هيئة المعلومات المالية تحقق في شبهات تبييض أموال بعقارات شمال المغرب    المغرب يخطط لإطلاق منتجات غذائية مبتكرة تحتوي على مستخلصات القنب الهندي: الشوكولاتة والدقيق والقهوة قريبًا في الأسواق    تشييع جثمان الفنان محمد الخلفي بمقبرة الشهداء بالدار البيضاء    فريق الجيش يفوز على حسنية أكادير    شرطة بني مكادة توقف مروج مخدرات بحوزته 308 أقراص مهلوسة وكوكايين    حفيظ عبد الصادق: لاعبو الرجاء غاضبين بسبب سوء النتائج – فيديو-    دياز يساهم في تخطي الريال لإشبيلية    المغرب يحقق قفزة نوعية في تصنيف جودة الطرق.. ويرتقي للمرتبة 16 عالميًا    مقتل تسعة أشخاص في حادث تحطّم طائرة جنوب البرازيل    المغرب يوجه رسالة حاسمة لأطرف ليبية موالية للعالم الآخر.. موقفنا صارم ضد المشاريع الإقليمية المشبوهة    فرنسا تسحب التمور الجزائرية من أسواقها بسبب احتوائها على مواد كيميائية مسرطنة    وزارة الثقافة والتواصل والشباب تكشف عن حصيلة المعرض الدولي لكتاب الطفل    فاس.. تتويج الفيلم القصير "الأيام الرمادية" بالجائزة الكبرى لمهرجان أيام فاس للتواصل السينمائي    التقدم والاشتراكية يطالب الحكومة بالكشف عن مَبالغُ الدعم المباشر لتفادي انتظاراتٍ تنتهي بخيْباتِ الأمل    مسلمون ومسيحيون ويهود يلتئمون بالدر البيضاء للاحتفاء بقيم السلام والتعايش المشترك    الرجاء يطوي صفحة سابينتو والعامري يقفز من سفينة المغرب التطواني    العداء سفيان ‬البقالي ينافس في إسبانيا    جلالة الملك يستقبل الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني    بلينكن يشيد أمام مجلس الأمن بالشراكة مع المغرب في مجال الذكاء الاصطناعي    وقفة أمام البرلمان تحذر من تغلغل الصهاينة في المنظومة الصحية وتطالب بإسقاط التطبيع    الولايات المتحدة تعزز شراكتها العسكرية مع المغرب في صفقة بقيمة 170 مليون دولار!    الجزائر تسعى إلى عرقلة المصالحة الليبية بعد نجاح مشاورات بوزنيقة    انخفاض طفيف في أسعار الغازوال واستقرار البنزين بالمغرب    رسالة تهنئة من الملك محمد السادس إلى رئيس المجلس الرئاسي الليبي بمناسبة يوم الاستقلال: تأكيد على عمق العلاقات الأخوية بين المغرب وليبيا    مباراة نهضة الزمامرة والوداد بدون حضور جماهيري    رحيل الفنان محمد الخلفي بعد حياة فنية حافلة بالعطاء والغبن    لقاء مع القاص محمد اكويندي بكلية الآداب بن مسيك    لقاء بطنجة يستضيف الكاتب والناقد المسرحي رضوان احدادو    بسبب فيروسات خطيرة.. السلطات الروسية تمنع دخول شحنة طماطم مغربية    غزة تباد: استشهاد 45259 فلسطينيا في حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة منذ 7 أكتوبر 2023    مقاييس الأمطار المسجلة بالمغرب خلال ال24 ساعة الماضية    ندوة علمية بالرباط تناقش حلولا مبتكرة للتكيف مع التغيرات المناخية بمشاركة خبراء دوليين    الرباط.. مؤتمر الأممية الاشتراكية يناقش موضوع التغيرات المناخية وخطورتها على البشرية    البنك الدولي يولي اهتماما بالغا للقطاع الفلاحي بالمغرب    ألمانيا: دوافع منفذ عملية الدهس بمدينة ماجدبورغ لازالت ضبابية.    