ذ.مولاي نصر الله البوعيشي إن تطوير أي نظام تربوي أو الحفاظ عليه رهين بمرحلة التخطيط المتعلقة أساسا بالأهداف والوسائل وفترات الاستحقاق. و التخطيط هو الخطة العملية المبنية على تحليل الأحداث والمعلومات التي تعطي وصفا للوضعية العامة. وقد وسع التخطيط التربوي مجالات اشتغاله وانتقل من ميدان تدبير أعداد الأطفال والتلاميذ الوافدة على النظام التربوي وشبكات المؤسسات التعليمية والوسائل المادية، إلى التخطيط التقريري المتعلق بالجهاز التعليمي ومحيطه الاجتماعي و بالمردودية والفعالية وبتنويع المسارات التعليمية وخلق مسالك جديدة. ونظرا لأهمية التخطيط التربوي كوسيلة علمية وعملية تهدف إلى تنظيم الموارد والامكانات المادية والبشرية المتاحة لتحقيق أعلى مستوى من الجودة وباستخدام أمثل للكلفة والوقت انطلاقا من استقراء الحاضر واستشراف المستقبل لتلبية الاحتياجات الاجتماعية والاقتصادية، أتساءل على ضوء ما يلاحظ في الأونة الاخيرة وبالتحديد بمناسبة كل دخول مدرسي، هل تتوفر الاكاديميات على تخطيط تربوي بالمعنى الأوسع للكلمة توكل مهمته الى فريق تربوي يضم مختلف مكونات الجسم الإداري والتربوي بالجهة يشتغل كخلية دائمة بمقر معروف وتحت رئاسة منسق معروف ومحدد المهام والاختصاصات بمهام محددة اساسا في تدبير الشأن التعليمي بالجهة يشتغل في تناغم وتكامل مع مختلف الفرقاء ” وسمي هذا الفريق ما شئت من الاسماء سميه مثلا : المجلس الجهوي للتخطيط التر بوي أو اللجنة الجهوية للتخطيط التربوي أو الفريق الجهوي للتخطيط التربوي ‘ لاتهم التسمية بقدر ما تهم النتائج المتمثلة اساسا في وضع الخريطة المدرسية التربوية ووضع الأصبع على مكامن الداء ويصف الدواء لما تعانيه هذه الجهة اة تلك بمناسبة كل دخول مدرسي من قرارات ارتجالية وكأني بقراراتها تتخذ دون الإستناد على مختلف المعطيات الإحصائية المتوفر سلفا ومختلف الإحصائيات الديمغرافية ودون الاتصال المباشر والمستمر مع مختلف الفرقاء والشركاء الاساسيين منهم وأعني بهم المصالح المختصة بالنيابة ورؤساء المؤسسات التعليمية العمومية والخصوصية المفتشون التربويون وأطر التوجيه والتخطيط والمنتخبون وجمعيات أمهات وآباء التلاميذ بالمؤسسات العمومية والخصوصية وجمعيات المجتمع المدني المختصة وكل مهتم يمكن الاستعانة بخبرته وارائه . لان التعليم قضية الجميع وليست حكرا على جهة دون اخرى.... ان الفريق الذي اقترحه .... ليس بذيلا عن مصالح التخطيط ذات الطبيعة التقنية المحضة إذ يمتد دور هذه الفريق إلى إبداء الرأي في البرامج والمناهج وفي برامج البناءات والتوسيعات المدرسية وفي تحديد طبيعة وحاجيات الموارد البشرية تربوية وادارية وتقنية وخدماتية ودراسة ومعالجة مختلف الظواهر المسيئة والمعرقلة لفعل التربوي . إن الملاحظ اليوم مع الأسف الشديد أن هذه العملية تتم في كثير من الاحيان دون الاخذ بعين الاعتبار مشاريع و تصورات المختصين (‘مصلحة و التخطيط / مكاتب الخريطة المدرسية / مصلحة تدبير الموارد البشرية ) اذ غالبا ما يفاجأ كل هؤلاء -كباقي عباد الله من ممثلي السكان وممثلي جمعيات الآباء والأساتذة والإداريين – بهذه القرارات الصادمة من قبيل إغلاق مؤسسة أو التحويل الجماعي لتلاميذ وأساتذة دون سابق إنذار ،ومن قبيل وجود تلاميذ بدون مؤسسة أو وجود طاقم إداري ودريسي في غياب مؤسسة ، مما يكون سببا مباشرا في خلق