لم يكن عبد المالك يدرك، ولم يخطر بباله أن الموت ينتظره بالديار الإسبانية، التي طالما تمنى الإقامة بها، حالما مثل كثيرين بفردوس الأندلس التي ستوفر له حياة كريمة وعملا قارا يصون كرامته ويحفظ إنسانيته وينتشله من براثين العطالة التي حولت حياته مثل الكثيرين من أبناء قريته الصغيرة، الواقعة بين مسالك جبال الريف، إلى جحيم لايطاق. كان عبد المالك وهو يساعد أباه في الفلاحة يحلم بأشياء أخرى، رغم أنه ظل مرتبطا بالأرض يزرع ويحصد ويسقي الأرض العطشى فإن أفقه كان وراء البحر، معتقدا أن هذا البحر هو وحده الذي يفصله عن السعادة، وهذا كان معتقده، قبل أن يدرك بعد فوات الأوان أن هذا البحر لا يفصله سوى عن الموت ببندقية إسباني مريض بالمغربوفوبيا. الرحيل إلى إسبانيا غادر عبد المالك بلحاج، دوار آيث عزيز بقرية تماسينت التابعة ترابيا لإقليم الحسيمة، حاملا بعض أمتعته وكل أحلامه البسيطة باتجاه إسبانيا بعد أن حصل على عقد عمل، قبل أن يتمكن فيما بعد من تسوية وضعيته القانونية، وبعد سنوات من العمل بهذه الجارة الشمالية متنقلا من مدينة لأخرى لتحصيل لقمة العيش، سيقود القدر هذا الشاب إلى إحدى القرى القريبة من مدينة لوسينا بإقليم قرطبة، للعمل في جني الزيتون، لكن أيامه في هذا العالم كانت قليلة وهو لا يدري، ولم يقم بهذه القرية أزيد من أسبوعين، لتكون نهاية عبد المالك الذي كان عمره لايتجاوز 36 سنة، على يد إسباني يملك مزرعة لتربية المعز، واضعا حدا لحياة هذا الفتى ببرودة دم. إفادة شقيق الضحية أكد أخ الضحية في تصريحاته التي يرويها بكثير من الحرقة الممزوجة بالإحساس بالظلم والحكرة، ويضيف أن القاتل عمد إلى إطلاق النار على أخيه وإصابته بطلقتين على مستوى الظهر كانت كفيله لوضع حد لحياة عبد المالك في أواخر شهر نونبر من السنة الماضية، ولم تتمكن عائلته من دفنه بمسقط رأسه إلا بعد شهرين من وقوع الحادثة، بسبب إجراءات البحث المجراة من طرف الشرطة القضائية الإسبانية التي أكدت ضرورة خضوعه لتشريح الطبيب الشرعي. نزعة عنصرية أخ الضحية يربط واقعة القتل بنزعة عنصرية للقاتل تجاه المغاربة كان أول ضحاياها أخوه، ويضيف أن القاتل سبق له أن أخبر إحدى صديقاته بنيته قتل أي مغربي يقترب من مزرعته وفق إفاتدها للشرطة القضائية، و أن هذه الأخيرة لم تقدم شهادتها هذه إلا بعد أن تأكدت أن مسار القضية بدأ ينحرف عن الحقيقة في ظل وجود شكوك بوقوع تدخلات لتحريف وقائع الجريمة وجعلها بدافع الدفاع عن النفس، خاصة في ظل وجود أفراد من عائلة الجاني ذوو نفوذ على مستوى الإقليم الذي وقعت فيه الجريمة. تخوف من تحريف القضية القاتل لازال حرا طليقا بعدما متعته المحكمة الجنائية بلوسينا بالسراح المؤقت، وفي انتظار إحالته على محكمة قرطبة التي ستبث في النازلة، لايخفي أخ الهالك تخوفاته من تحريف مسار القضية، خاصة وأن الشرطة لم تخبره بالنازلة رغم استقراره بإسبانيا وكان بحوزة أخيه كل الوثائق التي تثبت هويته وأرقام الاتصال به، كما أن مصالح القنصلية لم تتوصل بإخبار في الموضوع إلا بعد خمسة أيام من وقوع الجريمة، ويضيف أنهم كعائلة لا يطلبون إلا تحقيق العدالة وأن ينال الجاني جزاءه ليكون عبرة للأخرين، مطالبا من المسؤولين بمصالح القنصلية ووزارة الخارجية بتحمل مسؤولياتهم وحماية الجالية المغربية التي باتت مستهدفة بسلوكات عنصرية من قبل بعض الأقليات المتعصبة في العديد من الدول الأوروبية، معتبرا أن ملف أخيه لم يلق الإهتمام الواجب من قبل هذه المصالح. وعن سبب إلتجائه لوسائل الإعلام أكد أنه يسعى من خلال ذلك إلى فضح سياسة العنصرية بإسبانيا لكي لا تتكرر هذه الحادثة مع مغاربة أخرين، منبها المسؤولين بضرورة الدفاع عن حقوق المهاجرين وحماية أمنهم بالوسائل القانونية والدبلوماسية الممكنة، يقول إبراهيم بلحاج أخ الضحية، الذي لازال تحت تأثير الصدمة والشعور بالحكرة.