بنعبد الله: نرفض أي مساومة أو تهاون في الدفاع عن وحدة المغرب الترابية    تفاصيل المؤتمر الوطني السادس للعصبة المغربية للتربية الأساسية ومحاربة الأمية    أكادير: لقاء تحسيسي حول ترشيد استهلاك المياه لفائدة التلاميذ    استمرار الاجواء الباردة بمنطقة الريف    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة    حملة توقف 40 شخصا بجهة الشرق    "اليونيسكو" تستفسر عن تأخر مشروع "جاهزية التسونامي" في الجديدة    ندوة تسائل تطورات واتجاهات الرواية والنقد الأدبي المعاصر    استيراد اللحوم الحمراء سبب زيارة وفد الاتحاد العام للمقاولات والمهن لإسبانيا    ارتفاع حصيلة ضحايا الحرب في قطاع غزة إلى 45259 قتيلا    القافلة الوطنية رياضة بدون منشطات تحط الرحال بسيدي قاسم    سمية زيوزيو جميلة عارضات الأزياء تشارك ببلجيكا في تنظيم أكبر الحفلات وفي حفل كعارضة أزياء    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    وفاة الممثل محمد الخلفي عن 87 عاما    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    المديرية العامة للضرائب تنشر مذكرة تلخيصية بشأن التدابير الجبائية لقانون المالية 2025    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    "بوحمرون" يخطف طفلة جديدة بشفشاون    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العذاب المضاعف لضحايا صفقة «النجاة» بحقول إسبانيا
أحد الضحايا: «علاش غادي نرجع للمغرب أنا بوفري بوفري اللهم في إسبانيا»
نشر في المساء يوم 31 - 07 - 2010

حوالي تسع سنوات مرت على فضيحة «النجاة»، التي كان ينتظر أن تشغل ثلاثين ألف شاب مغربي على بواخر سياحية تابعة لشركة إماراتية. أغلب هؤلاء كانوا من حاملي الشهادات العليا،
غير أن صفقة التشغيل سرعان ما تحولت إلى جحيم من المعاناة النفسية والمادية بعد شهور قليلة من الإعلان عنها لآلاف من الشباب الذين علقوا آمالهم على كذبة اسمها «صفقة النجاة»، والذين عملت الجهات المسؤولية على إعطائهم حق الأسبقية للاستفادة من العقود الموسمية للعمل بحقول إسبانيا، حيث بدأ مسلسل معاناة جديد..
«أنا عاطل عن العمل هنا ولن أعود إلى المغرب. كيف لي ذلك وأنا لا أملك فلسا واحدا؟ هل أبسط يدي من جديد لعائلتي؟».. «الحياة هنا معاناة مستمرة لما عانيناه مع العطالة والفقر في المغرب».. «غيرنا المكان فقط أما ظروفنا فمازالت على حالها».. «النجاة حلم تبخر منذ ولادته والسلطات المغربية تتحمل المسؤولية كاملة فيما انتهينا إليه. أغلب ضحايا النجاة لا أوراق إقامة لهم ولا مستقبل لهم ولا سكن».. هذا قليل من كثير من المعاناة التي كتب القدر تفاصيلها بحبر من الألم لم تستطع الضفة الأخرى «إسبانيا» أن تمحوه عن جباه ضحايا «صفقة النجاة»، بقدر ما عمقته، إذ تلاشت أحلام الآلاف من الشباب الذين استبشروا خيرا بصفقة اسمها «النجاة» وضعتهم في الحضيض عوض أن «تنجيهم» من واقع الفقر والتهميش الذي يلاحقهم وبدلت الحلم بالألم، والفرح بالحزن والمعاناة.
عبد العزيز، أحمد، رشيد، سعيد، إبراهيم، عبد الكريم، محمد.. والقائمة طويلة لشباب اختاروا القبول بعرض عقود العمل بالفلاحة بإسبانيا التي قدمتها لهم السلطات بعدما تحولت صفقة «النجاة» إلى «كذبة كبرى» كبدت ثلاثين ألف شاب مغربي خسائر مادية ومعنوية مازالت عصية على النسيان، رغم مرور أكثر من تسع سنوات لم تمح جراح ضحاياها الذين يعدون بالآلاف من الشباب العاطل وأسرهم ممن نسجوا أحلاما وردية وشيدوا مشاريع ومنازل وهمية في مخيلاتهم، ظنا منهم أن الحظ ابتسم لهم أخيرا، قبل أن تنطلي عليهم الحيلة التي تم حبكها ب«إتقان»، يؤكد عبد العزيز، أحد الضحايا ل«المساء».