فجوة عميقة بين العرض والطلب التربوي ومن هنا كذلك تبدا شرارة الإحتجاجات ويبدأ مسلسل تردد الأمهات بالخصوص جماعات ووحدانا على مقر النيابة والأكاديمية وأحيانا على مقرات السلطات المحلية من ولاية وباشوية ومقاطعات بحثا عن مقعد أو أستاذ أو مدرسة لأبنائهم . إن عدم وضوح الرؤيا بهذا الشكل في مجال التخطيط التربوي وغياب استراتيجية تربوية متوسطة المدى على الأقل هو السبب في الإحتقان الذي تعرفه أوساط نساء ورجال التعليم الذين يفاجؤون بعد انصرام الدخول المدرس الرسمي وبعد توقيع محاضر الدخول وأحيانا بعد تسلم جداول الحصص ، يفاجؤون بتقليص البنية التربوية أو بإغلاق المؤسسة أو بتحويل جماعي للتلاميذ مع ما يترتب عن ذلك من تفييض و تنقيلات وتكليفات لسد الخصاص وهو ما يكون مثار احتجاج (إضراب أواعتصام ) ورفض لتلك القرارات التي يعتبرونهاا مجحفة في حقهم بسبب عدم استشارتهم من جهة وبسبب سقوطها كالصاعقة عليهم إذ ليس من السهل اجتثات أستاذ قضى أكثر من عقدين بمؤسسة معينة. ومن هنا كذلك يبدأ اشتغال الآلة النقابية المختصة المعروفة في اقتناص مثل هذه الفرص واستغلالها للمساومة بمحن ومعاناة البعض من نساء ورجال التعليم والدفاع عن حق البعض الآخر في “الفيضان” تحت ذرائع لم تعد تخفى على أحد ( وأتساءل في هذا الإطار كيف لنقابي لايشتغل أصلا وليس له مقر عمل ولا مهمة محددة أن يقرر في مصائر الناس ؟ مجرد سؤال . وتفاديا لكل ما من شأنه تعكير صفو الدخول المدرسي أو الحد من مشاكله واحتقاناته إلى الحد الادنى على الأقل ، فإن المهمة الأساسية لفريق العمل المقترح هو تقديم أجوبة على جميع الإشكالات المطروحة والتدخل لذى جميع الجهات الهيئات والفعاليات الاجتماعية والاقتصادية والترابية بمختلف مستويات اتخاذ القرار وبدون استثناء للبحث عن سبل تجاوز العراقيل التي قد تعوق انطلاق الدخول المدرسي في مواعيده واستفادة التلاميذ من البرامج والمناهج في المواعيد المحددة والاستفادة من الزمن المدرسي ، لأن الملاحظ – مع الأسف الشديد – هو أن الدراسة في السنين الأخيرة لم تعد تنطلق في المواعيد المسطرة لها لأسباب عديدة تتمثل بالخصوص في مشكل الخريطة التربوية التي هي حجر أساس العملية برمتها بالإضافة إلى عوامل أخرى سنأتي على ذكرها في مناسبات قادمة . وعندما اقول الخريطة المدرسية فلا أعني بها العمل التقني المحض بل أعني بها اتخاذ القرار التربوي الذي تطبق بموجبه الخطط والإستراتيجيات الموضوعة من طرف المصالح والمكاتب المختصة .كما أعني به الإشراف والتتبع و التقويم لمختلف مراحل إنجاز الدخول المدرسي، من خلال استثمار التقارير التركيبية المنجزة سواء من طرف المفتشين أو المديرين أو كل جهة لها علاقة بالموضوع كما أقصد به وضع الخطط الأولية مباشرة بعد انتهاء عملية الإحصاء ( شهر نونبر)و بالإستثمار الأمثل للمعطيات والإحصائيات المدرسية التي تبنى عليها المخططات الجهوية و تحدد على ضوئها التدابير و الإجراءات المزمع اتخاذها في تكامل وانسجام تامين مع الأهداف الاستراتيجية للجهة ( إذا كانت هناك اصلا أستراتيجية جهوية)، و مع أهداف البرنامج الوطني – وذلك بإقحام وتجنيد جميع الفعاليات التربوية والتدبيرية للقطاع بالجهة لوضع تصور شمولي متوسط وبعيد المدى تمكن من ضبط مستويات التدخل في الزمان و المكان من خلال مخططات جهوية و إقليمية مع الحرص على توجيه التدخلات نحو النقط ذات الأولية.