يبدو أن النزاع المحتدم منذ شهر غشت الماضي بين حكومتي جبل طارق ومدريد أخذ منحى جديدا بانتقاله من صراع حول السيادة على صخرة تخلت عنها إسبانيا بموجب معاهدة دولية، إلى صراع بين تيارات سياسية إسبانية يتبارى مسؤولوها في توجيه الاتهامات والاتهامات المضادة، سببها مأدبة غذاء جمعت الخميس الماضي قادة الحزب الاشتراكي العمالي الإسباني في إقليم الأندلس برئيس وزراء جبل طارق، فابيان بيكاردو. فبمجرد علم الأمين العام للحزب الشعبي بمحافظة قادس (الأندلس جنوب إسبانيا)، أنطونيو سانز سالدانيا، بنبأ حضور خمسة من قادة الحزب الاشتراكي العمالي الإسباني بذات المحافظة مأدبة غذاء نظمت على شرف فابيان بيكاردو بأحد مطاعم بلدية لوس باريوس القريبة من المستعمرة البريطانية، حتى خرج ببيان عاجل يعلن فيه "خيانة" الحزب الاشتراكي ل"الحكومة والشعب الإسبانيين". واستشاط الزعيم الشعبي غضبا ليصف هذه المأدبة ب"ضربة مباشرة للمصالح الإسبانية" وفعل من أفعال "الخيانة إزاء الحكومة والدولة"، حيث فضل القادة الاشتراكيون في رأيه "أن يتحولوا إلى حليف للمستعمرة البريطانية قبل التحالف مع حكومة بلدهم"، مؤكدا أن السلطة التنفيذية للحزب الاشتراكي هي "المسؤولة عن هذا اللقاء" الذي تم في مطعم أندلسي مع رئيس حكومة جبل طارق. واعتبر أنطونيو سانز لقاء هؤلاء السياسيين برئيس حكومة مستعمرة جبل طارق "نموذجا للسفالة المؤسساتية للحزب الاشتراكي"، معبرا عن أسفه لكون الاشتراكيين "ألحقوا الأذى بإسبانيا وبصورتها" مستقبلين بحفاوة جارا خصما و"الابتسامة على محياهم"، وتساءل عما إذا كانت هذه هي الطريقة التي يريد بها الاشتراكيون الدفاع عن الصيادين والعمال الإسبان المتضررين من الكتل الخرسانية التي وضعتها سلطات جبل طارق في مياه خليج الجزيرة الخضراء" بحجة حماية البيئة البحرية وتكوين شعاب مرجانية اصطناعية. وكرر الزعيم الشعبي في مقابلة مع الصحافة المحلية أوصافه القاسية إزاء غريمه الاشتراكي قائلا "إن محاولة استئناف الحوار مع جبل طارق بشكل لم تسنده الحكومة، خيانة لإسبانيا، "إنها خسة وسلوك متهور ولا مسؤول صادر عن اشتراكيي هذا البلد خارج إطار البرلمان.. كما أنه موقف محزن ويرثى له"، وألح بالمناسبة على ضرورة الاعتذار للأمة والحكومة لارتكاب "خطأ يعد من الدرجة الأولى من حيث الخطورة". لكن الحزب الاشتراكي لم يتوان هنيهة في الرد على غريمه الشعبي بنبرة واثقة بعيدة كل البعد عن رغبة الاعتذار التي ألح عليها سانز أمام الصحافة، حيث اعتبرت كاتبته العامة بجهة قادس، إيريني غارسيا، تلك التصريحات مجرد "هراء " مادامت "الحكومة كانت أول من يعلم بعقد الاجتماع مع فابيان". وقللت من الهجوم على حزبها قائلة "إن جهل أنطونيو سانز يرقى إلى وزنه المعادل للصفر داخل حزبه، فهو كما يبدو لم يحصل على المعلومات الكافية التي كانت أعلى الهيئات في الحزب الشعبي على علم مسبق بها، بما في ذلك وزير الشؤون الخارجية والتعاون، خوسيه مانويل غارسيا مارغايو، لقد تابعوا وقائع الاجتماع أولا بأول". وزادت تقول "إن اجتماعنا ببيكاردو لم يكن فقط معلوما من قبل الحكومة بل يعتبر جزءا من استراتيجية تروم محاولة احتواء الوضع المتوتر الذي يخلف انعكاسات مأساوية على مواطني بلدية لا لينيا دي لاكونسبسيون (المحاذية للصخرة) وجبل طارق على السواء، مع تأثير خاص على قطاع الصيد البحري الذي يدعي الرئيس الإقليمي للحزب الشعبي أنه منشغل به أيما انشغال وأنه لا يزال ينتظر الإفراج عن الإعانات الموعود بها منذ غشت الماضي". ونصحت إيريني غارسيا الزعيم بالحزب الشعبي القادسي، بأن "لا يركز رؤيته حول عمل شرعي وشفاف منسق مع حكومة الأمة"، بل عليه "محاولة فهم لماذا تركه حزبه على هامش هذه القضية" وخارج اللعبة. ووسط هذا الجدل الحزبي المتواصل، جاء تنبيه من رئيسة الحكومة المحلية لإقليم الأندلس، التي تسير شؤون الجنوب الإسباني تحت مظلة نفس الحزب الاشتراكي (بعد تخلي خوسي أنطونيو غرينيان عن السلطة لأسباب شخصية)، حذرت فيه من مغبة "اعتماد قنوات غير رسمية" لمعالجة الصراع القائم مع جبل طارق كما فعل الممثل الوطني للحزب الاشتراكي عند اجتماعه برئيس حكومة الصخرة، فابيان بيكاردو، وقالت "قد يضر الأمر بالمصالح الإسبانية" مطالبة باستعمال الصيغ "الصحيحة والمتفق عليها بين إسبانيا والمملكة المتحدة" في هذا الشأن. وشهدت العلاقات بين إسبانيا وجبل طارق منذ بداية فصل الصيف الماضي توترا متصاعدا بسبب وضع السلطات الحاكمة في الجبل سبعين كتلة خرسانية ضخمة في المنطقة التي يتردد عليها صيادو خليج الجزيرة الخضراء ولجوء إسبانيا إلى إجراءات مشددة للمراقبة عند الحدود، تولدت عنها طوابير طويلة من السيارات التي تنتظر ساعات كثيرة لولوج بوابة الصخرة أو الخروج منها.