متشردون بإسبانيا
يعدون بالمئات، وهم يعيشون في «خِرَب» شيدوها بأنفسهم، أو بمنازل متآكلة هجرها أصحابها، بعد أن «انتهت صلاحيتها»، غير أن ضحايا «صفقة النجاة» يجدون فيها مسكنا مناسبا لهم ب«جميع المقاييس»، رغم رداءته، ماداموا لن يجبروا على دفع أجور الكراء، ولن يطالبهم أحد بذلك لأنهم أبرموا عقد تفاهم «شفوي» مع أصحاب العقار الذين يقبلون بصدر «رحب» طلب المغاربة «ضحايا النجاة» لأن جميعهم على علم بتفاصيل ما وقع لهم وبمأساتهم، مما جعلهم محط «شفقة ورأفة».
بحكم قلة فرص الشغل، إن لم نقل انعدامها بالنسبة إلى شباب في أوج العطاء، خاصة ضحايا النجاة، فإن أغلب الذين التحقوا بالديار الإسبانية في ظل عقود تشغيل بالوساطة في الخارج، لا عمل لهم هناك، حيث أعطيت لهم الأسبقية في الشغل، سواء في عقود العمل الموسمية، أو في الوساطة التي تقوم بها الوكالة الوطنية لإنعاش الشغل والكفاءات، والمتمثلة في تقديم المرشحين لأرباب الشغل بهدف تشغيلهم.
عبد الكريم (37 سنة) القادم من مدينة تاونات، والذي يعيش بأحد المنازل التي هجرها ملاكها الأصليون رفقة مغاربة آخرين يجمعهم الفقر والبطالة، بعد أن استأذنوا في ذلك، يقول إنهم «يستفيدون من الدعم الحكومي، كما أنهم يتلقون عطفا ومساندة من السكان»، وهو ما يهون عليهم شدة المعاناة.
صفقة «بطالة»
تكسرت أحلامهم على صخرة واقع غربي «مريع» لا يؤمن إلا بالكفاءات. وحتى المهن الهامشية التي تعتمد على المجهود العضلي، والتي كانت تستقطب اليد العاملة غير المؤهلة، أصحبت نادرة، بل انعدمت في ظل الأزمة الاقتصادية العالمية، حتى أن أبناء الوطن أصبحوا كغيرهم من الأجانب بدون عمل. حال ضحايا «صفقة النجاة» هو حال باقي عدد كبير من المغاربة الذين عبروا إلى الضفة الأخرى إما بعقود عمل موسمية أو عبر قوارب الموت.. فالنتيجة واحدة: بطالة وانعدام الاستقرار المادي والنفسي لدى عدد كبير منهم، وحتى إن توفرت فرص الشغل فهي موسمية أو عبارة عن «بريكولات»، يؤكد عبد الكريم، لتأمين لقمة العيش فقط. ورغم أن ذلك واقع صادم لهم، فإنه لن يدعوهم إلى التراجع عن قرار البقاء بإسبانيا إلا إذا حملوا على نعوش. يبدو ذلك قرارا لا يخلو من إجحاف، غير أن لضحايا «النجاة» تبريرا آخر. إنهم يربطونه بالكرامة وعزة نفس، فعودتهم إلى بلدهم المغرب يجب أن تكون تتويجا لنجاح «باهر» أو على الأقل العودة برأس مال لا بأس به لإنجاز مشروع بمسقط رؤوسهم.
