة كهيئة تنفيذية مكلفة بتنزيل ما نص عليه الدستور الجديد بل وتنفيذ مختلف التعهدات التي التزم بها المغرب حقوقيا على مستوى المنظمات الأممية، فالأمر لايرتبط بالمغرب كدولة بل بطبيعة الفاعلين الذين يضطلعون بتدبير الشأن العام الوطني وتنفيذ المشروع الديمقراطي الحداثي الذي يتأسس على احترام حقوق الإنسان في طابعها الكوني ويرنو المجتمع نحو استكمال أسسه. تهديدات للمكتسبات الديمقراطية المنتدى المغربي من أجل الحقيقة والإنصاف بمناسبة الذكرى 64 لليوم العالمي لحقوق الإنسان،عبر عن القلق من استمرار تعاظم نفوذ القوى المحافظة في تدبير الشأن العام الوطني مقابل انكماش دور القوى الحاملة للمشروع الديمقراطي،على اعتبار لما يشكله ذلك من تهديدات للمكتسبات الديمقراطية ولفرص توسيعها. وأعلن في هذا الصدد خلال انعقاد مجلسه الوطني ، عن رفضه للممارسات المؤسساتية للدولة وعلى رأسها الممارسة المؤسساتية للحكومة والتي تكرس تأويلا للدستور الجديد يفرغه من إيجابياته وينتصر لروح دستور 1996 وما قبله ،جاعلة من الحكومة التي تشكلت على أساس الانتخابات الأخيرة، حكومة ديلية. المنتدى المغربي من أجل الحقيقة والإنصاف والذي يعد هيئة تضم ضحايا ماضي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان وعائلاتهم، عبر أيضا عن امتعاضه من التوجه الجديد للحكومة والذي يطبعه نفض اليد من الالتزام بتنفيذ توصيات هيئة الانصاف والمصالحة ، إذ أبرز أن من مؤشرات ذلك تزايد حدة القمع في مواجهة مختلف أنواع الاحتجاجات المشروعة ،الفئوية والقطاعية والمحلية ، وفي مواجهة النشطاء الحقوقيين وأعضاء حركة 20 فبراير في تعارض تام مع توصية هيئة الإنصاف والمصالحة المتعلقة بالحكامة الأمنية ومع ماجاء في الدستور الجديد حول الحق في التظاهر السلمي و حرية الرأي و التعبير. هذا فضلا عن إعلان الحكومة لعدم أولوية الكشف عن الحقيقة في ملف الاختفاء القسري وتجميدها للملف الاجتماعي للضحايا وتصرفها وكأن موضوع تنفيذ توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة هو خارج مجال اختصاصها،وإحجام القضاء عن المساهمة في حصول الضحايا وعائلاتهم على الحقيقة القضائية، وتصويت الحكومة من جديد بالامتناع على ملتمس إيقاف تنفيذ عقوبة الإعدام المعروض على الجمعية العمومية للأمم المتحدة، هذا بالإضافة إلى عدم مباشرة المجلس الوطني لحقوق الإنسان مواصلة التحري في ملفات الاختفاء القسري بالخصوص وللعمل على مواصلة تنفيذ باقي توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة وعدم إنشائه للجنة خاصة واقتصار عمله في الموضوع على «الملف الاجتماعي». إعمال مبدأ المساءلة والمحاسبة ومن جهته أكد رئيس العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان محمد الزهاري على القلق الذي بات يساور مكونات الحركة الحقوقية اتجاه ما يشهده مجال حقوق الإنسان بالمغرب من تراجع كبير، والتي اعتبر أنها باتت تجهز على المكتسبات التي تحققت بفضل نضالات الحركة الحقوقية، معتبرا أن الحكومة ما زالت تتمادى في عدم إعمال مبدأ المساءلة والمحاسبة ، وعدم معاقبة كل المتورطين الذين تبث تورطهم في جرائم نهب المال العام ، وجرائم استغلال النفوذ، بل وتستمر في استعمال المقاربة الأمنية في مواجهة احتجاجات المواطنين التي غالبا ما