والمقصود هنا، الهجرة الداخلية،، فقد أبانت نتائج الاحصاء العام للسكان والسكنى، الأخيرفي بلادنا، أنه، ولآول مرة، يتجاوز عدد المغاربة الحضريين ، عدد مواطنيهم القرويين، في الوقت الذي كان فيه السكان الحضريون يجاورون الثلث،من عدد السكان، منذ نهاية الحماية ، وحتى بداية السبعينات من القرن الماضي،، هذه الحقيقة الاحصائية ذات دلالات، يمكن أن نستخلص منها خلاصات هامة، في مقدمتها كون البادية المغربية، بصدد فقدان مكوناتها،وأصبحت بعض القرى شبه مهجورة،بعد أن هجرها أهلها،الشباب منهم على وجه الخصوص، بشكل سريع وبصبيب متدفق أصبح يشكل نزيفا يصعب – لمن أراد ذلك- أن يوقف تدفقه، وأضحى يشكل – لمن يحس بذلك – وضعا مقلقا سيفرز- ولا شك- انعكاسات لن تكون ايجابية، على الاقتصاد الوطني وعلى مجهودات التنمية البشرية، وعلى الأمن بمختلف ميادينه خصوصا الأمن الغذائي والصحي،، وغيره،، بحيث، واذا ما استمر هذا التسرب المرشح للارتفاع، فقد نمسي يوما على بادية خلاء، هجرها سكانها للاستقرار في المدينة .. من أسباب هذه الظاهرة ،انسداد الآفاق في وجه البدو، الذين يتطلعون – ومن حقهم ذلك- الى حياة أفضل، ومن نتائجه وانعكاساته في نفس الوقت، الارتباك التسكاني (الديموغرافي)، والتنموي، الذي تتسبب فيه هذه الهجرة غير المنظمة، بالتظر الى العشوائية الكبيرة التي تتم في ظلها والانعكاسات السلبية التي تترتب عليها.. ففي المدن المغربية الكبرى التي تستقطب النسب الآعلى من الهجرة، خصوصا بالنصف الشمالي من المملكة، ( الدارالبيضاء،الرباط،فاس،طنجة،تطوان،،، بالخصوص)، توجد بها أحياء هامشية مبنية عشوائيا وبشكل ردئ، بيئتها كارثية ، وتشكل أحزمة بؤس ، ومصدر الكثير من العلل،جل قاطنيها مهاجرون نازحون من العالم القروي، ينتقلون من مواطنهم التي ولدوا بها وترعرعو في أحضانها الى أجواء المدينة بمناخها المختلف، بسبب استحالة الحياة في مواطنهم الأصلية،أو طلبا لظروف حياتية أفضل، خصوصا أمام صعوبة استكمال متابعة الدراسة، وضمان الحد الأدنى للاستشفاء،في الوسط القروي. هذه الأحياء، بمن فيها، وبما تصدره وتستقبله يوميا من نماذج متعددة للفوضى والمعاناة، تشكل عقبة حقيقية، وعرقلة تقف في وجه كل مجهودات التنمية والتحديث التي تقودها السلطات العمومية، وتدعمها بعض هيآت المجتمع المدني،ومنظمات دولية معنية أو متخصصة، وفق برامج طموحة صاغتها وطورتها وعملت على تعديلها وتهيئتها مختلف الحكومات المغربية المتعاقبة في العقدين الأخيرين، بنجاح جد محدود، بسبب التناسل المهول للظاهرة، التي على مايبدو لم تحظ بعد بما تستحقه من دراسة واهتمام، بالرغم من راهنيتها وخطورتها.. خصوصا من جانب مراكز الأبحاث الأكاديمية، والمؤسسات الاعلامية المختلفة،، التي ينبغي أن تعمل على القيام بمسؤولياتها كاملة في هذا المضمار،سيما على صعيد التحسيس والتعبئة والتوعية.. الى جانب العوامل المسببة أو المشجعة للهجرة الداخلية، المشار اليها أعلاه يضاف اليها بالنسبة لأقصى شمال المغرب،جهة طنجة-تطوان، ومجال نفوذ وكالة تنمية أقاليم الشمال، على وجه التحديد،، عامل أساس هو جوار الحدود مع أوروبا ،وما يرتبط بها من اغراءات الهجرة السرية الى "الفردوس الأوروبي المتخيل"، والتهريب المعيشي الذي أصبح يشكل جزءا من الحل، لمشكل التشغيل والعطالة المزمن، هذا التهريب ،الذي يخرب الاقتصاد الوطني وينقذ الاقتصاد الاسباني ويدعمه،خصوصا في الثغرين المحتلين،السليبين، سبتة ومليلية. يضاف الى ذلك حقيقة تحرك السكان المتواصل من المناطق الجافة والمهددة بالتصحر،في الجنوب، الى مناطق تعرف نسبة تساقطات مرتفعة، مقارنة بالمعدل الوطني،،حيث يسقى" الكازون"، والحدائق العمومية،بالماء الشروب ، بكرم "حاتمي"، يسئ الى الذين لايجدون نقطة ماء يشربونها، ويثير حنقهم. المادة 24 من الدستور المغربي، في فقرتها الرابعة، تنص على أن:",,حرية التنقل عبر التراب الوطني والاستقرار فيه،والخروج منه،والعودة اليه، مضمونة للجميع وفق القانون ". لذلك، وحتى نتأكد من أن النازحين الذين يريدون الاستقرار في مكان معين يتوفرون على المؤهلات التي تؤهلهم لذلك، يجب على الدولة أن تقوم بواجبها في توفير سبل العيش الكريم لحميع المواطنين وفي جميع مناطق المملكة، وتوفر كل ما يشجع ويضمن استقرارهم،بضمان الحد الأدنى من الخدمات الضرورية،اللازمة لتحقيق التنمية البشرية، ثم وبعد ذلك أن تضع الترتيبات القانونية التنظيمية القمينة بضمان التنزيل الأسلم للترتيبات الدستورية المنصوص عليها في هذا المضمار، حماية للمكتسبات التنموية والرقي الحضري الذي يتم تحقيقه في بعض المناطق، وحتى لا نعود من وقت لآخر الى نقطة الصفر ..!! في غياب ذلك يمكن أن تكون هناك فتن !! 1/2/2013 م.ز. الحسيني