هل كان اختيار عباس الفاسي في إطار خطة معاقبة المواطنين باسم المنهجية الديمقراطية لأنهم هجروا صناديق الاقتراع مساء يوم الأربعاء 15 أبريل 2009، أطل الأستاذ عباس الفاسي، الوزير الأول، على مشاهدي القناة الثانية من خلال نافذة برنامج «ضيف خاص»، إلا أن ظهوره هذا خلف –على الأقل من خلال تغطيات الصحافة المكتوبة لهذا الظهور– تذمرا وخيبة شديدين وأثار موجة من الانتقادات الحادة. حتى إن هناك من اعتبر أن الرجل كان سيُحسن صنعا لو تجنب هذا النوع من الظهور. وعادت بنا التعليقات التي نُشرت بصدد كلام الفاسي إلى نقطة البداية، أي إلى السؤال الذي طُرح مباشرة غداة تعيين الرجل: هل كان من الضروري أن يكون عباس الفاسي هو وزيرنا الأول. لقد عابت عليه الصحافة عموما وهو يتحدث إلى النظارة: أنه قدم معلومات متجاوزة، فهو ناشد النقابات أن توقف إضراب النقل في وقت كان فيه التوقيف حاصلا. وتمنى البعض لو أن التلفزة تخلت عن بث البرنامج إذا كان قد تم تسجيله قبل توقيف الإضراب، رحمة بوزيرنا الأول الذي ظهر بمظهر المسؤول الذي تتجاوزه الأحداث. أنه قدم تصريحات مخالفة للواقع، فهو ذكر أن عمل الفريق الحكومي يتسم بالانسجام، وأن الحكومة قوية، في وقت يشاهد فيه الجميع تضارب المواقف بين مكوناتها. أنه قدم مبدأ عدم الإفلات من العقاب، كما لو كان ساري المفعول تماما، وكما لو كان قاعدة حية على الأرض، لا تحدها حدود ولا تقيدها حواجز، بينما يرى الجميع أن تقارير المجلس الأعلى للحسابات لم تستتبع مسلسلا جديا للجزاء القضائي بخصوص التدبير الجماعي، وأن الذين مارسوا انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان خلال الحملة التي أعقبت أحداث 16 ماي، يصولون ويجولون بيننا بكل اطمئنان، ولم يزرع الكلام عن مبدأ عدم الإفلات من العقاب بذور التخوف من احتمال ملاحقتهم. أنه باشر استحسان وضع مؤسسي مفارق، ولم يكتف بالصمت والاستتار، فما معنى التصريح بأن «جلالة الملك يتمتع بالاختصاص العام»، وأن «جميع أعضاء الفريق الحكومي هم وزراء في حكومة جلالة الملك» وأن «جلالة الملك يقدم توجيهات ويتخذ قرارات في جميع القطاعات الوزارية، إلا أن ذلك لا يتعارض مع اختصاصات الوزير الأول». وكيف لا يعثر المرء في هذا الوضع الذي تم توصيفه على أي عنصر للخلل ولا يثير فيه أي مظهر للقلق. ليس مطلوبا من عباس الفاسي أن يدافع عن الملكية البرلمانية، ولكنه على الأقل ليس مطالبا بامتداح الملكية التنفيذية في كل مناسبة. أنه تولى الإشادة بالذات بشكل مبالغ فيه، مما حمل بعض الصحفيين على اعتبار أن لسان حاله في برنامج القناة الثانية كان يقول (أنا وحدي نضوي البلاد!). أنه ركب لغة مفعمة بمعاني الاستعطاف والتوسل، فلم يتمسك بالاستحياء الضروري وهو يلتمس ضمنا أن يتم الإبقاء عليه في منصبه، عبر تصريحه بأن «أية حكومة ليست لها أية حصيلة بدون ثقة صاحب الجلالة، هذه الثقة التي أعتز بها وأتمنى استمرارها». أنه أقحم اسم الزعيم الراحل علال الفاسي في قضية السبق لطرح مطالب الإصلاح الدستوري، وأخرج هذه المطالب من سياقها الحالي، لأن الجميع عندما يتناول اليوم قضية الإصلاحات الدستورية، فهو يقصد بها تلك التي تهم مغرب محمد السادس وليس مغرب محمد بن يوسف. أنه مارس ما يمكن أن نعتبره تكتما بصدد قضية يحتاج