أبو العباس ابن قنفذ القسنطيني (810-740ه/1407-1339م). أحمد بن الحسين بن علي بن الخطيب أبو العباس القسنطيني، المعروف بابن قنفذ من أهل قسنطينة بالجزائر، رحل إلى المغرب الأقصى فأقام به 18 عاما. ألف كتبا منها بغية الفارض من الحساب والفرائض وسراج الثقات في علم الأوقات، وأنس الفقير وعز الحقير في ترجمة الشيخ أبي مدين وأصحابه، وتحفة الوارد في اختصاص الشرف من قبل الوالد. وقد ارتحل ابن قنفد إلى المغرب سنة 759ه/1357م، وزار بليونش واستضافه أبو العباس الحسيني في جنة الحافة، وقد ذكر ذلك وأثنى على أبي العباس ثناء فاخرا، وذكر جنة الحافة وسماها وذكر نتفا من أخبار أبي العباس في كتابه: تحفة الوارد في اختصاص الشرف من قبل الوالد. وممن زار الشريف أبا العباس الحسيني العلامة ابن خلدون لكنه استضافه بسبتة وأنزله ببيته إزاء المسجد الجامع). قال ابن خلدون في ذكر سياق رحلته: «وسرت إلى سبتة فرضة المجاز، وكبيرها يومئذ الشريف أبو العباس أحمد بن الشريف الحسيني ذو النسب الواضح السالم من الريبة عند كافة أهل المغرب، ولما مررت به سنة 764ه/1362م، أنزلنى ببيته إزاء المسجد الجامع ورأيت منه ما لا يقدر مثله من الملوك، وأركبني الحراقة ليلة سفري يباشر نحر حتها إلى الماء بيده إغرابا في الفضل والمساهمة». وتردد على بليونش في هذه الفترة مجموعة من الفضلاء منهم: أبو عبد الله محمد بن أبي عبد الرحمن الكميلي قاضي أزمور (- بعد 684ه/1285م): هكذا ذكره المقري في الأزهار نقلا عن ابن رشيد، وقد رجح الأستاذ عبد اللطيف الجيلاني أن يكون الكميلي مصحفا من المغيلي. فإن كان هو المغيلي فقد ترجمه ابن القاضي في درة الحجال فقال: «محمد بن عبد الرحمن المغيلي قاضي أزمور أبو عبد الله. أخذ عن خليل المراغي وعبد العزيز الحراني ومحمد بن عبد المنعم وأحمد بن عبد الله الجزائري، أجازوا له سنة 684». وأصله من فاس وله فيها أبيات يتشوق إليها عندما ولي القضاء بأزمور. وقد تردد القاضي المغيلي على بليونش، وله فيها الأبيات المشهورة في ذكر وعورة طريقها، وهي قوله: بلونش كلها عذاب **** فالمشي في سبلها عقاب يكنفها شامخ منيف **** كأنه فوقها عقاب ابن رشيد السبتي. (721-657ه/1321-1258م). أبو عبد الله بن عمر بن محمد المشهور بابن رشيد الفهري من أهل سبتة، الخطيب المحدث المتبحر في علوم الرواية والإسناد. كان رحمه الله فريد دهره عدالة وجلالة وحفظا وأدبا وسمتا وهديا واسع الأسمعة عالي الإسناد، صحيح النقل أصيل الضبط تام العناية بصناعة الحديث قيما عليها بصيرا بما محققا فيها، ذاكرا فيها للرجال جماعة للكتب محافظا على الطريقة مضطلعا بغيرها من العربية واللغة والعروض فقيها أصيل النظر، ذاكرا للتفسير ريان من الأدب، حافظا للأخبار والتواريخ، مشاركا في الأصلين عارفا بالقراءات، عظيم الوقار والسكينة بارع الخط الخلق، كثير التواضع رقيق الوجه متجملا كلف الخاصة والعامة، مبذول الجاه والشفاعة كهفا لأصناف الطلبة. قدم على غرناطة في وزارة صديقه ورفيق طريقه في حجه وتشريقه أبي عبد الله بن الحكيم، فلقي برا وتقدم للخطابة بالمسجد الأعظم، ونفع الله لديه بشفاعته المبذولة طائفة من خلقه، وانصرف إثر مقتله إلى العدوة فاستقر بمدينة فاس معظما عند الملوك والخاصة معروف القدر عندهم. قرأ ببلده سبتة على الأستاذ إمام النحاة أبي الحسين ابن أبي بالربيع كتاب سيبويه، وقيد على ذلك تقييدا مفيدا وأخذ عنه القراءات. وأخذ أيضا عن الأستاذ أبي الحسن بن الخطار ورحل من بلده سبتة لأداء الفريضة ولقاء المشايخ عام 1289/0688م، وأخذ عن الجلة الذين يشق إحصاؤهم. وقد جمع فوائد رحلته في كتاب سماه ملء العيبة