قال إننا سجلنا هذه السنة زيادة نسبية في عدد المترشحين للشعب العلمية والتقنية بوشعيب حمراوي اعتبر مدير المركز الوطني للامتحانات والتقويم والتكوينات المشتركة بين الأكاديميات في وزارة التربية الوطنية والتعليم العالي وتكوين الأطر والبحث العلمي، في حوار خص به «المساء»، أن التكرار دليل على فشل المؤسسة وليس التلميذ، وأن نظام الامتحانات في حاجة إلى تغيير شامل، لأنه يعتمد على تقويم جزائي وإشهادي أفرز، منذ إحداثه قبل ثمان سنوات، استقرارا وتواضعا في النتائج... - ما هي أوجه القصور في نظام الامتحانات الحالي والتي تحُدُّ من فعاليته؟ إحدى عناصر القصور في نظام الامتحانات، الذي دخل سنته الثامنة، أنه نظام يركز فقط على المحطات الإشهادية، ولا يغطي المحطات الانتقالية، فهو يركز أساسا على مستويات (نهاية السلك الابتدائي والإعدادي والباكلوريا)، أما المحطات الانتقالية فهي مهمَلة، ونحن نروم إحداث نظام للامتحانات يأخذ بعين الاعتبار هذه المحطات التي تعتبر المسار الحقيقي للمتمدرسين، عوض الاهتمام بالمحطات الإشهادية، التي هي فقط نهاية مسار. وتعتمد الامتحانات الحالية على ثلاثة عناصر، وهي معطيات حول أداء التلميذ، من خلال المراقبة المستمرة، وهناك محطات تكون مناسبة لإجراء اختبارات موحدة، إما على صعيد المؤسسة أو النيابة أو الجهة والمحطة الأخيرة تنتهي بإجراء امتحان وطني موحَّد. ونحن الآن بصدد تطبيق تجربة في إطار بيداغوجيا الإدماج، حيث جعلنا من مستويي الثاني والرابع ابتدائي محطتين لاختبارات موحَّدة تمكننا من التأكد من أن أغلب التلاميذ يتحكمون في الكفايات اللازمة، والتجربة سارية في المؤسسات التعليمية التابعة لأكاديميتي التربية والتكوين في جهتي مكناس تافيلالت والشاوية ورديغة. كما أن نظام الامتحانات يفرز تقويما يختزل في ما هو جزائي، وهذا ضعف بيِّن من خلال الممارسات الفصلية. فوظيفة المؤسسة التعليمية في محطات سابقة، كانت مرتبطة أساسا بالتمييز بين النُّجَباء وغير النجباء، لانتقاء النجباء وتشكيل النخب. كان تعليمنا تعليما نخبويا، والآن نهدف إلى أن تكون المدرسة آلية لتعميم النجاح وليس لتشكيل النخب، وذلك عبر الإعداد لكل الممدرسين، وتمكينهم من التحكم في الكفايات الأساسية التي تجعلهم قادرين على ممارسة مواطنتهم واندماجهم في محيطهم. فوضعية التقويم مازالت تَجترُّ وظائف للمؤسسة، هي غير وظيفتها الحالية، ومازالت تشتغل بمنطق لا علاقة له بالرهانات المطروحة الآن على منظومة التربية والتكوين. هناك برنامج هام للتقويم لتشخيص ودعم التعلمات، وهناك مشاركة وطنية في مجموعة من الدراسات التقويمية الدولية. ولكن بحوث تجذير هذه الممارسات على المستوى الفصلي مازالت جد محدودة ومازالت السيادة لممارسات تقويمية ذات طابع جزائي لا تهتم بالتعثر ولا تفيد في وضع الآليات الممكنة من تعميم النجاح المدرسي... أما عنصر القصور الثالث فهو ظاهرة الاستقرار في النجاح، إزاء كل المجهودات، ماعدا تطور طفيف بالنسبة إلى الإعدادي. فقد بلغت نسبة النجاح خلال الموسم الدراسي الماضي 89.4 في المائة لدى تلاميذ السادس ابتدائي، و55.1 في المائة لدى فئة الثالثة إعدادي، فيما لم تتجاوز 45 في المائة لدى المترشحين لنيل شهادة الباكالوريا. -متى دخل هذا النظام حيز التنفيذ؟ وما نقط ضعفه؟ تم الشروع في أجرأة هذا النظام سنة 2002، وكانت هناك محطات للمراجعة سنة 2006، حيث تم التحضير لإرساء الهندسة البيداغوجية في الثانوي التأهيلي، وتم رصد بعض الاختلالات وإجراء تعديلات، نذكر منها إعادة تحديد مجالات الامتحانات وإعادة النظر في بعض المعاملات ومراجعة النقط الموجِبة للرسوب، وتغيير مقياس القبول في الدورة الاستدراكية للباكالوريا... لكن يظل هناك قصور في هذا النظام الذي أعتقد أنه يجب أن يخضع برمته لتشخيص دقيق يمكِّن من الإبقاء على عناصر الجِدة وبلورة نظام لتحسين المردود التربوي، خصوصا ظاهرة استقرار النتائج وتواضعها، مما يؤكد أن للنظام جزءاً من المسؤولية في هذا الاستقرار، ولهذا وجب العمل على بلورة نظام بديل يمكِّن المترشحين من فرص أكبر ويحقق أحد أبرز أهداف «المخطط الاستعجالي»، والمتمثلة في تعميم النجاح. وقد تمت الآن صياغة المحددات المرجعية وستتم عملية التشخيص، بمصاحبة مؤسسة لها خبرة في هذا الباب... وعما قريب، سوف يتم الشروع في دراسة مقترحات المؤسسات، وطنية ودولية، والتي سترشح نفسها لإنجاز هذا المشروع، الذي سوف لن ينحصر في ما هو إشهادي، بل سيغطي جميع المراحل الانتقالية، على أساس أن يكون موضوع مراجعة نظام الامتحانات موضوعَ استشارات موسَّعة لكل الفاعلين والمعنيين بالقطاع. ونأمل أن يتم العمل بالنظام الجديد المرتقَب في أفق سنة 2013. - إلى أي مدى يمكن اعتبار الاختبارات أداة لتقويم منصف وليس ضربة حظ؟ يتم تأطير مواضيع الامتحان، الآن، بناء على معاييرَ وطنية، مرتكزةٍ على وثيقة الإطار المرجعي، التي تحدد، بدقة وتفصيل، المجالات المضمونية والمهاراتية التي سوف يشملها الاختبار، وتكون أساسَ تعاقد بين المترشح ومؤسسة الامتحان. فالمترشح على بيِّنة مسبَقة بما سيغطيه الاختبار وبأهمية كل مكون من مكونات البرامج المدرَّسة ودرجة أهميتها. فاللجنة المكلفة بإعداد أسئلة الامتحانات لم تعد لها سلطة مطلقة في اختيار ما بدا لها من أسئلة، ولكنها أصبحت مقيَّدة بوثيقة «الإطار المرجعي». إضافة إلى هذا، فإن الاختبار لم يعد «ضربة حظ»، فالأسئلة تغطي جميع مواد الامتحانات الإشهادية في نهاية السلك الابتدائي والإعدادي والباكالوريا. وقد تم العمل بها لسنتين، وتم تحيينها. كما أن هناك مساطر أُحدثت تَحكُم التصحيح، لكي تعطي ضمانات أكثر وتعكس النقط الممنوحة لكل مترشح، عوض ما كان سائدا من كون النقطة تتأثر بخصائص المصحح، من حيث مدى «سخاء» الأخير أو تشدده، أكثر من مضمون الإجابات... فعملية التصحيح تجرى داخل مراكز تعود مهمة الإشراف فيها إلى لجن خاصة، لضمان مصداقية أكبر لعملية التصحيح. كما أن اللجنة لها سلطة مراقبة النتائج وتوحيد عملية التنقيط ومراجعتها وإعادة تصحيحها، إن اقتضى الأمر ذلك. كما أننا بصدد إعداد «بنك للأسئلة»، سوف يوضع رهن إشارة الأكاديميات، لبناء الامتحانات الخاصة، وستنطلق التجربة مع الامتحانات الجهوية الخاصة بنهاية السلك الإعدادي، على أمل تعميمها على باقي السلكين، إذا أثبتت نجاعتها.