«غيرنا المكان فقط والواقع الاجتماعي هو هو.. نحن نتصارع لنعيش فقط» هذه شهادة لعبد الكريم، الحامل للإجازة في البيولوجيا. كان هذا الشاب يحلم بمنصب محترم ببلده المغرب، وبعد سنوات من الانتظار والبطالة وقضاء أغلب الوقت في «راس الدرب»، وبعد الإعلان عن صفقة «النجاة» أينعت بداخله أحلام جديدة، فمهما كان «العمل في المغرب فإنه لا يمكن أن يبلغ قيمة ما سيجنيه من العمل بدول أجنبية، وحتى بدول الخليج، إذ هي معروفة بعملتها. هي فرصة نادرة لا يمكن أن يضيعها عاقل في مثل حاله»، خاصة بعد أن علم أنها تحت إشراف عدة جهات مسؤولة في المغرب ومؤسسات وطنية على رأسها الوكالة الوطنية لإنعاش الشغل والكفاءات (أنابيك)، وهو ما جعلها ذات مصداقية كبرى.
أحلام «النجاة» المنكسرة
سبعة آلاف درهم في الشهر آنذاك أسالت لعاب «ضحايا النجاة» للمغامرة في تجربة أيقنوا بحقيقتها لأنها مبادرة حكومية مقابل العمل في بواخر تابعة لشركة إماراتية. العمل بسيط والمقابل ضخم، والحاجة إلى ذلك أشد، لذلك كانت جميع الفئات الشابة تتهافت لتأمين مقعدها ضمن المرشحين، حيث بلغت ملفات الترشيح 45 ألفا، اختير منها 22 ألفا، حسب عبد العزيز.
وتطلب الملف إجراء فحص طبي بمبلغ 900 درهم لكل مرشح، بالإضافة إلى مصاريف الملف. كانت تلك المصاريف ثقيلة على شباب عاطل، غير أن التآزر الاجتماعي استطاع أن يخفف من عبء الهاجس النفسي عليهم خشية أن يضيع «مستقبل وردي يلوح في الأفق». من هؤلاء من اقترض، ومنهم من باعت أسرته أثمن ما تملك إلى حين أن يعوض تضحياتها بالخير، خاصة من كانوا يحملون الشهادات الجامعية العليا، إذ تلقوا وعودا، بناء على المباريات التي خضعوا لها والتي صنفتهم ضمن الصفوة الذين سيعملون وفق ما تمليه كفاءاتهم العلمية، والذين سيتقاضون عن ذلك مبالغ جد مهمة، وهو ما فتح شهية حاملي شهادات عليا آخرين انضموا إلى باقي الضحايا. يقول عبد العزيز إن والدته باعت حليها في سبيل مساعدته، وهو الشيء الذي مازال يعصر قلبه لأنه لم يف بالعهد الذي قدمه لها بإرجاع حليها. عمر، ضحية آخر، لم يلجأ إلى أسرته، بحكم الفاقة التي تمر بها، فتوجه إلى صديق مقرب إليه، حيث اقترض منه مبلغا كبيرا لإتمام جميع الإجراءات القانونية، وهو المبلغ الذي ظل كابسا على أنفاسه عدة سنوات بحكم أنه لا يتوفر على عمل قار، هو الذي يحمل إجازة في الأدب الإنجليزي، وكان يظن أنه سيكون ممن سيتموقعون في مراتب خاصة بحكم مستواه التعليمي العالي وإتقانه لغة أجنبية مهمة في الإمارات التي كان مرشحا لامتطاء بواخرها السياحية.
انطلت الكذبة على الجميع، وتعلق الشباب المغربي العاطل بحلم «زائف»، حيث أصدرت الوزارة الأولى آنذاك في أكتوبر 2002 بلاغا تعترف فيه ضمنيا بعملية النصب التي تعرض لها ثلاثون ألف شاب مغربي كانوا مرشحين للعمل عبر شركة «النجاة الإماراتية»، فتبخر بذلك حلم العمل إلى رحلة بحث «غير مجدية» مطبوعة بالاعتصامات والاحتجاجات لمدة ثلاث سنوات للمطالبة بإنصافهم، من خلال توفير فرص عمل جديدة لهم، أو تعويضهم عن الأضرار المادية والنفسية التي تعرضوا لها. وكان البديل، الذي لم يشمل الجميع، إعطاء ضحايا «النجاة» الأسبقية في العمل بحقول إسبانيا عن طريق «عقود موسمية»، وهي المحطة الثانية من معاناة مفتوحة مازالت لم تنته فصولها منذ تاريخ الالتحاق بحقول «الزيتون» و«الطماطم» و«الفريز»..
