بشأن الاستعداد للاستحقاقات الانتخابية , ذكرت بعض وسائل الإعلام بأن وزير الداخلية محمد حصاد يتهيأ للقاء قادة الاحزاب السياسية, ابتداء من الأسبوع المقبل, وذلك في جولة جديدة من المشاورات واستطلاع الآراء والمواقف . وتفيد ذات الاخبار بأن اللقاءات الجديدة بين الوزير والقيادات الحزبية من المنتظر ان تنصب على إشكالات القوانين الانتخابية ومشاريع القوانين التنظيمية المتعلقة بالجهوية المتقدمة والجماعات الترابية الأخرى وبمسالة اللوائح الانتخابية , الخ .. وفيما تنشغل الوزارة المعنية والادارة الترابية (مركزيا) بالعمل التحضيري على هذه المستويات, وفيما تعود الاحزاب السياسية الى بسط مواقفها ووجهات نظرها بهذا الخصوص, يبدو أن هناك ضرورة ملحة للتنبيه الى جانب خطير يهم العملية الانتخابية وشروط سلامتها , والامر يتعلق هنا بسلوك يمكن أن نصنفه او ان نضعه في خان ( المنزلقات الانتخابية ) . وربما انه سلوك اكبر واخطر من ان يكون مجرد ( انزلاق) او تجاوزا عفويا ومحدودا, حيث إن المقصود هنا هو التطاول على المساجد واستعمالها في الحملات الانتخابية والدعايات السياسوية, وهو السلوك الذي بدأت بوادره وتجلياته تظهر من الآن في بعض مناطق البلاد , وخاصة في الضواحي والمدن الصغرى . فبعد ما تردد من حالات ونماذج محدودة خلال الشهور الأخيرة, أوردت يومية إخبارية حالة جديدة , من جماعة بني سعيد باقليم تطوان, مع معلومات مدققة تشير الى حضور برلماني من حزب المصباح, مرفوقا بالكاتب الاقليمي لحزبه والمسؤول المحلي للنقابة التابعة له الى مسجد دوار بني بزاز حيث استغلوا وقفة صلاة الجمعة للدعاية السياسية وتوزيع الوعود الانتخابية . ومثل هذه النوازل أقل ما يمكن ان يقال عنها إن أصحابها لا يقدرون عمق وخطورة هذا السلوك , وان هناك من يصر عن وعي وسابق إصرار, على الوقوع في المحظور, دون إعارة أي انتباه لعواقب ذلك ولتأثيره السلبي على مصداقية العملية الانتخابية. علاوة على ان تعمد استغلال المسجد في غير رسالته يعد تطاولا على بيوت الله وتعديا على حرمتها, واستفزازا لمعشر المصلين . بطبيعة الحال حصول هذه الحالات ليس بالشيء الجديد . ومعروف ان هناك تيارات وجهات سياسية ما انفكت ترى في المساجد ( طريقا سهلا) للكسب الانتخابي والسياسي ولاستقطاب الاتباع والمريدين, ومن ثمة تترقب كل الفرص السانحة للتمادي في هذا السلوك وفي تحد سافر لمشاعر المؤمنين والوافدين على بيوت الله . وفي مواجهة هذه التجاوزات , تجدر الاشارة الى ان تاطير الحقل الديني , بما فيه المساجد والقيمين عليها, حظي دائما باهتمام وعناية امير المؤمنين. ويذكر انه قبل شهرين فقط صدرت الظهائر الملكية, وفقا للفصل 41 من الدستور , المتعلقة بتنظيم مهام القيمين الدينيين , والتي لا يجوز , بموجبها للائمة والخطباء طيلة الاضطلاع بمهامهم , الجمع بين مهمة القيم الديني وممارسة اي نشاط سياسي او نقابي , او (( القيام باي عمل من شانه وقف او عرقلة اداء الشعائر الدينية )) . و في سياق هذه العناية أيضا , جاءت خطة ( دعم ) كخطوة جديدة تعزز البناء التاطيري للحقل الديني, باعتباره من ثوابت الامة, وكتدبير لصيانة المساجد والرفع من مستوى تاهيلها لاداء رسالتها الدينية, ولتقوية النموذج المغربي في هذا المجال . ومما سبق يتضح بانه ليس هناك اي (فراغ ) يمكن تأويله كذريعة لاي تجاوز او سلوك يرمي الى المساجد او توظيفها في الحسابات والتنافس السياسي . كما ان الاحداث وما جرى ويجري في بعض البقاع الاخرى, من العالم العربي والاسلامي , تعطي ما يكفي من الادلة والبراهين على خطورة , وحتى بشاعة , المال الذي تؤدي اليه الانحرافات التي تريد ان ( تمارس السياسة بالدين ) او ان تجعل من الدين ( سياسة براغماتية ) لفرض الهيمنة على المجتمع عبر صناديق الاقتراع . وفي تجربتنا المغربية , كذلك , الكثير من العبر التي من خلاصاتها ان استقرار البلاد , وترسيخ ما لها من دعائم التقدم الحضاري والديمقراطي , يستوجب من كل الفاعلين السياسيين والفعاليات المجتمعية التقيد بقواعد دولة القانون والمؤسسات . هذا ما ينبغي ايضا ان يكون حاضرا في كل مراحل تحضير الترسانة القانونية المنظمة للعمليات الانتخابية , وطنية كانت او محلية او قطاعية . فالقوانين الانتخابية لابد من ان تاتي بآليات فعالة لزجر الغش الانتخابي . وما استغلال فضاء المسجد للدعاية الانتخابية الا مظهر بئيس من مظاهر التحايل والغش الانتخابي . وهناك عناصر عدة ومتصلة يفترض معها من كل الاطراف والمؤسسات المعنية بصيانة العمليات الانتخابية , وكذا حرمة المساجد ورسالتها , ان تنتبه الى الموضوع , في كل المراحل , وبما يمكن من الحد من تداعياته .