الرأي العام فيها إلى المزيد من العناصر والإيضاحات، وهي قضية التعاضدية العامة لموظفي الإدارات العمومية، التي اكتفى فيها بالقول إن الملف يوجد بين يدي وزير المالية ووزير التشغيل. أنه على العموم لم يقدم أي جديد أو أية بيانات إخبارية أو تحليلية يمكن أن تعمل على تنوير الرأي العام بصدد قضايا وملفات، يشعر المواطنون فيها بتعطش لمعرفة المزيد من التفاصيل، كقضية قطع العلاقات مع إيران. أنه سقط أحيانا في مواقف مضحكة، وخاصة عبر إشارته، مثلا، إلى أن محاربة جني محاصيل القنب الهندي بالعرائش تتم بواسطة منح خروف للفلاحين. وفي النهاية، فإن الصورة التي تداولتها وسائل الإعلام المكتوبة عن الحوار التلفزي الذي أجري مع عباس الفاسي، تجعل الذين لم يشاهدوه غير نادمين على ذلك. وتساءل بعض الصحفيين عما إذا كان السبب في هذا الظهور الإعلامي الفاشل هو عدم توفر الوزير الأول على مستشارين في التواصل والإعلام. وهناك من وصل إلى حد الإشفاق لحال الشعب المغربي، «فشعب كالذي ننتمي إليه يستحق وزيرا أول أحسن بكثير من هذا». أي أن المتابعة الإعلامية لحدث الحوار التلفزي مع عباس الفاسي خلصت إلى ما يشبه الإقالة الرمزية لوزيرنا الأول الحالي. وهنا، يُطرح تساؤل هام، عن السبب الذي يجعل الوزير الأول الذي تم تعيينه بمقتضى «المنهجية الديمقراطية» هو الأكثر تعرضا للانتقادات؟ هل الأمر مجرد مصادفة أم إن هناك علاقة ما بين هذه المنهجية وحدة النقد الموجه إلى الرجل الذي استفاد من تطبيقها؟ طبعا، من حق المغاربة أن ينتقدوا وزيرهم الأول، بل من حقهم أيضا أن يطالبوا بإقالته وبتنظيم انتخابات سابقة لأوانها من أجل تغيير حكومتهم. والتعليقات التي تناولت حديث عباس الفاسي إلى القناة الثانية، ذكرت بما اعتبرته ضمنيا أساس المشكلة الأصلية، وهو عدم أهلية الرجل لشغل منصب الوزير الأول، فهناك من استغل المناسبة الجديدة لإعادة التنبيه إلى قضية النجاة وإلى مرض الرجل، ول «فضح» محاولاته اليائسة لإخفاء عدم استيفائه شروط الاقتدار الفيزيولوجي لممارسة مهمته.. وبمعنى آخر، هل يكون الملك تبعا لذلك قد أخطأ حين قرر تعيين عباس الفاسي وزيرا أول؟ فالرجل، حسب أحد المقالات، «لا يتمتع لا بكاريزما اليوسفي، ولا بخبرة جطو، ولا بعلاقات الفيلالي مع القصر، ولا بثراء كريم العمراني». وهل كان اختيار عباس الفاسي، بالضبط، يندرج في إطار خطة تروم حسب البعض معاقبة المواطنين باسم المنهجية الديمقراطية، لأنهم هجروا صناديق الاقتراع، وحق عليهم العذاب جزاء ما اقترفو، بسبب كون مقاطعتهم للانتخابات مست بهيبة المخزن. وهل هناك مؤامرة مسبقة ترمي إلى تقديم الوزير المنبثق عن المنهجية الديمقراطية على الشكل الذي ظهر به في القناة الثانية، للتدليل على أن تلك المنهجية لا تصلح لنا في المغرب ولا تطابق وضعنا ومصالحنا ولن نجني منها اليوم إلا الكوارث. وهل هناك وراء عرض الحلقة الأخيرة من «ضيف خاص»، إرادة لخدمة جهة محددة، ولتعبيد الطريق أمام وزير أول مقبل تصبح معه وحده المنهجية الديمقراطية منتجة لأثرها الإيجابي. هذا التحليل نجده حاضرا في الكتابات التي تؤكد، مثلا، أن هناك «من يريد أن يظهر صورة مؤسسة الوزير الأول بهذا الشكل المضحك» و»هناك بالتأكيد يد ما ترسم هذا المسار الذي نتفرج عليه جميعا، وهناك