ترتبط بالمطالبة بتحقيق مطالب اجتماعية. ودعا الحكومة في هذا الصدد إلى تحمل مسؤوليتها و إعمال كل الآليات الدستورية والقانونية لتفعيل مضامين التقارير التي أصدرها المجلس الوطني لحقوق الإنسان والمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي والهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، والمجلس الأعلى للحسابات ، واتخاذ كل المبادرات التي من شأنها خدمة حقوق الإنسان وتعزيز الحريات الأساسية . تفعيل مضامين الدستور الجديد المنظمة المغربية لحقوق الإنسان من جهتها وكهيئة تنتصر لجانب الاقتراح والمساهمة في إيجاد الحلول، ترهن المرحلة بضرورة تفعيل مضامين الدستور الجديد،الذي اعتبرته في أحد بياناتها وثيقة تسمح بإقرار وتعزيز حقوق الإنسان شريطة قيام الفاعلين السياسيين بترجمتها إلى فعل مؤثر، وتوفر يقظة ودينامية المجتمع المدني، ومشاركة المواطنات والمواطنين في الشأن العام.، داعية من جانب آخر إلى الحوار الجدي والسريع والاستباقي لحل المشاكل خاصة تلك التي ترتبط بالاحتجاجات .وأعلنت في هذا الصدد عن تنظيم ندوة يومه الاثنين لتقديم دراسة بشأن مقترحات القوانين التنظيمية لتفعيل مقتضيات الوثيقة الدستورية. تيمة الإنصات إلى صوت الشعب أما منظمة العفو الدولية فقد عبرت بدورها عن قلقها اتجاه استمرار انتهاكات حقوق الإنسان، إذ أبرزت أن اليوم العالمي لحقوق الإنسان الذي يحل هذه السنة وبلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وضمنها المغرب مشغولة بالتحولات السياسية والاقتصادية تحت ضغط ربيع الاحتجاجات الجماهيرية، فإنه رغم بعض الإصلاحات والمبادرات الواعدة، هناك قلق من استمرار انتهاكات حقوق الإنسان. ووجهت في هذا الصدد للحكومة المغربية نداء بإعمال تيمة الإنصات إلى صوت الشعب والوفاء بواجباتها بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان واتخاذ إجراءات فورية من أجل احترام الحقوق المدنية والسياسية، والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وحمايتها ، والانتقال إلى العمل بدل ما وصفته بتقديم «الكثير من الخطابات المنمقة»،إذ أكدت أنه يجب على الحكومة الانتقال إلى العمل من منطلق أن الكرامة الإنسانية تقتضي احترام جميع الحقوق الإنسانية لجميع البشر، فليس ثمة أولوية مقدمة على الحق في العيش بكرامة. الحقوق اللغوية و الثقافية الأمازيغية ومن جانبها شددت العصبة الأمازيغية لحقوق الإنسان ،على أن احترام حقوق الإنسان و بناء الدولة الديمقراطية العادلة هي الضمانة الرئيسية للاستقرار الاجتماعي و السياسي، و ليس منهج القوة و القمع كما تسلكه الحكومة الحالية في إشارة إلى تصريح رئيس الحكومة بجواز مواجهة الاحتجاجات بنوع من القوة. وسجلت في هذا الصدد العديد من المؤاخذات على رئيس الحكومة خاصة خلال التصريحات التي أدلى بها مؤخرا أمام مجلس النواب في جلسة المساءلة الشهرية ، خصوصا تجاهله و إقصاءه للحقوق اللغوية و الثقافية الأمازيغية، وكذا ملف المعتقلين السياسيين الأمازيغ ، ومسألة منع تسجيل الأسماء الشخصية الأمازيغية بمكاتب الحالة المدنية و القنصليات المغربية بالخارج، فضلا عن الملف المطلبي لمعتصمي و ساكنة إميضر، و ملف الترامي على أراضي السكان و القبائل الأصلية الأمازيغية آيت باعمران، تافراوت وغيرها.