كثيرة هي التساؤلات التي تثار بشأن إمكانية التوصل الى الصيغة النهائية لإصلاح صندوق المقاصة, وهي تساؤلات تظل قائمة برغم ما تسرب عن اشغال لجنة مراقبة المالية العامة بمجلس النواب, حيث تحدثت الاخبار عن التوصل الى اتفاق بين الاغلبية والحكومة من جهة, وفرق المعارضة من جهة ثانية حول تقديم دعم مالي مباشر الى الفئات الفقيرة والطبقة الوسطى . فالاتفاق الذي أعلن عنه كما صرح رئيس اللجنة نفسه لم يصل الى تحديد الصيغة التنفيذية او التطبيقية لمبدإ الدعم المالي المباشر ولا الى تدقيق الالية التي يمكن بواسطتها تعويض الفئات التي تستحق الاستفادة من صندوق المقاصة . ويذهب الكثيرون الى ربط موضوع الدعم المباشر بالاستعداد للاستحقاقات الانتخابية القادمة. اذ ان هؤلاء يرون في تحويل مالية صندوق المقاصة الى حصص مالية توزع على الفئات المستهدفة, نوعا من التأثير على الكتلة الناخبة واستمالتها نحو الجهة (المانحة) . ومعلوم أن الجهة او الحزب الذي تشبث بإقرار صيغة الدعم المالي المباشر, هو حزب العدالة والتنمية الذي يترأس الحكومة والذي يسعى جاهدا الى تسويق (( منجزاته )) لدى الرأي العام , وبالأخص لدى المواطن الذي يعتبره زبونا انتخابيا. ومنذ أن طرحت فكرة الدعم المباشر ظهرت تخوفات من ان يصبح لهذا الخيار مفعول (رشوة انتخابية) تساهم في المساس بمصداقية ونزاهة العملية الانتخابية . ويؤكد المتخوفون من ذلك بأنه لا يحق لحزب البيجيدي ان يجمع بين خطاب ((الحريص على النزاهة والشفافية وحرية الاختيار)) , وبين محاولات توظيف (الدعم المباشر) واستغلاله ك (إنجاز) يعود فيه الفضل الى حزب المصباح, وكوسيلة لمد قنوات للزبونية الانتخابية عوض النقاش السياسي الذي يمكن من تقييم حصيلة الأداء الحكومي ومدى التزام الحزب بوعوده وشعاراته التي وزعها بسخاء خلال الانتخابات السابقة . وعلاوة على ذلك, فإن التوصيات التي صادق عليها اجتماع اللجنة المشار اليه ترك ايضا باب (الاجتهاد) مفتوحا بالنسبة للآليات الممكنة في جوانب اساسية لعملية او طريقة توزيع الدعم المالي المباشر, ما يعني أن المجال يظل مفتوحا لشتى احتمالات وامكانيات توظيف الموضوع واستعماله في البحث عن الكسب الانتخابي . ومن (الصعوبات) الحقيقية التي تبرز منذ البداية , هناك إشكالية تحديد الفئات المستحقة او المستهدفة بالدعم المباشر, وما هي المعايير التي على أساسها يمكن التمييز بين من يستحق وغيره, وما هو دور العنصر المجالي في الموضوع , الى غير ذلك من العناصر التي قد تبدو في بعض الأحيان, مجرد أمور تقنية أو إدارية , ولكنها في الواقع لها عمق اجتماعي وسياسي . ومن هنا يصعب اعتبار الاتفاق المبدئي الذي توصلت اليه اللجنة البرلمانية خطوة كافية للتفاؤل والتوافق داخل البرلمان بشأن المصادقة الاجماعية على مشروع إصلاح صندوق المقاصة, سيما وان العبور نحو إنجاز إصلاح حقيقي يصطدم بجملة من العوائق , ومنها : = عدم وضع سيناريو واضح لتطبيق الاصلاح ياخذ بعين الاعتبار كل ابعاده السياسية والاقتصادية والاجتماعية , وكذا تأثيرات المرحلية على السوق والأسعار والأجور ومستويات التضخم , الخ .. = تأخر الحكومة في مباشرة تهيئي المشاريع المتلق بهذا الاصلاح , كما بغيره , وما كان وما يزال يقتضي ذلك من حوار وتشاور واسع مع كافة الاطراف السياسية , ومع الفعاليات المجتمعية والاقتصادية والكفاءات الوطنية . = الجمود والتعثر الذي تعرض له الحوار الاجتماعي , وعدم جدية الحكومة في جعل الحوار مجديا ومنتجا لتوافقات تفضي الى حل المشاكل الاجتماعية وانجاز الأوراش الإصلاحية . = تمسك الحزب الاغلبي بمنهجيته القائمة على الاستفراد , والابتعاد عن المنهجية التشاركية التي تساعد على جمع الطاقات وتذليل الصعاب . وكان من المفروض ان تنتبه الحكومة الى مثل كل هاته العوائق , وان تبادر الى استخراج الخلاصات اللازمة من العثرات والهزات التي عرفتها في نسختها الاولى , ومن ثمة اعادة النظر كلية في منهجيتها وفي تعاطيها مع الأحداث ومع القضايا الأساسية والملفات المطروحة . والخطورة الان , كل الخطورة , أن تترك ملفات الإصلاحات الملحة للصدف وللمجهول . وان يبقى رئيس الحكومة وحزب المصباح على اصراره على سياسة صم الاذان , واخضاع تدبير الشان العام لحسابات الطموح الانتخابي .