يعكس الانشغال الملكي بالماء والاستثمار أهم قضايا الموعد الدستوري لافتتاح الدورة البرلمانية الأولى من السنة التشريعية الثانية من الولاية التشريعية الحادية عشرة، حيث تمحورت اهتمامات جلالة الملك وتوجيهاته البرلمانية حول موضوعين مهمين كما يلي: التحدي المائي كأولية حياتية وطنية: انطلاقا من كون الماء هو أصل الحياة، وهو عنصر أساسي في عملية التنمية، وضروري لكل المشاريع والقطاعات الإنتاجية، طرح جلالة الملك إشكالية تدبير الموارد المائية، في مرحلة يعرف فيها المغرب حالة جفاف صعبة، وهي الأكثر حدة، منذ أكثر من ثلاثة عقود، بالرغم من اتخاذ مجموعة من التدابير الاستباقية، في إطار مخطط مكافحة آثار الجفاف، بهدف توفير ماء الشرب، وتقديم المساعدة للفلاحين، والحفاظ على الماشية، وإخراج البرنامج الوطني الأولوية للماء 2020 – 2027، وبناء السدود، حيث تم إنجاز أكثر من 50 سدا، منها الكبرى والمتوسطة، إضافة إلى 20 سدا في طور الإنجاز؛ فان جلالة الملك يؤكد على استكمال بناء السدود المبرمجة، وشبكات الربط المائي البيني، ومحطات تحلية مياه البحر، بالإضافة إلى تعزيز التوجه الهادف للاقتصاد في استخدام الماء، لاسيما في مجال الري، لأن مشكلة الجفاف وندرة المياه أصبحت ظاهرة كونية، تزداد حدة، بسبب التغيرات المناخية ولها انعكاسات سلبية على حياة جميع الكائنات. إخراج موضوع الماء من المزايدات السياسية: نظرا لكون المغرب أصبح يعيش في وضعية إجهاد مائي هيكلي، فإنه لا يمكن حل جميع المشاكل بمجرد بناء التجهيزات المائية المبرمجة، رغم ضرورتها وأهميتها البالغة، مما يتطلب أخذ إشكالية الماء، في كل أبعادها، بالجدية اللازمة، لاسيما عبر القطع مع كل أشكال التبذير، والاستغلال العشوائي وغير المسؤول، لهذه المادة الحيوية، والتحلي بالصراحة والمسؤولية ومعالجة المشكل المرتبطة بالماء ودون مزايدات سياسية، أو الركوب عليها لتأجيج التوترات السياسية والاجتماعية. فالأمر يتوقف على تغيير حقيقي في التعامل مع مادة الماء وإعطاء القدوة في التدبير من طرف الإدارات والمصالح العمومية، سواء من حيث الطلب أو فيما يرتبط بتعبئة الموارد المائية، في انتظار تعزيز الإرادة السياسية وتدارك التأخر الذي يعرفه قطاع الماء، عملا بالمخطط الجديد للماء كاختيار مستدام ومتكامل. التوجهات الملكية الاستراتيجية للتعاطي مع إشكالية الماء. أولا: ربط الابتكارات العلمية والتكنولوجيات الحديثة، باقتصاديات الماء، وإعادة استخدام المياه العادمة، وإطلاق برامج ومبادرات أكثر طموحا. ثانيا: التصدي لظاهرة الضخ غير القانوني، والآبار العشوائية، وإعادة النظر في طريقة استغلال المياه الجوفية بما يقتضي الحفاظ على الفرشات المائية. ثالثا: التأكيد على الماء باعتباره ملك مشترك يهم العديد من القطاعات، ويتطلب التحيين المستمر للاستراتيجيات القطاعية، في ظل الضغط على الموارد المائية، وتطورها المستقبلي. رابعا: ضرورة مراعاة التكلفة الحقيقية للموارد المائية، في كل مرحلة من مراحل تعبئتها، وما يقتضي ذلك من شفافية وتوعية، بكل جوانب هذه التكلفة. تحدي الاستثمار أولوية ومسؤولية الدولة: يراهن جلالة الملك على الاستثمار