كان رحمه الله رقيق القلب بكاء، يغص حلقه بالبكاء ويتردد صوته في صدره ولا يكاد يخرج تأثرا، تغرورق مدامعه وينحيها فتغلبه وتسيل، والذين حضروا مجالسه يعرفون ذلك عنه، وكم رأينا له في الخلوات من دمعات متألما لفقير صاحب مقربة أو مسكين صاحب متربة، يألم لحالهم كأنه المصاب بمصابهم، كان رحمه الله تعالى يسكب الدمع على ما يسمع ويرى من 0لام، إذا رأيناه قد طأطأ رأسه علمنا أنه مستغرق الفكر أملا في منافذ يلملم بها الجراح، وكم مرة أطرق هنيهة فلا يرفع رأسه إلا وهو يحمل البشرى للسائل والمحروم، كانت الأمور العصية مستسهلة عنده يحسن الظن بربه، يغرس في نفوس من حوله الأمل والفأل، فترتاح النفوس بشرا وسرورا، كان يردد على مسامعنا كثيرا أن سعادته تكمن في السعي على من رزئ بهموم العيش و0لام الحياة، يخرج لقضاء الحوائج متدثرا بالصمت والكتمان، فإذا قضي الأمر بدا وجهه متهللا باش الوجه مسرورا بتفريج الكرب، شعاع نظراته فيمن حوله تأمل وتفقد للحال، فإذا رابه شيء سأل الغير دفعا للحرج، وسعى سعيه لتخفيف المصاب، ما تهافت على عرض من أعراض الحياة، وكانت سعادته في سعادة الناس، أراه ممن صدق فيهم قول الله عز وجل ﴿وَالَّذِينَ يُوتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ﴾ (المؤمنون: 60). وقد كنا نرى فيه هذه الآية رأي العين فيما يبذله من معروف، وفيما يسعى إليه من خيرات، يعطي ثم يخاف أن لا يتقبل منه، يحرص على الكتمان ما استطاع إلى ذلك سبيلا، فكان كثير البكاء عند العطاء، يعطي بلا من ولا أذى. نقلا عن كتاب: "وارفات الظلال فيما فاضت به القرائح من محاسن الشيخ العياشي أفيلال" سيرة ومسيرة حياة رجل بأمة للمؤلف الدكتور عبد الكريم القلالي