لقد أصبح اهتمام الباحثين بالمدن العتيقة في العالم الإسلامي وغيره اهتماما كبيرا، مما أدى إلى دراسة مواضيع سياسية واجتماعية واقتصادية وعمرانية ومعمارية لفهم هذه المدن في الماضي وفي الحاضر، قصد التأمل في توجهاتها في المستقبل. ومن هنا اهتمام الباحثين بالتراث الثقافي بأبعاد هذا المفهوم المتعددة في إطار المدن العتيقة، بصفتها منهلا ومنبعا ومصدرا للتراث الثقافي، بصفته بعدا جوهريا لهويتنا الثقافي. ولقد أدت الندوات والدراسات التي نشرت خلال العقد الأخير حول تاريخ تطوان وعمرانها وهندستها العمرانية وثقافتها وفنونها التقليدية، إلى اعتبار هذه المدينة من بين المدن الإسلامية المغربية التي تتميز بالخصوصية والأصالة والانفراد والانفتاح على ثقافات مغربية وأوربية وشرقية. ومن هنا ضرورة الحفاظ على هذه المدينة الأصيلة من خلال مشاريع التهيئة والترميم. تعتبر مدينة تطوان العتيقة التي صنفتها منظمة اليونسكو تراثا عالميا سنة 1997، من أطرف المدن العتيقة المغربية، وأكثرها أصالة وجمالا. نظرا لتنوع تراثها الثقافي والتاريخي والمعماري والفني. وتجمع هذه المدينة بين الماضي الزاهر وبين الحاضر، لأنها مازالت مدينة حية. إن الجوانب التي يمكن التركيز عليها عند مناقشة إشكالية المدينة العتيقة متعددة الأبعاد، فمنها مسألة التهيئة والتدخل في أزقة المدينة وساحاتها، ومنها ترميم مآثرها التاريخية، ومنها العناية بمتاحفها وشبكة ماء السكوندو، علاوة على الإشراف على الأمن والنظافة، وتوفير جميع الشروط للمحافظة على تراثها من جهة جعلها مدينة تتوفر على شروط الإنعاش السياحي. من الواضح أن دور الجماعة الحضرية لتطوان ومؤسسات أخرى في تدبير شؤون المدينة العتيقة دور أساسي. لذلك فإن جمعية تطاون أسمير ترغب في التعاون مع هذه المؤسسات في التخطيط العمراني والمعماري للمدينة العتيقة المصنفة ضمن التراث العالمي، وتقترح الاهتمام بها والتركيز على بعض الأولويات على وجه الخصوص. بعد تحليل أهم الدراسات ومشاريع التدخلات بالمدينة العتيقة لترميم الماثر التاريخية وتهيئة أزقتها وساحاتها، فإن الجمعية ترى بأن هناك بعض المشاريع التي تستحق الأولوية ومنها المشاريع الآتية: 1- مشروع تهيئة الغرسة الكبيرة، وذلك في إطار الاتفاقية بين الجماعة الحضرية بتطوان والحكومة الأندلسية تتجلى أهمية ساحة الغرسة الكبيرة في الموقع الاستراتيجي لهذه الساحة في قلب المدينة العتيقة، و لجمالها في الماضي، ولدورها المستقبلي كأكبر ساحة بالمدينة. كما أن حالتها المزرية الآن تدعو إلى تدخل عاجل. نلاحظ ما يلي بشأن هذا المشروع: أ. يمكن تنسيق العمل مع وزارة الثقافة التي تتوفر على دراسة لمشروع تهيئة ساحة الغرسة الكبيرة. ب. يمكن الاستعانة بها، وهي دراسة أنجزها مندوب وزارة الثقافة بتعاون مع عدة جهات كجمعية تطاون أسمير، وذلك في إطار برنامج التعاون بين الجماعة الحضرية والحكومة الأندلسية، بحيث أدرج مشروع تهيئة ساحة الغرسة الكبيرة ضمن لائحة المشاريع المقبلة. ج. يجب تسهيل المسطرة الإدارية للشروع في تنفيذ هذا المشروع في أقرب وقت، علما أن الحكومة الأندلسية تتوفر على كامل الاستعداد لإنجاز هذا المشروع وتمويله في أقرب وقت. د. نظرا لوجود ساحة الغرسة الكبيرة بجانب مدرسة لوقش التي قامت وزارة الأوقاف بترميمها لتأسيس متحف روحي بها، فإن إعادة النظر في الوضعية الراهنة العشوائية لهذه الساحة أصبح أمرا ضروريا يطالب به المجتمع المدني التطواني، لذلك نلتمس من الجماعة الحضرية أن تخصص العناية اللازمة لهذه الساحة. ه. يمكن تنسيق العمل مع الولاية لاتخاذ الإجراءات اللازمة لإخلاء الساحة خلال مدة قيام الأشغال بها. لقد وافقت لجنة المدينة العتيقة على مشروع تهيئة ساحة الغرسة الكبيرة، ويتجلى ذلك في إنجاز الحكومة الأندلسية لدراسة تقنية لترميم واجهات المتاجر المطلة على الساحة، ولكنها طلبت من الحكومة الأندلسية ألا تتدخل في وسط الساحة لأن الجماعة الحضرية لم تجد حلا نهائيا لإفراغ الساحة من الباعة وتحرير هذا الفضاء العمومي. لذلك فإن الإجراءات التي يجب على الجماعة الحضرية أن تتخذها هي التالية: أ. الموافقة على انطلاقة أشغال ترميم واجهات المتاجر المطلة على ساحة الغرسة الكبيرة في أقرب وقت. ذلك أن الدراسة التقنية جاهزة، والحكومة الأندلسية تتوفر على الميزانية الكاملة لتمويل المشروع، وكذلك على المهندسين الإسبان والمغاربة الإشراف على المشروع بتنسيق مع أطر الجماعة الحضرية، كما أن انطلاقة أشغال ترميم واجهات المتاجر ليس له علاقة بالشطر الثاني من المشروع، وهو تهيئة وسط الساحة، يوجد هذا الملف في مكتب الكاتب العام للجماعة، وانطلاق الأشغال لا يحتاج إلا إلى موافقة رئيس الجماعة الحضرية. ب. أما الشطر الثاني من مشروع تهيئة ساحة الغرسة الكبيرة، فيتطلب تنفيذ حل أو بديل للبائعين وسط الساحة قبل إفراغ الساحة من البائعين وتحرير هذا الفضاء العمومي، وهو شرط ضروري لانطلاقة أشغال تهيئة الساحة بأكملها. ويوجد هذا الملف أيضا بمكتب الكاتب العام للجماعة الحضرية، ولكن تفعيله مرتبط بقرار رئيس الجماعة. وبالتالي فإن المشكل ليس ماليا ولا تقنيا، لأن الحكومة الأندلسية خصصت له ميزانية ودراسة وتقنيين للإشراف على تنفيذه، ولكنه مشكل إداري يتطلب التعامل مع هذا الملف بمرونة وفعالية. وتتجلى أهمية تفعيل هذا الملف في عواقبه الاجتماعية الإيجابية، نظرا للأضرار المتنوعة الناتجة عن الوضعية الراهنة لساحة الغرسة الكبيرة التي تحولت إلى "جوطية". منشورات جمعية تطاون- أسمير "تطوان و سياسة التنمية الاقتصادية و تدبير التراث الثقافي" الدكتور امحمد بن عبود بريس تطوان يتبع...