رحلة «الهروب» من الحقول
كان من الصعب على شباب يحلم بأن يتبوأ مراكز مهمة أن يقبل العمل داخل حقول لا يتعدى دورهم فيها جني المحاصيل الزراعية، كمن لا تكوين له، وهو ما جعل فكرة مغادرة تلك الحقول تستحوذ على جميع فكرهم للفرار من «جحيم» العمل الفلاحي المضني، الذي لم تكن تربط أغلبهم به أي علاقة، خاصة ممن كانوا يستقرون بالمدن، وهم من كانوا يمثلون الأغلبية الساحقة. يقول عبد الكريم، الذي مازال يصر على العيش بإسبانيا رغم ظروفه الصعبة:«كان العمل مضنيا داخل الحقول الإسبانية، لذلك استحال على البعض التأقلم مع الوضع، خاصة من لم تكن قدرته الجسمانية تسمح له بذلك، فكان التفكير في كيفية مغادرة تلك الحقول، وهنا يكون الحظ سيد الموقف بالنسبة للجميع، علما أن هذه الفكرة كان يرفضها البعض، لأنهم كانوا مقتنعين بالعمل هناك، غير أنهم لا يريدون الاستقرار بإسبانيا، فقد كان همهم العودة بمبالغ محترمة خلال ستة أشهر، وقضاء نصف السنة الأخرى بين ذويهم، وهي المدة التي يعمل بها المغاربة في الحقول داخل إسبانيا ويعودون بعدها إلى المغرب».
وبحكم أن الجهات المشغلة تحتفظ بوثائق العاملين، فإن «الفرار» أو «الحريك» من الحقول الإسبانية التي يعمل بها العمال المغاربة، بمن فيهم ضحايا النجاة، لم يكن بالأمر البسيط، لأن الحظ كان «المقرر الوحيد والأوحد»، غير أن من ابتسم لهم الحظ سرعان ما اكفهر في وجوههم، حيث اصطدموا بواقع مؤلم، حتى بالنسبة إلى من استطاع، بعد سنوات، تسوية وضعيته القانونية داخل إسبانيا، إذ في ظل الأزمة العالمية مازالت أزمتهم مستمرة منذ تاريخ التحاقهم بإسبانيا، غير أن منهم من يفضل الاستمرار هناك على أن يعود إلى المغرب.
رفض العودة
«حنا سوفرينا بزاف. يكذب عليك الكذاب واش نرجع» يقول رشيد الذي مازال متشبثا بالمكوث في إسبانيا، رغم أن لا عمل قار له، إذ هو يعمل يوما واحدا ويتوقف عن العمل أكثر من عشرة أيام، غير أنه ينظر إلى الأشياء بمنظار خاص، ويعتبر أنه قوي إلى حد أنه لن يستسلم ويعود إلى مدينته التي عانى بها «الشوماج» 18 سنة، إلى أن انطلت عليه كذبة كبيرة اسمها «النجاة» ظن أنها ستنجيه من البطالة وستفتح له آفاق الشغل وستدر عليه أرباحا وفيرة هو وأسرته التي عانت من أجله الكثير، والتي رفضت أن يعمل بحقول إسبانيا، إلا أنه تشبث بقرار العمل بالعقود الموسمية التي كان يعتبرها مجرد مرحلة عابرة ستفتح له باب الاستقرار بالجارة الشمالية قبل أن يصطدم بواقع بطالة آخر مازال يعانيه إلى الآن، والأدهى من ذلك أنه بدون أوراق إقامة.
نفس الشيء بالنسبة إلى عبد الكريم: «علاش غادي نرجع المغرب. أنا بوفري بوفري اللهم في إسبانيا»، وأضاف أن «العائلة ضحت معنا سنوات طويلة. لذلك لا يمكن أن أعود لأضيق عليها من جديد وأحملها ما لا يمكن أن تحتمله».