من يصر على إظهار عباس غير متمكن من أي شيء» و»هناك بالتأكيد عقلية تهندس لهذا التفكير العبقري الخاص من نوعه الذي يريد أن يظهر عباس بذلك الشكل، وأن يظهر الأحزاب بشكل مقارب، وأن يظهر فؤاد وحده قويا وقادرا على «فك كل الوحايل» كيفما كان نوعها». إذا عدنا إلى أول الحكاية، سنجد أن الملك كان قد التزم قبل 2007 بتعيين الوزير الأول من الأغلبية التي تفرزها نتائج الاقتراع. وهذا يعني أن يكون الوزير الأول منتميا إلى حزب جاء في صدارة الترتيب، وأن يكون هذا الوزير الأول قادرا على تكوين أغلبية تصوت لفائدة التصريح الحكومي بمجلس النواب. إلا أن تعيين عباس الفاسي، إذا كان قد باركه البعض، فإنه خلف كذلك ردود فعل غاضبة لدى عدد كبير من ممثلي وموجهي الرأي العام، والذين اعتبروا هذا التعيين بمثابة نكبة وطنية، رغم أنه جاء مطابقا للالتزام الملكي باحترام المنهجية الديمقراطية وحكم صناديق الاقتراع التي بوأت حزب الاستقلال المرتبة الأولى. هناك من اعتبر أن الملك كان ملزما بمراعاة تورط عباس الفاسي في قضية النجاة، وبالتالي انتفاء «أهليته» السياسية لتقلد المنصب. وفي هذه الحالة كيف يُطلب من الملك أن يحل محل الناخبين في الحكم على الرجل وحزبه. كان بإمكان هؤلاء، مثلا، أن يصوتوا على حزب يلتزم حال الظفر بمنصب الوزير الأول باتخاذ إجراءات المتابعة القضائية في ملف النجاة. وهناك من اعتبر أن ضرورة اختيار وزير أول من حزب الاستقلال لا تعني حتما أن تكون الشخصية المختارة هي عباس الفاسي، إذ يمكن اختيار أحد آخر من «مجموعة الوزراء الاستقلاليين الشباب». وهنا، لا بد من الإشارة إلى أن تعيين استقلالي آخر غير عباس الفاسي، كان ربما سيشعل وقتها نار حرب أهلية ضروس بالحزب، وسيحول الملك إلى طرف في صراع داخلي تتواجه فيه مجموعتان على الأقل، إحداهما تشكك في عمق الانتماء الاستقلالي للوزراء الشباب، والأخرى تشكك في كفاءة واقتدار ديناصورات السياسة السياسوية بالحزب. المفروض أن الأمين العام يشخص مختلف الحساسيات القائمة بالحزب، وقد أظهر المؤتمر الأخير لحزب الاستقلال أن أعضاء الحزب نظريا يعتبرون عباس الفاسي الأجدر بتمثيلهم. المشكلة في الأصل، إذن، أن الكثير من المواطنين الذين صدمهم تعيين عباس الفاسي، لاعتبارات قد لا تخلو من وجاهة أحيانا، لم يشاركوا في اقتراع 2007، ولم يبذلوا بالتالي أي مجهود لتفادي مثل هذه الصدمة. فإذا كانت صناديق الاقتراع في المغرب لا تضمن لنا تحصيل مكاسب جوهرية، فهي على الأقل – مادام التزام الملك قائما – تتيح لنا فرصة التدخل في اختيار الوزير الأول. إننا نطالب بدمقرطة الملكية، وبالتوثيق الدستوري لاحترام صناديق الاقتراع ولآلية تعيين الوزير الأول على ضوء نتائج الانتخابات وليس على ضوء اختيارات قد تكون موجودة لدى الرأي العام، ولكن لم يتم التعبير عنها انتخابيا. وإذا كان هناك فريق من المواطنين الذين يعتبرون أن المغرب لا يتوفر على حزب يستحق تولي الوزارة الأولى، فمن حقهم تأسيس حزب بديل. فماذا لو تزايدت الانتقادات الموجهة إلى عباس الفاسي ووصلت إلى حد المطالبة بتنحيته، وقام الملك بإعفائه والدعوة إلى انتخابات مبكرة، لكن الناخبين الذين يطالبون بتنحية عباس الفاسي قاطعوها مرة أخرى، وأتاحوا بالتالي لهذا الأخير فرصة العودة ثانية!