سألني صديقي ورفيقي في مهنة المحن والمتاعب: ماذا سيحدث لو أغلقت جميع الجامعات أبوابها؟ أجبته: ستقع أمور كثيرة. قال: وهذه الأمور ستكون إيجابية أم سلبية؟ قلت: سلبية بطبيعة الحال، وهل تتصور دولة يمكن أن تستغني عن جامعاتها؟ قال: ممكن! قلت: يبدو أنك في حالة غير طبيعية؟ قال: فعلا أشعر بإحساس غريب، ربما ذلك راجع إلى التخوف الكبير الذي بدأ ينتابني تجاه مصير الجامعة وتقلباتها السريعة بحيث لم أعد أعرف ما هو دور الجامعة في المغرب؟ قلت: هون عليك. الجامعة المغربية بخير، هذا ما أسمعه دائما من المسؤولين عن الجامعة، فالمسؤولون عندنا أوفياء! قال: ما هو دور الجامعة إذن؟ قلت: تكوين الطلبة الجيدين وتأهيلهم لمستقبل زاهر بعد التخرج… قال (مقاطعا): أتكذب على نفسك أم علي أم على الطلبة أم على من؟ قلت: بالعكس ليس من طبيعتي الكذب. قال (بصوت خافت وحزين): أنت تعرف أن الطلبة الجيدين والمتفوقين يذهبون إلى الأقسام التحضيرية للمدارس الكبرى خارج المغرب، ولا يعود منهم إلى أرض الوطن بعد التخرج إلا عشرة في المائة. قلت: أنت الآن تريد أن توهمني أن الجامعات المغربية غير نافعة ولو أغلقت أبوابها لن يقع شيء. قال: بل سيكون شيئا إيجابيا وجميلا. على الأقل بالنسبة للطلبة يمكن أن يعتمدوا على أنفسهم في مواجهة الحياة في سن مبكرة، ولا يصطدموا بالواقع بعد تقدمهم في السن. قلت: الآن بدأت "تخرف"! قال: نعم هذا ما تقوله لي زوجتي كلما طرحت هذا السؤال. لكن ألا ترى أن هذه الجامعات لا تفرخ سوى معطلين ومعتصمين ومضربين عن الطعام؟ قلت: الإصلاح الجامعي الجديد سيرتب كل شيء، إنه كأحسن "ماركات" الصابون الأمريكية، تزيل الأوساخ كيف ما كان نوعها. قال: وهل الطلبة خريجو الجامعات في الإصلاح الجديد سيجدون عملا شريفا؟ قلت: بالتأكيد، وهل هذا فيه شك؟ قال: لكن ما يدرس في الإصلاح الجديد هو الذي كان يدرس من قبل، فقط اختلف الشكل، فكيف بالبرامج نفسها ستجدون عملا للطلبة؟ قلت (بعد ارتباك واضح): يا صديقي، البرامج في سنتيها الأولى والثانية لابد أن يدرس ما كان يدرس من قبل لأنه التكوين الأساسي. وفي السنة الثالثة سنشرع في البرامج الجديدة التي ستدمج شبابنا في سوق الشغل والمحيط السوسيو-اقتصادي. قال: ولكنني سمعت أحد أساتذة الفيزياء يقول إن البرامج التي ستدرس في السنة الثالثة ابتداء من السنة القادمة والتي توصلوا بها هي نفس البرامج القديمة. قلت: أنت عارف بخبايا الأمور. قال: وهذه هي مشكلتي، هي أنني أعرف وأرى النفق المظلم الذي تسير إليه الجامعة، والغريب في الأمر هو أننا كلنا نعرف هذا، لكن يجامل بعضنا بعضا ولا نريد تدارك ما يمكن إنقاذه، وهذا شيء يؤلمني، وكم كنت أتمنى لو أنني لم أعرف شيئا. قلت: لا تضخم الأشياء، وكن متفائلا. فالطلبة أبناؤنا ونحن نعمل ما في وسعنا لضمان مستقبل زاهر لهم. قال (مقاطعا): إنك تكذب، لأن أبناءكم وأبناء عديد من المسؤولين عن الجامعة يدرسون خارج المغرب، أو بالمدارس والمعاهد الخاصة. قلت: كل إنسان يطمح أن يكون أبناؤه أحسن منه. قال: وهؤلاء الطلبة ليسوا أبناءكم ومن سيشغلهم؟ قلت: دور الجامعة ليس التشغيل بل تطوير وترقية المعرفة. قال: ألا ترى أنه من الواجب أن يفيض جزء من هذه المعرفة على محيط الجامعة المحتاج والفقير. فمن العار أن يكون بجوار حرم جامعي فقر مدقع وتخلف واضح. قلت: لقد سحرتني بكلامك هذا، فعلا بدأت الآن أتساءل: ماذا نريد من الجامعة؟ قال لي وهو يبتسم: الآن بدأت "تخرف"!!!