ذكريات أليمة
حوالي تسع سنوات قضاها عبد العزيز، أحد ضحايا النجاة، الذي استفاد من عملية جبر الضرر، حيث كان واحدا ممن استفادوا من عقود العمل الموسمية بحقول إسبانيا. تسع سنوات من المعاناة وانعدام الاستقرار، بل إن المشاكل الاجتماعية كانت تنزل على رأسه كالصاعقة من فرط ما حل به، رغم بعده عن العائلة، فعوض أن تضمن له الهجرة استقرارا، على الأقل لأسرته الصغيرة، التي كانت مكونة من زوجة وطفل معاق، فككتها حيث بعد شهور من الاغتراب فضلت الزوجة الانصراف إلى حال سبيلها عوض انتظار زوج لم يعد يربطها به سوى الهاتف، وشككت في أمر عودته وهو يحمل حقيبة «يرتب» فيها جميع الوعود والأحلام الوردية التي وعدها بها، قبل أن تفاجأ بأن الوعود ذهبت أدراج الريح كما حصل مع «صفقة
النجاة».
وجد عبد العزيز نفسه مطالبا بالعودة، بعد أن تحمل والداه العجوزان عبء تربية طفله المعاق، الذي هجرته والدته بعدما تسلمت ورقة طلاقها، لمدة قاربت تسع سنوات، تمنى خلالها لو أنه لم يغادر المغرب قط، إذ لو ظل إلى جانب طفله لاستطاع أن يجد لنفسه عملا «عشوائيا» يقتات به وأسرته عوض أن يتيه بنفسه في بلاد الغربة التي لم تنفعه في تخطي واقعه الاجتماعي، بل إن سنوات الهجرة لم تشفع له حتى في العودة بمبلغ محترم يبني به مسار حياته من جديد، ويهون عليه المدة الطويلة التي قضاها تائها في إسبانيا بلا عنوان ولا كرامة، إلى أن حركته عاطفة الأبوة فقرر جمع حقائبه للعودة إلى حضن العائلة والوطن والرضا بقدر الله، رغم أنه ملزم بدفع مبالغ مالية مازالت تكتم على أنفاسه إلى أصحابها, الذين أقرضوه إياها لتحضير ملف الترشيح لصفقة النجاة التي لم تنجه من شر الفقر والتهميش الذي عاشه منذ أن حصل على شهادته العلمية.
مصير مجهول
اعتبر ضحايا النجاة، الذين تحدثوا ل«المساء» عن معاناة نفسية ومادية مازالت تلاحقهم، أنه لم يتم جبر ضررهم بالشكل الأنسب، وأن من بين الضحايا من استسلم للقدر ولم يكن ضمن من احتجوا عقب افتضاح أمر شركة «النجاة» التي كانت بمباركة مجموعة من الجهات المسؤولة، أعطت لها المصداقية إلى حد كبير، مما ساهم في ارتفاع عدد الضحايا. وحتى من عبروا إلى الضفة الأخرى عبر العقود الموسمية، مازالوا يغرقون في بحر مفتوح من المشاكل، ومن عادوا لم يكونوا أحسن حالا ممن يعانون في «أكواخ» بإسبانيا، فيما آخرون تم تجاهلهم فقط لأنهم التزموا الصمت ولم يشاركوا في الاحتجاجات.
«فضيحة النجاة»، يقول عبد الكريم، ليست سوى وجه من أوجه الإقصاء الاجتماعي، بل تلخص اختلالات «خطيرة» حتى في أكثر الأمور جدية، والمواطن البسيط هو دائما من يدفع ضريبة هذه الاختلالات، على اعتبار أن شركة «النجاة» أبرمت اتفاقا مع الوكالة الوطنية لإنعاش التشغيل والكفاءات, التابعة لوزارة التشغيل والتكوين المهني والتنمية الاجتماعية والتضامن آنذاك، وأن أولى ضريبة هي ضياع أجمل سنوات الشباب. فكيف تعوض الدولة أحلاما تبخرت وسنوات ضاعت هباء؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.