من المعلوم أن قطاع التربية في كل بلاد العالم هو العمود الفقري للمجتمع ، وهو الرافعة الأساسية للتنمية ، وبه تقاس درجة تطور المجتمع ، وعليه تراهن كل الدول من أجل الوجود والاستمرار والبقاء. و لا شك أن قطاعا بهذه المواصفات يقتضي أن تعطيه كل شرائح المجتمع الأهمية القصوى لأن المنتوج المنتظر من هذا القطاع منتوج بشري الخسارة فيه لا قدر الله لا تعوض أبدا ، والفوز فيه هو كل شيء . وبلدنا المغرب لا زال يبحث عن هوية حقيقية لقطاع التربية ، وهي هوية تتقاذفها تجارب الهويات الأجنبية ، ذلك أننا منذ فجر الاستقلال ، ونحن نخضع قطاع تربيتنا لتجارب غيرنا من أجل أن تصل إلى تأصيله. والتأصيل ليس بالعملية الهينة اليسيرة في ظروف هيمنة مستعمر الأمس الذي ” هجن ” من التهجين قطاعنا التربوي بعدما سخره خلال فترة الاحتلال لتكريس احتلاله ، وتمديد عمره بعد الجلاء العسكري بشكل أخطر ، وفي ظروف التجاذبات الحضارية خصوصا الحضارة الغربية بشقيها الفرنكوفوني والأنجلوساكسوني ذات المنطلقات والأسس الصليبية المقنعة بالقناع العلماني . وفي مثل هذه الظروف صار قدر قطاع التربية عندنا هو قدر فأر التجارب الذي عملت فيه مختلف المحاليل ، وصيرته هجينا مقلدا تابعا عوض أن يكون مغربيا أصيلا مستقلا . ولا زال وضع هذا القطاع الحيوي كما كان منذ بداية الاستقلال يتخبط باحثا عن شكل يعطيه الأصالة الحقيقية عوض الأشكال الصورية لأصالة وهمية . وأكبر محك يعكس لنا حالة هذا القطاع الصحية هو المنتوج البشري الذي يقدمه ، والذي يوجد شبه إجماع على أنه منتوج دون المستوى المنشود . ولا يستطيع أحد أن ينكر الفساد المستشري في هذا القطاع ، وهو فساد بشري مرده السطو الفاضح على مراكز القرار في هذا القطاع مركزيا وجهويا ومحليا . ومعلوم أن مراكز القرار في هذا القطاع الحيوي تغري الكثير من الفضوليين والوصوليين والانتهازيين والطفيليين الذين يجزمون في قرارة أنفسهم أنهم بدون أرصدة كفائية تخول لهم مجرد الاقتراب من مراكز القرار ، ومع ذلك يسيل لها لعابهم لها ، فيكون ذلك سببا في انتقال عدوى فسادهم إلى هذا القطاع مما يعني فساد المنتوج البشري الذي هو رأسمال المجتمع الحقيقي . وكل من سال لعابه لمركز من مراكز القرار في هذا القطاع ، وهو دون مستوى مسؤولية القرار يساهم إفساده في أفساد القطاع برمته عن سبق إصرار وترصد لأن أنانيته ،ومصالحه الشخصية تعمي بصره وبصيرته ، وتجعله يغامر بمصير القطاع ، ومن ثم بمصير منتوج هذا القطاع الذي لا تعوض خسارته أبدا من أجل مصالحه . ومعلوم أن كل المسؤوليات في هذا القطاع تصب في بوتقة واحدة يتقرر فيها مصير المنتوج البشري . وكل فساد في المنتوج مرده فساد المسؤوليات المنصهرة في هذه البوتقة . وفي اعتقادي أن مسلسلات الإصلاحات المتعاقبة على قطاع التربية ستبقى بدون طائل طالما استمرت ظاهرة تطاول الفضوليين والانتهازيين والطفيليين والوصوليين على مسؤوليات تسيير دواليب قطاع التربية ، و كذا ظاهرة السكوت عن هذا التطاول ، وتزكيته مع علم راسخ ومسبق وأكيد ومؤكد بفساد شرائح الفضوليين والانتهازيين والطفيليين والوصوليين . وقد ننفق الأموال الطائلة على البنيات التحتية لقطاع التربية ، ولكن إذا ما ظلت هذه البنيات تحت مسؤولية الشرائح الفاسدة المفسدة فإنها لن تفيد القطاع شيئا ،بل ستكون مجرد هدر مجاني عندما يقارن حجم النفقات المادية مع قيمة المنتوج البشري المخيب للآمال . ولهذا أرى أن استئصال الفساد البشري في قطاع التربية لدى المتهافتين على مسؤوليات تسيير قطاع التربية هو أول خطوة في الطريق الصحيح من أجل الإصلاح الصحيح . ولما كانت الشرائح الفاسدة المفسدة المتسلطة على هذا القطاع لا تستحيي ، وقد ذهب الله عز وجل بماء وجهها، فلا بد أن توجد مبادرات صادقة وصارمة لقطع الطريق عن هذه الشرائح من خلال وضع واحترام ضوابط وشروط إسناد تسيير مسؤوليات هذا القطاع الشيء الذي يحول دون طمع الفاسدين والمفسدين في هذه المسؤوليات المسيلة للعابهم . والغريب أن هؤلاء الفاسدين المفسدين تأكد فسادهم في مسؤوليات أسندت لهم من قبل ومع ذلك يزداد طمعهم في غيرها من المسؤوليات ليزدادوا فسادا وإفسادا في قطاع التربية الحيوي لتأكدهم من غياب المراقبة الصارمة ، واطمئنانهم لغياب المتابعة والمحاسبة . فكم من فاسد مفسد استأمنه القطاع فخان الأمانة ، وافتضح أمره من خلال الامتيازات الفاضحة التي حققها مستغلا منصبه ومسؤوليته في ظرف يستحيل معه تحقيق هذه الامتيازات ، والمؤسف حقا أن يتحدث الناس عن منكرات هذه الامتيازات ويدينونها ولكنهم عندما يمد الفاسدون المفسدون أيديهم إلى مسؤوليات أكبر يقبل منهم ترشحهم لشغل المناصب المتبرئة منهم أصلا ، ويخضعون للانتقاء ، والمقابلات ، ويوهمون أنفسهم بتقديم مشاريع بين يدي المقابلات دون خجل أو حياء ، ويزعم من يجاريهم في كذبهم على أنفسهم وعلى غيرهم أنه يناقشهم مشاريعهم الوهمية ، وأنه يقومها ،وهي أبعد ما تكون عن التقويم بل هي خارج التغطية أصلا لأنها مما يبنى على باطل يبطلها وفساد يفسدها. وما دام السكوت على شرائح الفاسدين المفسدين عملة متداولة فلن تقوم لقطاع التربية قائمة ، ولن يكون أبدا رافعة الوطن بل سيكون قاصمة الوطن . ولما كان الفاسدون المفسدون بلا حياء يردع أطماعهم المكشوفة فلا بد من مواجهتهم بجرأة وصراحة تقابل وقاحة أطماعهم الصارخة ، ولا بد من تسليط الأضواء الكاشفة على فسادهم لفضحهم أمام الرأي العام ، وفضح من يسكت عن فسادهم ، ويساهم فيه من قريب أو من بعيد للتطبيع مع فساد يهدد مصير قطاع التربية في بلد هو في أمس الحاجة إلى منتوج بشري صالح يصلح أحواله التي يفتك بها الفساد الممنهج عن قصد وسبق أصرار. محمد شركي وجدة سيتي