فيما جمع بطول الغيبة في الوجهتين الكريمتين إلى مكة وطيبة. قال أبو بكر ابن شبرين: وقفت على مسودته ورأيت فيه فنونا وضروبا من الفوائد العلمية والتاريخ وطرفا من الأخبار الحسان والمسندات العوالي والأناشيد. وهو ديوان كبير و لم يسبق إلى مثله. وقف ابن الخطيب على مختصره بسبتة. وقد ورد على الأندلس في عام 692ه/1292م. فعقد مجالس للخاص والعام يقرى بما فنونا من العلم. وتقدم خطيباً وإماما بالمسجد الأعظم منها. وقد كان ابن رشيد يتردد على بليونش بلا شك، ولعله كان يسمع فيها بعض الكتب الحديثية كان يسمعها رفيقه قاسم بن الشاط، ولعله أيضا قد ذكر بعض ذلك في القسم الذي لم يطبع من رحلته. ومما أنشده ابن رشيد في بليونش بيتان للقاضي أبي عبد الله المغيلي وهما قوله: بليونش كلها عذاب *** فالمشي في شبلها عقاب يكنفها شامخ منيف *** كأنه فوقها عقاب ويترجح من خلال هذا النص أن ابن رشيد التقى بالمغيلي في قرية بليونش. قاسم بن الشاط السبتي (723-1323/5643-1245م). أبو القاسم قاسم بن عبد الله بن محمد الشاط الأنصاري نزيل سبتة وأصله من بلنسية، والشاط اسم لجده كان طوالا فجرى عليه الاسم. أثنى عليه ابن الخطيب فقال: نسيج وحده في إدراك النظر ونفوذ الفكر، وجودة القريحة وتسديد الفهم، إلى حسن الشمائل وعلو الهمة وفضل الخلق والعكوف على العلم والاقتصار على الآداب السنية والتحلي بالوقار والسكينة. أقرأ عمره بمدرسة سبتة الأصول والفرائض، متقدما موصوفا بالأمانة. وكان موفور الحظ من الفقه حسن المشاركة في العربية كاتبا مرسلا ريان من الأدب ذا مماسة في الفنون ونظر في العقليات، صرورة لم يتزوج ممن يتحلى بطهارة وعفاف. قال أبو البركات البلفيقي في المؤتمن: كان مع معارفه عالي الهمة نزيه النفس ذا وقار وتؤدة في مشيه ومجلسه، يشاب وقاره بفكاهة نظيفة، لا تنهض إلى التأثير في وقاره، ظريف الملبس يخضب رأسه بالحنا على كبره. وكان مجلسه مألفا للصدور من الطلبة والنبلاء من العامة، قال ابن الخطيب: حدثني شيخنا القاضي الشريف أبو القاسم قال: كان يجلس عند رجل خياط من أهل سبتة يعرف بالأجعد العامة، فأخذ يوما يتكلم عن مسألة فقال متمثلا: كما تقول الأجعد الخياط فعل كذا، ثم التفت معتذرا يتبسم وقال: أتمثل بك، فقال الأجعد بديهة: إذا يا سيدي أعتق عليكم، إشارة إلى قول الفقهاء: العبد يعنق على سيده إذا مثل به. فاستظرف قوله. قرأ بسبتة على الأستاذ الكبير أبي الحسين ابن أبي الربيع وبه تأدب وعلى أبي بكر بن مشليون وغيرهم. وأخذ عنه الجلة من أهل الأندلس كأبي البركات البلفيقي والقاضي أبي بكر بن شيرين وقاضي الجماعة أبي القاسم الحسني الشريف وغيرهم. وكان يقرض أبياتا حسنة من الشعر، ومن شعره قوله: إني سلكتُ من انقباضي مسلكا *** وجريت من صمتي على منهاج وتركت أقوال البرية جانبا *** كي لا أميز مادحاً من هاج وله تآليف عدة، منها تحرير الجواب في توفير الثواب وفهرسة حافلة. مولده في ذي قعدة من عام 643ه/1245م، بمدينة سبتة. وتوفي بها في آخر عام 723ه/1323م، وقد استكمل الثمانين (1). وكان ابن الشاط يتردد على بليونش ويقرئ فيها الطلبة، ولم أقف على موضع تدريسه بها، فيحتمل أن ذلك كان في جنته في بليونش كما كان يفعل القاضي عياض الذي كانت له في بليونش جنة ومسجد تابع لها يؤمه فيه الطلبة. ويحتمل أيضا أن يكون موضع تدريسه في المسجد الجامع بها. والله أعلم. وقد أسمع قاسم بن الشاط في بليونش كتاب الشمائل لأبي عيسى الترمذي. وقد أخذه عنه ببليونش الفقيه المكتب أبو عبد الله بن سعد الفليري سنة 715ه/1315م. وكان أبو عبد الله الفليري هذا له عناية بشمائل الترمذي(3)، وقد كتبابن الشاط نص