إذا كان لكل مدينة ما تزدان به، فلا شك أن مدينة أسفي لها موروث تاريخي وعمراني وفني عريق والذي يظل خير معبر عن هذه الجمالية والزينة، ومما لا شك فيه أن فضاءها، كان دائما يعكس تاريخها الفني من حدائق وأشجار وأنوار وجداريات ومدارات، إضافة إلى ما تتضمنه المدينة من قيم ورموز وإشارات ترتبط بالناس والمكان التي تعبر عن هويتها وموروثها الثقافي والحضاري لذا يجب إعطاء أهمية كبيرة لفضاءها وذلك للرقي بجمالية المكان، وتحسين المنظر العام مثلا اختيار مجسمات راقية وإعطاء الأهمية والعناية للفنانين المحليين والصناع التقليديين. مع الأسف يتبين أن المدينة أصبح تتأثث ببعض المجسمات العادية والبسيطة (الآنيات الفخارية، المزهريات، الطاجين,,,) التي ليس لها بصمة فنية وينقصها الذوق الرفيع والجودة الفنية العالية، إذا استثنينا بعض المدارات: مجسم الساعة، مجسم مدخل المدينة، النافورات، و تبقى باقي المدارات بعيدة عن المستوى المطلوب. يمكن إرجاع الآنية الفخارية والمزهرية والطاجين إلى تحف فنية، ذات قيمة جمالية وتحويلها إلى إبداعات متجددة ببصمات فنانين تشكيليين مرموقين، ففن الخزف يمكن أن يكون ورشة مفتوحة على الإبداع والابتكار وليس تكرارا للأشكال والألوان والابتذال، كما أنه لم يعرف تطورا وتناغما متحركا في الأشكال والألوان ولم يتطور عن مدرسة الرسام (العملي)، بطبيعة الحال هناك استثناءات ومحاولات لبعض الفنانين والصناع الحرفيين ، و يبقى الخزف متشبثا بوحدة الإنتاج واختزاله في بعض الأشكال الدائرية. يمكن أن نجعل من فن الخزف بشكل عام والزخرفة فنا للإبداع في المدينة للتعبير عن الأفكار والإحساس، شأنه شأن اللوحة الزيتية، وتوظيف هذه المهارات عن طريق الإبداع، لأن فن الخزف ليس شيئا ثابتا ضمن إطار واحد فهو كذلك يجب أن يتغير ويتطور تبعا للمكان والزمان حتى لا يبقى هذا الموروث بدون قيمة متكدسا في الشوارع والفضاءات العمومية وهذا لا يعني التقليل من شأن فن الخزف وشأن الصناع الحرفيين الذين يستحقون كل التشجيع ولا يمكن إغفالهم في كل الحالات من الأحوال لذا يجب إعادة النظر في فن الخزف بصفة عامة في المدينة ومثلا عوض عرض الفخار في المدارات والفضاءات العمومية يجب إشراك الفنانين والصناع الحرفيين حتى يكونوا عملا فنيا رائعا ذا مقومات فنية من الجمال والمتعة والتشويق ويصبح السكان يتمتعون في هذه الفضاءات والمدارات الرحبة التي ستعبر عن ثقافتهم ومستواهم الفكري والفني والاجتماعي ويرقى بالمدينة إلى مستوى المدن الجميلة الكبرى الجداريات: الجدار في ثقافتنا له أهمية ومكانة في الفضاءات العمومية، إذ بواسطته نستطيع القيام بإشهارات في عدد الأماكن الحيوية، ويوظف في أيام الانتخابات للمرشح الفلاني في الدائرة الفلانية أو في الشارع خاصة في بعض الأماكن الحيوية، إلا أنه مع الأسف أصبحت هذه الجداريات لوحة تتعرض فيها للتشوه وتعتدي على منظر جمالية المدينة وبطاقتها، فأغلب الجداريات تعبر عن رموز متشائمة غير متجانسة وغير متناسقة وأشكال مشوهة للشكل الجمالي العام، وانعدام الذوق، واختفاء الصور الجمالية، وعند تركها وعدم معالجتها وبمرور الوقت على وجودها وتكرارها يفقد المشاهد الإحساس بالقيم الجمالية فتصبح مادة ملوثة للبصر تتنافر مع ما حولها، انعدام الجمال والتفاؤل والأمل، يؤدي تدريجيا إلى فساد الذوق العام، وتعود المشاهد على رؤية القبح في الفضاء العمومي، مما يؤدي إلى مشكلات نفسية من قلق وتشائم وتوثر والضغط النفسي لأن القلق والتشاؤم والتوتر والضعف النفسي يتكون بانتشار الألوان المزعجة. يمكن تحويل الجداريات إلى لوحات راقية تعبر عن الأمل وتحقيق التكامل وليس عن النزعات العنصرية حيث ينضم الكل تحت مظلة الفن في خدمة الحق والعدل والجمال ويصبح الجدار في ثقافتنا يعبر عن حضارتنا. لذا يجب تشجيع الفنانين التشكيلين التي تزخر المدينة بهم للقيام بهذا الدور للرقي بالذوق العام والقضاء على الثلوت البصري المتزايد في شوارعنا من خلال أعمال فنية راقية إنه مشروع مهم سيساهم في نشر الذوق الراقي والراحة البصرية بين أفراد الساكنة واتخاذ مواضيع من صلب الذاكرة الجمعية للأمة… العمران: كما يلاحظ هناك فوضى عمرانية خطيرة حولت الأماكن العمومية ذات الطابع الجمالي (حدائق- مرافق عمومية) إلى بنايات إسمنتية بدون احترام واجهة البنيات على غرار المدن العريقة، التي احتفظت ببصمتها، حسب تضاريسها وطبيعة معالمها التاريخية، فأصبحت بنايات صماء إسمنتية دون مراعاة الطابع العمراني والحضاري للمدينة، خاصة الواجهات، مما أدى إلى تشويهها وافتقارها إلى الطابع الجمالي، وهذا يلاحظ في انتشار الألوان الداكنة والمزعجة، وفقدت بياضها الناصح، أما أماكن وقوف السيارات والدراجات: أصبحت منطقة سوداء داخل المدينة لهذا عوض أن تصبح مدار ساحة الطاجين ومدار ساحة الخبزة أكبر ساحة للاحتجاج في العالم، كتعبير عن مطالب سكان المدينة الحياتية، حري بنا أن نجعل من هاته المعلمة قبلة للفنانين ومعرض للصناع الحرفين وأملا في الحياة والتعايش السلمي وتبادل الأفكار والخبرات بين ساكنة المدينة. هكذا يجب أن تكون عليه مدينتنا وأماكننا التي نعيش فيها ونحيا ونتأمل ونعمل ونفتخر بهويتها وكذلك تتصارع معها ولكن نموت من أجلها لأن حب الأوطان من الإيمان… بقلم : نبيل المودن فضاء آسفي بين تراث عريق وواقع محبط