إضافة إلى أننا نشتغل من أجل إنجاز دفتر للمساطر، وهو إنجاز غير مسبوق في تاريخ الامتحانات، وهذا ثمرة مجهود مشترك بين المركز الوطني للامتحانات والأكاديميات ومجموعة أطر راكمت الخبرة في مجال الامتحانات، وسيكون ملزما قانونا، بعد أن يصدر هذا الدفتر في شكل مقرر لوزير التعليم. وقد اشتغلنا وفقه في السنة الماضية، وهذه السنة في صيغته التجريبية. وسيغطي دفتر المساطر صيرورة الامتحانات في جميع محطاتها، بدءاً بالترشيحات إلى الإعلان عن النتائج النهائية وكيفية التعامل مع الشكايات التي ترِد من طرف المترشحين وأسرهم. - هل من مشروع لتطوير نظام الامتحانات والحد من التقويم الجزائي؟ هناك مشروع خاص بتطوير نظام التقويم والإشهاد، وهو أحد المشاريع الهامة ضمن «البرنامج الاستعجالي»، يهدف إلى تمكين المنظومة التربوية من نظام شمولي للتقويم يأخذ بعين الاعتبار ليس فقط التقويم في بعده الجزائي، ولكن كذلك مختلفَ وظائف التقويم، منها التشخيصية ومنها التكوينية، باعتبارها آليات أساسية لتحسين جودة التعلمات، وبالتالي الإعداد الأنجع لمختلف المتعلمين. وسيبرز هذا المشروع التعدد في وظائف التقويم، التي ظلت مختزَلة في ما هو جزائي واختباري (امتحاني)، دون أن تطال باقي المتغيرات الأخرى التي بإمكانها تحسين المردود التربوي، من خلال مؤشر الامتحان، ويأخذ بعين الاعتبار الطابعَ الشموليَّ للتقويم، حيث إنه لا يستحضر مؤشر التعلمات وحده، وإنما كذلك المتغيرات المحدِّدة للتحصيل، من خلال البعد المرتبط بالتدريس والمدرسين، باعتباره المحدد الأساسي لتحصيل التعلمات وجودتها. فالمشروع يروم، في المحطة الأولى، التي انطلقت قبل انطلاق تنفيذ «البرنامج الاستعجالي»، تطوير نظام الامتحانات الإشهادية ومعالجة الاختلالات وكذا تطوير المقاربات والمنهجيات المتعلقة بالامتحانات، على مختلف السيرورات، سواء على مستوى مواضيع الامتحانات وكيفية إعدادها أو على مستوى إجراء الاختبارات وسير العمل داخل مراكز الامتحان أو على مستوى التصحيح أو معالجة معطيات الامتحان والإعلان عن النتائج. وقد أخذ الآن سرعته القصوى، بسبب توفير وسائل العمل الممكنة... وبخصوص المحطة الثانية، فإنها تتعلق بإخضاع نظام الامتحانات الحالي برمته، والذي هو نظام تم إقراره سنة 2002، من خلال الميثاق الوطني للتربية والتكوين، لتشخيص مدقَّق، على أساس إيجاد المرتكزات لبلورة نظام يستجيب، بدرجة أكبر، للرهانات المطروحة، وأبرزها رهان تحسين المردود التربوي. فالانشغال الأساسي الآن هو إرساء النظام الحالي للامتحانات، على أساس معايير وطنية تضمن لجميع المترشحين تكافؤ الفرص، لكي يصبح الامتحان قائما على أساس تعاقدي في ما بين جميع الإطراف المعنية، لتمتين علاقة الثقة التي يجب أن تُنسَج بين التلميذ والأسر، من جهة، وبين مؤسسة الامتحان، من أجل الرفع من مصداقية نتائج الامتحان ودعمها، وبالتالي مصداقية شهادات المدرسة والجامعية الوطنيتين. - ما تعليقكم على ظاهرة التكرار؟ يجب إعادة النظر في عملية التكرار، ربما أننا ألفنا هذا من منطلق اقتصادي وتربوي، لكن لنتساءل عن أهمية تكرار التلميذ في محطة ما، وما فائدة التكرار؟ وهل سيتمكن التلميذ الذي كرر القسم من تحصيل ما فاته، ويتمكن من تحسين مروده التربوي؟... هناك أنظمة تربوية دولية تمنع التكرار في بعض المحطات، قانونيا، لأن التكرار دليل على فشل المؤسسة وليس على فشل التلميذ. فهو قرار يُتّخَذ بناء على تصورات ليست دائما صحيحة، ما يتأكد الآن أن التلاميذ المتعثرين هم الذين قضوا سنوات أكثر من سنوات الدراسة اللازمة. يجب تجاوز وتجنب التكرار، فهو قرار المؤسسة التي تتخذه في حالة عجزها عن تمكين التلميذ من مردود تربوي ناجع. - وماذا عن ظاهرة الغش التي تعرفها المؤسسات التعليمية؟ إننا نولي ظاهرة الغش أكثر مما تستحق من عناية، لتصبح هي الشغل الشاغل، بينما هي لا تهم إلا فئة قليلة من المترشحين، فعلى مدار أربع سنوات، ظل عدد حالات الغش مستقرا، وربما اختلفت النتائج قليلا ولم يقع تفاوت في عدد حالات الغش، فبقراءة سريعة لعدد حالات الغش المسجَّلة لدى المترشحين لنيل الباكالوريا، منذ 2006 الى حدود السنة الماضية، فإن عدد الحالات تراوح ما بين 1016 و1350 حالة، وهي أرقام لا يمكن أن تؤثر على نتائج الامتحانات، بالنظر إلى العدد الهائل للمترشحين الذي بلغ هذه السنة أزيد من 330 ألف مترشح ومترشحة. كما بلغ عدد المترشحين لنيل السلك الابتدائي أزيد من 500 ألف، وعدد المترشحين لنيل السلك الإعدادي أزيد من 498 ألفا. نحن لا نعالج الظاهرة بعدم الاهتمام بها، ولكننا نريدها أن تأخذ حجمها الطبيعي، لكي لا تصبح موضوع انشغال، وهذا ما لا يساعد على تنقية الأجواء منها. فظاهرة الغش موجودة، وهي لصيقة بكل أنظمة الامتحانات الدولية، ونحن نعمل على التقليص من حدتها، باعتبارها عاملاً من عوامل نسف الأساس الأخلاقي والتربوي الذي يجب أن يجمع المترشح بمؤسسة الامتحان، وهي ضرب في الصميم لمبدأ تكافؤ الفرص، ولهذا فالوزارة توظف جميع الإمكانيات المتاحة من أجل الحد منها، حتى وإن تأكد عدم تأثيرها على النتائج. - أصدر مركز الامتحانات هذا الموسم دليلا للمترشحين، ما أهمية هذا الدليل؟ دليل المترشحة والمترشح إجراء ضمن الإجراءات التي تعبر عن تحول في تعامل مؤسسة الامتحان مع المترشح، تم وضعه لتأطير المترشح في إعداده للامتحان، على نحو يمكنه من الرفع من مردوديته، وهذا يدخل في انشغالات «المخطط الاستعجالي»، الذي يجعل المتعلم مركز كل الإجراءات والاهتمامات، فهو يمد المترشحين بكل التفاصيل المتعلقة بالامتحان وكذا بطريقة احتساب المعدل وتحديد عتبة النجاح ويوفر لهم توجيهات في ما يخص تدبير الزمن المخصَّص للتحضير.. وخلال اجتياز الاختبارات، يحيل التلميذ على مجموعة من الموارد التي يمكن أن يستعين بها في تحضيره للامتحان ويثير انتباهه إلى مجموعة من المخاطر التي تكون لصيقة باجتياز الامتحان، ومنها ظاهرة الغش وما قد يترتب عليها من عواقبَ وخيمةٍ على مستقبله التعليمي. - ما تقويمكم لعدد مترشحي الباكالوريا في الشُّعَب العلمية والأدبية؟ حسب المعطيات المتوفرة، فإن عدد المترشحين والمترشحات لنيل شهادة الباكالوريا تجاوز 330 ألفا، فقد سجلنا نسبة زيادة بلغت 6 في المائة عن عدد الموسم السابق، وهي زيادة تؤكد الزيادة المضطردة لعدد المترشحين وتعكس المجهود المبذول لتمكين أكبر عدد من المترشحين لاجتياز الباكالوريا. ونسجل هذه السنة زيادة نسبية في عدد المترشحين للشُّعَب العلمية والتقنية وتراجعاً في عدد المترشحين للشُّعب الأدبية والأصيلة. فقد عرفت نسبة الترشيح في الشَّعَب العلمية والتقنية زيادة بنقطتين مئويتين، مقابل تراجع في نسبة الترشيح للشّعَب الأدبية والأصيلة، بنقطتين مئويتين، وهذا يؤشر على أننا نتوجه نحو تحقيق الأهداف التي كان قد سطرها «الميثاق الوطني للتربية والتكوين»، والذي يسعى إلى جعل ثلثي المرشحين يتوجهون إلى الشعب العلمية والتقنية. * المساء التربوي