إن الدخول المدرسي موعد لالتحاق الجميع بالدراسة وليس موعدا لانطلاق الاجتماعات واللقاءات وإجراء الحركات والتنقيلات والتعيينات وإعادة الإنتشار وما إلى ذلك من العمليات الإرتجالية التي نلاحظها اليوم ،و التي لا تخدم إلا مصالح البعض من نقابيين وإداريين معروفين ممن ألفوا استغلالها لقضاء مآربهم الخاصة . و فضلا عن كل هذا يجب ان يوكل إعداد مشاريع الخريطة المدرسية كركيزة من ركائز التخطيط التربوي على غرار عملية الإحصاء إلى المؤسسات التعليمية، لتصبح كل القرارات الخاصة بعملية إعداد هذه الخرائط بيد الأطر الإدارية التربوية بالمؤسسة التعليمية تحت توجيه وإرشاد وتتبع ومراقبة المختصين (مصالح ومكاتب التخطيط ) في مرحلة اولى ثم اللجنة الجهوية / الفريق الجهوي قصد الملاءمة والمصادقة والتطبيق . فهل وعى المسؤولون ان التخطيط التربوي هو عملية تربوية علمية منظمة تهدف لإحداث تغيير في بناء الإنسان وتنميته وتفعيل أدواره الاجتماعية والاقتصادية من خلال توجيه التعليم ومؤسسات موارده نحو أهداف مستقبلية مقصودة تحقق احتياجات الأفراد والمجتمع بأقل تكلفة وبأعلى نسبة من الجودة وبأقل تكلفة وأقصر وقت.؟؟؟؟؟ هل يعلم المسؤولون أن التخطيط التربوي عملية رئيسية وليس ثانوية وهامشية وأنه هو قطب الرحى في مجمل العملية التعليمية .؟؟؟ هل يدرك المسؤولون أن من أبرز أهداف التخطيط التعليمي تحقيق تكافؤ الفرص التعليمية بين المواطنين جميعهم وتمكينهم من مواصلة تعليمهم بالمراحل التعليمية المختلفة وفق امكاناتهم وقدراتهم وميولهم ومطالب نموهم حتى يتمكنوا من ممارسة أدوارهم الاجتماعية المتوقعة منهم في مجتمعهم بغض النظر عن الخلفيات الاجتماعية والاقتصادية لأسرهم وتقديم الخدمات التعليمية العادلة والمتكافئة للمواطنين سواء في التعليم الخصوصي أو العمومي أو التعليم في المدن أو القرى أو تعليم الذكور أو الإناث. وأن ما يقع من التحاق تلاميذ ومتابعة دراستهم بشكل عادي وبقاء آخرين في انتظار الذي يأتي ولا يأتي حيف وظلم ... وعلى الاكاديمية ان تعي انها المسؤولة عن تخطيط التعليم بالجهة ولقيامها بهذه المسؤولية يتعين عليها الاستعانة بفريق عمل من ذوي الإختصاص تكون مهمته إعداد مشروعات التخطيط التربوي يتعزز بأجهزة استشارية، ينكب على دراسة اقتراحات المؤسسات بشأن تعديل الخطط في مختلف مراحلها ، ودراسة واستنتاح المؤشرات التربوية التي تستخدم في تقويم النظام التعليمي ووضع خطط الأنشطة الاحصائية لجمع ونشر المؤشرات التربوية بالجهة .هذا إلى جانب الاتصال و التعاون مع الإدارات والقطاعات المختلفة داخل الجهة ، بإعداد ، وتنسيق المشروعات التخطيط التربوي في ضوء خطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية. ولكن يبدو أن التخطيط التربوي يأتي في رتب متاخرة مقارنة بما يعطى من اهتمام لصرف الإعتمادات المالية وتدبير ملف الأمتحانات وإن بدرجة أقل . إن التربية والتعليم لا يمكن أن تحقق الغايات المرجوة منها إذا لم يتوفر من يخطط لها وينظمها ويوجهها ويشرف عليها ويقومها ويوفر لها كل الامكانات البشرية والمادية اللازمة ويتخذ القرارات المناسبة وهذا هو المطلب الأساسي للتخطيط التربوية وبرجال التخطيط أنفسهم . وأظن أن الإمكانيات المادية والبشرية متوفرة فأين يكمن الخلل إذن برأيكم ؟؟ *ملحق الإدارة والإقتصاد عيون الساقية الحمراء