المنتج، واعتبره رافعة أساسية لإنعاش الاقتصاد الوطني، يمكن المغرب من الانخراط في القطاعات الواعدة، ويوفر فرص الشغل للشباب، وموارد التمويل لمختلف البرامج الاجتماعية والتنموية، حيث ينتظر أن يعطي الميثاق الوطني للاستثمار، دفعة ملموسة، على مستوى جاذبية المغرب للاستثمارات الخاصة، الوطنية والأجنبية. تحدي الاستثمار يتطلب إبراز عقلية المغرب الجديد. سواء تعلق الأمر برفع العراقيل، التي لاتزال تحول دون تحقيق الاستثمار الوطني لإقلاع حقيقي، على جميع المستويات، وكذلك المراكز الجهوية للاستثمار، مطالبة بالإشراف الشامل على عملية الاستثمار في كل المراحل والرفع من فعاليتها وجودة خدماتها في مواكبة وتأطير حاملي المشاريع حتى إخراجها إلى حيز الوجود. كما ينبغي للمشاريع أن تحظى بالدعم اللازم من طرف جميع المتدخلين سواء على الصعيد المركزي أو الترابي، وأيضا على مستوى مناخ الأعمال، فقد مكنت الإصلاحات الهيكلية من تحسين صورة ومكانة المغرب بفضل توجهات ومجهودات جلالة الملك. محاكم الاعمال والاستثمار والعقار نقائص تعترض التنمية والاستثمار. بالنظر الى النتائج المحققة فان الاستثمار يحتاج اليوم إلى المزيد من العمل، لتحرير كل الطاقات والإمكانات الوطنية، وتشجيع المبادرات الخاصة، وجلب المزيد من الاستثمارات الأجنبية، حيث مع ركز جلالته على ضرورة التفعيل الكامل لميثاق اللاتمركز الإداري، وتبسيط ورقمنة المساطر، وتسهيل الولوج إلى العقار، وإلى الطاقات الخضراء، وكذا توفير الدعم المالي لحاملي المشاريع. محاكم التحكيم والوساطة وسيلتين لتقوية ثقة المستثمرين. لتقوية ثقة المستثمرين في المغرب كوجهة للاستثمار المنتج، يجب تعزيز قواعد المنافسة الشريفة، وتفعيل آليات التحكيم والوساطة، لحل النزاعات في هذا المجال. وبما أن الاستثمار هو شأن كل المؤسسات والقطاع الخاص، فانه يتطلب ضرورة تعبئة الجميع، والتحلي بروح المسؤولية، للنهوض بهذا القطاع المصيري لتقدم البلاد، لأن الهدف الاستراتيجي هو أن يأخذ القطاع الخاص، المكانة التي يستحقها، في مجال الاستثمار، كمحرك حقيقي للاقتصاد الوطني. المقاولة المغربية والجالية والأبناك أطراف التعاقد الوطني للاستثمار. دعا جلالة الملك المقاولات المغربية، ومنظماتها الوطنية والجهوية والقطاعية، لأن تشكل رافعة للاستثمار وريادة الأعمال، والقطاع البنكي والمالي الوطني، مطالب بدعم وتمويل الجيل الجديد من المستثمرين والمقاولين، خاصة الشباب والمقاولات الصغرى والمتوسطة. كما أن مبادرات أبناء الجالية المغربية بالخارج تتطلب عناية خاصة لتقوية الاستثمار، مما يتطلب ترجمة التزامات كل طرف في تعاقد وطني للاستثمار الذي يتطلب تعبئة 550 مليار درهم من الاستثمارات، وخلق 500 ألف منصب شغل في الفترة بين 2022 و2026. الأدوار الجديدة للبرلمان تتحدد في الاهتمام بالماء والاستثمار. من أهم أدوار المؤسسة البرلمانية، بالإضافة التشريع والتقييم والمراقبة، دعا جلالته المؤسسة البرلمانية الى الدفع قدما بإشكاليات الماء والاستثمار، وبمختلف القضايا والانشغالات، التي تهم الوطن والمواطنين. الدكتور أحمد درداري رئيس المركز الدولي لرصد الازمات واستشراف السياسات