تريدون المنهجية الديمقراطية؟ إذن اصبروا على عباس الفاسي، فالمنهجية ذاتها هي ما حمله إلى الوزارة الأولى رغم ضعفه ورغم قلة حيلته... بهذا الجواب هرب مسؤول كبير في الدولة من سؤال وجه إليه حول الهدف من اختيار أمين عام الاستقلال للوزارة الأولى. قطب آخر من المعارضة قال: «كنا ننتقد اليوسفي وجطو، والآن مع عباس الفاسي أصبحنا نترحم عليهما... الله يلطف أن يكون الآتي أسوأ...». ثالث من الوسط الفني هذه المرة يقول: «جاءوا بعباس الفاسي إلى الوزارة الأولى ليعاقبوا الشعب على عدم ذهابه إلى صناديق الاقتراع وليمهدوا الطريق للوافد الجديد»... يشهد الموقّع أعلاه أمام السيد الفاسي أن هذه الآراء وغيرها كثير سمعتها في حقه من أشخاص بلحمهم ودمهم، رغم أن الوزير الأول قال ل مجلة «جون أفريك» إنه لا يقرأ انتقادات الصحافة ولا يلتفت إليها، فربما يوجد في محيطه من يقرأ له... هذا واحد من أكبر عيوب الفاسي.. أنه لا يجيد التواصل ولا يحسن فن التعامل مع الصحافة والإعلام. منذ فضيحة النجاة وعباس في حرب مفتوحة مع الصحافة، إلى درجة أنه أراد مرة أن يجر الملك محمد السادس في مجلس وزاري إلى مناقشة ما أسماه «تجاوزات خطيرة للصحافة في بلاده»، فاعتذر الملك بلباقة وذكر وزير الدولة في حكومته بأن هذه النقطة غير مدرجة في جدول الأعمال. كلما تحدث عباس أكثر جلب على نفسه انتقادات أكثر. انتقاد عباس اليوم أصبح سهلا لأن ضعفه السياسي أصبح مكشوفا للجميع... الأمور تتجاوز شخصه ومساره إلى ضعف حزبه وحكومته ومجمل الحقل السياسي العام في البلاد. لا تظلموا الرجل، فهو لم يكن في أي مرحلة من حياته وهو وزير في السبعينات، ثم وهو سفير في تونس وباريس، ثم وهو عائد إلى الحكومة في وزارة الشغل (أعطوه وزارة الشغل في بلاد لا شغل فيها)، ثم وزارة الحقيبة الفارغة، لم يكن في أي محطة من مساره السياسي الناعم رجلا ثوريا أو إصلاحيا أو حتى معارضا... إنه سليل عائلة سياسية محافظة لا ترى لها مكانا سوى تحت ظلال سيوف المخزن. نعم، إنه ينتمي إلى حزب الاستقلال، لكن الاستقلال كان دائما يُطبع ببصمات زعمائه، ويتعرض تاريخه وأدبياته للتأويل على مقتضى الأحوال والظروف. ألم يقبل علال الفاسي، رحمه الله، بوزارة الأوقاف وهو الزعيم الكبير الذي لم يكن المغاربة يعرفون زعيما سواه طيلة سنوات عديدة؟ ماذا تريدون من وزير أول خارج من صناديق اقتراع قاطعها 80 % من المغاربة؟ ماذا تريدون من زعيم حصل حزبه على 500 ألف صوت من أصل 20 مليونا وصلوا إلى السن القانونية للتصويت؟ ماذا تريدون من وزير أول نزلت عليه الوزارة الأولى من السماء بفضل العناية الملكية؟ ماذا تريدون من عباس الذي يقود حكومة أقلية يضمنها حزب «التراكتور» في البرلمان؟ عباس الفاسي منسجم مع تاريخه ومع وضعه ومع ميزان القوى القائم، فهو ليس معنيا بدخول «التاريخ» ولا بقيادة انتقال ديمقراطي حقيقي أو مزعوم. ولهذا، فإنه أقفل عقله وسلم المفاتيح إلى الملك، كما قال مرة إدريس البصري للفقيه البصري في باريس، عندما هم هذا الأخير بإقناع وزير داخلية الحسن الثاني باضطراب الأوضاع في البلاد. لا تظلموا عباس فإنه ابن مرحلته، عند رأسه تجمعت كل غيوم المرحلة السياسية الراهنة.. غيوم تحجب الرؤية عن وطن لا يعرف أين يضع قدميه.