أن يعين الملك وزيرا اولا فذلك حق يكفله له الدستور..وان يكون الوزير المعين من الحزب صاحب الاغلبية البرلمانية فذلك نصر للديمقراطية ولا ريب..ولكن ان يكون سعيد الحظ هذا عباس الفاسي فذلك استخفاف بمشاعر من طوحت بمصيرهم فضيحة "النجاة"..تسمية عباس على راس الوزارة الاولى اذن كان كافيا لاستدعاء ذكرى اليمة لا زال البعض يعيش تداعياتها السلبية الى اليوم..وابرز تلك التداعيات انتحار اربعة من الثلاثين الف الذين غرر بهم وترك مصيرهم للمجهول..تعود جذور الفضيحة الى ربيع العام 2002 حينما تبخرت احلام 30000 الف مغربي اضافة الى اسرهم واقاربهم والمتعاطفين معهم وذهبت امالهم ادراج الرياح..اذ كان من المؤمل ان يشتغلوا بموجب عقد ابرمته الدولة في شخص وزير تشغيلها ان ذاك عباس الفاسي مع شركة "النجاة" الاماراتية..بيد ان ذلك كان محض سراب تجرع علقمه الكثير من البسطاء.. "" الكذبة الكبرى.. كان يوم ربيعي عادي..اناس يعبئون استمارات قيل وقتها انها للشركة خليجية تبحث عن يد عاملة..لم يكترث الكثيرون للخبر وهو يدرج على اجندة اخبار اليوم للقناة الثانية..لكن سرعان ما تلقفت الدولة الخيط الرفيع للمسألة..كيف لا وحماية المواطن من تلاعب المضاربين بامال البسطاء غاية نبيلة..واتضح لاحقا ان الامر يتعلق بشركة اماراتية تدعى" النجاة" ترغب في تشغيل 5000 شخص على متن مراكبها العائمة في اعالي البحار..وتحول الرقم بقدرة قادر الى 30000..وبين مشكك ومؤيد للخبر استضاف برنامج تلفزيوني على القناة الثانية : "وجه لوجه" للاعلامية مليكة مالك وزير التشغيل ومساءلته عن الموضوع..السيد عباس وبملء فمه اخبر ان الدولة تعي مصلحة رعايها وانها تصون مصالحهم من أي تلاعب وان الصفقة جدية وحقيقة وانها فرصة لا تعوض وان من يشككون فيها فقط يريدون تاييس الناس وزرع الشكوك والبلبة..ما اجملها من كلمات داعبت وغازلت احلام الثلاثين الف في ذلك المساء.. وعهد للوكالة الوطنية للتشغيل وانعاش الكفاءات ANAPEC بتتبع مسار العملية..ولتكتمل صورة الماساة طلب من المترشحين للجنة الموعودة اجراء فحوصات طبية نظير 900 درهم أي ما يعادل 100 دولار..وتكفلت بالمسالة مصحة " السلام" بالدار البيضاء"..وجندت كل اطقمها الطبية لحصد اكبر كم من الاموال..وجاء يوم اعلان النتائج.. نتائج الفحوصات الطبية الجميع في صحة جيدة ف 100 دولار كفيلة بجعل المترشح خال من جميع الامراض المعدية على الاقل..وبدا الحدث المفصلي والذي تجلى في توقيع عقود العمل الصورية طبعا..كان المشهد مليئا بالعواطف الجياشة والاحاسيس النبيلة بل هناك من هم بترك الاهل والديار واذناه صمت بكثرة النصائح وكيفية التعامل مع البحر ورفاق العمل المنتظرين..وتم التوقيع على العقود من طرف واحد دونما اشارة للطرف الثاني أي شركة "النجاة "..ودارت الايام وبدا الملل يتسرب الى النفوس المهزومة والمكسورة والمقهورة..وطال الانتظار حتى اتضح ان الموضوع برمته كذبة ابريل كبرى مازح بها عباس الفاسي وحزبه وحكومة المغرب ابناءهم من عامة الشعب..وذللت لهم الصعاب نحو البرلمان..وانتهى كل شيء تماما كما بدا على صيحات اناس يائسون متحصرون يندبون حظهم العاثر..وسار كل يلوم الاخر ويحمله المسؤولية دونما ان تتوفر الشجاعة لا للوزير ولا لحكومته ان يقدموا استقالتهم تماما كما يحدث في الديمقراطيات العريقة..انفطر العقد واسس الضحايا جمعيتهم المسماة "جمعية ضحايا شركة النجاة"..بقيت تراوح مكانها فلا قدرة لها على مجاراة التيار وتآكلت بفعل النسيان والتماطل وتكالب كل قوى البلد.. طوق نجاة... يقال ان الطريق الى الجنة مفروش بالنوايا الحسنة..بيد ان تلك النوايا لم تكفل حق 30000 شخص ذنبهم انهم وثقوا في حكومتهم..وحين وضعوا امام المحك خذلتهم وتركتهم يجابهون مصيرهم امام لوبيات لا وجود للحق في اجندتها..غير ان طوق النجاة اوصل عباس الى الوزارة الاولى..وهو ما يطرح التساءل الجدي كيف لمن فشل في تدبير وصون كرامة الاف من البشر ان يستطيع ادارة دفة الحكم لشعب باكمله من 30 مليونا؟..وبالتالي فمهما كان اداء الرجل ثمة فضيحة ستنغص عليه فرحة الكرسي الذي قد لا يكون مريحا..اما الضحايا فالله وحده يتولاهم ويصبرهم ويعوضهم عن كل تلك الامال التي علقوها على السراب الحكومي..والاربعة المنتحرون ربما فعلو خيرا فذلك اهون من رؤية عباس الفاسي وزيرا اولا..هي اذا ازدواجية في المعايير وسياسة الكيل بمكيالين واستهتار سافر بمشاعر الاغلبية الصامتة من ابناء الشعب.. فضيحة "النجاة" هي وصمة عار في جبين المغرب الحديث..هي نقطة سوداء في مسار عباس الفاسي الرجل الذي اراد سيرته الذاتية مرصعة بالانجازات فجاءت "النجاة" لتحولها الى ورقة مفحمة السواد..فضيحة "النجاة" هي بداية فعلية لمسلسل الاحزان وفقدان الثقة..واخير ربما يتساءل البعض من اين لي بكل هاته التفاصيل عن حجم تلك الماساة..انا بكل بساطة واحد من ضحايا النجاة.. عن الجزيرة توك