السماع بخطه فقال: الحمد لله تعالى حق حمده وصلاته وسلامه على سيدنا محمد نبيه وعبده وعلى آله وصحبه من بعده، وبعد: فإنه قرأ علي الفقيه التريه الصالح التقي الفاضل المكتب أبو عبد بن سعد الفليري أدام الله تعالى إكرامه، جميع كتاب الشمائل للإمام أبي عيسى الترمذي في مجالس؛ آخرها يوم الخميس العاشر لجمادي الثانية عام 715ه. وذلك بقرية بليونش من قرىسبتة، حرسها الله تعالى، وحدثته به عن الشيخ المسند أبي بكر محمد بن محمد ابن مشليون الأنصاري سماعا عليه عن القاضي أبي الخطاب ابن واجب عن القاضي أبي عبد الله ابن سعادة وغيره عن القاضي أبي علي الصدفي. قال ذلك وكتبه بخطه حامدا الله تعالى ومصليا على محمد رسوله وعلى آله وصحبه ومسلما تسليما كثيرا أثيرا مباركا قاسم بن عبد الله بن الأنصاري في التاريخ المذكور. أبو عبد الله الفليري الأندلسي لم يترجم للفليري أحد فيما وقفت عليه ولا ورد له ذكر في كتب التراجم والأخبار، ويمكن من خلال ما وصلنا من أخباره وسماعه القول بأنه ولد في الأندلس في الربع الأخير من القرن السابع الهجري حوالي 685ه1286م. ووصفه بالفقيه المكتب والطالب المبارك يدل على كونه تعاطى تعليم الصبيان في المكتب وألم بشيء من الفقهيات ثم ارتفعت همته فاعتنى بالسماع والطلب، فرحل إلى سبتة سنة 715ه/1315م. والظاهر أنه بقي يأخذ عن شيوخ العلم في سبتة مدة أقلها ثلاث سنوات، لأن بين سماعه الأول للشمائل من ابن الشاط ببليونش سنة 715ه/1315م، وسماعه الثاني من الغماري سنة 718ه/1318م، ثلاث سنين. وكانت له عناية بشمائل الترمذي فسمعه بسبتة مرتين على الأقل. السماع الأول على ابن الشاط ونصه: الحمد الله تعالى حق حمده وصلاته وسلامه على سيدنا محمد نبيه وعبده وعلى آله وصحبه من بعده، وبعد: فإنه قرأ علي الفقيه التريه الصالح التقي الفاضل المكتب أبو عبد الله محمد بن سعد الفليري أدام الله تعالى إكرامه، جميع كتاب الشمائل للإمام أبي عيسى الترمذي في مجالس؛ آخرها يوم الخميس العاشر لجمادى الثانية عام 715ه. وذلك بقرية بليونش من قرى سبتة، حرسها الله تعالى، وحدثته به عن الشيخ المسند أبي بكر محمد بن محمد ابن مشليون الأنصاري سماعا عليه عن القاضي أبي الخطاب ابن واجب عن القاضي أبي عبد الله سعادة وغيره عن القاضي أبي علي الصدفي. قال ذلك وكتبه بخطه حامدا الله تعالى ومصليا على محمد رسوله وعلى آله وصحبه ومسلما تسليما كثيرا أثيرا مباركا. قاسم بن عبد الله بن محمد الأنصاري في التاريخ المذكور. والسماع الثاني على محمد بن علي بن محمد الصديني الشهير بالغماري، ونصه: الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى قرأ علي الطالب المبارك الزكي أبو عبد الله. محمد بن سعد الفليري أدام الله توفيقه كتاب شمائل رسول الله صلى الله عليه وسلم للإمام أبيالله عنه في مجالس آخرها يوم الأحد الثاني عشر من شهر ربيع الأول المبارك من عام 718ه. وحدثته به عن الأستاذ الفاضل أبي الحسين بن أبي الربيع القرشي وعن الفقيه الصالح أبي القاسم بن الطيب القيسي وعن الفقيه الحسيب أبي الحكم بن منظور بأسانيدهم فيه، وأبحت له أكرمه الله بتقواه، أن يروي عني جميع ما يصح عنده أني أرويه بأي وجه كان قراءة أو سماع أو إجازة والله تعالى ينفعني وإياه بالعلم وأهله ويجعلنا ممن يحمله بمنه وفضله. قال هذا وخطه بيده الفانية العبد المعترف محمد بن علي بن محمد الصديني الشهير بالغماري حامدا الله تعالى ومصليا على محمد نبيه وسلم. الكتاب: سبتة وبليونش "دراسة في التاريخ والحضارة" للمؤلف: د. عدنان أجانة منشورات تطاون أسمير/ الجمعية المغربية للدراسات الأندلسية (بريس تطوان) يتبع...