أصبحت عندنا نحنُ أيضًا "شرطةُ الماء"! سيارات بوليسية تتنقلُ من مكان إلى آخر، على غرار ما تفعلُه أنواعٌ أخرى من الأمن، للبحث عن جُناة.. - مرحبا بشرطة المياه! مبادرة جيّدة، ونحن أحوجُ من أي وقتٍ مضى إلى الأمن المائي.. وهذه المبادرة لا تمنعُ من حق التساؤل: هل القضاءُ على "جناية الماء"، يجب أن يكون قرارا سياسيا؟ لماذا يبدو مجردَ إنشاء نوع جديد من الشرطة؟ هل الأصلُ في محاربة جريمة الماء، في بلدنا، يبدأ بقرار سياسي، أي نيّة سياسية قابلة للتنفيذ؟ أم هو فقط قرارٌ ارتجالي، لإشغال الناس بوجود سيارات أمنية من نوع جديد تجوبُ الشوارع، وكأن هدفها ليس مكافحة الجريمة، بقدر ما هو لفتٌ للانتباه العمومي؟ وكأنها تقول للناس: "انظروني.. أنا هُنا"! علينا ألا نرتكب نفسَ الأخطاء السابقة التي تُبعد الأنظارَ عن السياسيين، وتوحي بأن أحزابَنا فوق الشبُهات، وكذلك حكومتُنا وبرلمانُنا ومجالسُنا ومختلفُ المؤسسات؟ - من يُبذّرُ الماءَ في المغرب؟ من يقترفُ جرائمَ الماء؟ الواقعُ لا يشير إلا إلى كبار المسؤولين.. وإلا ما مُبرراتُ سقي جُنبات الشوارع بالماء الشروب؟ وسقي بساتين الفيلات، والغولف، والضيعات، بالماء الشروب؟ ومن يقوم بامتصاصِ واستنفادِ المياه الجوفية؟ وما معنى وجودُ إدارة سمسارية هي شركةٌ وسيطة، بين الدولة والمواطن؟ هل هذه الشركات تملكُها دولةٌ أجنبيةٌ وحدها؟ وماذا عن شُركائها المغاربة؟ أليسوا من المسؤولين عن الخرائط الانتخابية؟ وعن تدبير الشأن المحلي؟ والعمومي؟ أليسوا مسؤولين عن انتشار جرائم الماء الشروب؟ لماذا توقفت سياسةُ بناء السدود؟ لماذا الوفرةُ المائية واضحة أمام فيلات كبار المسؤولين، ومنعدمة في البوادي؟ لماذا حراكُ العطش لم يقع إلا في مناطقَ دون غيرها؟ هل تُحاسِبُ هذه الشرطةُ المسؤولين الكبار عن التبذير المائي؟ وماذا عن المسؤولين عن تعمُّد غلاء الفواتير؟ المطلوبُ أن تكون تدخلاتُها مُبرَّرة، ومُعلَنة للعموم.. فهل هذا ممكن؟ أم الواقعُ مجردُ ذرّ للرماد في العيون؟ أي التظاهر بعمل ما، وفي الواقع لا وجود لهذا العمل.. إن في كبار المسؤولين السياسيين من هم السببُ الرئيسي.. وليس المواطنُ الفقير.. - ابحثوا عن ملفاتِ الحيتان الغليظة! الغِلاظُ الشِّدادُ في السياسة هم أصحابُ القرار.. ما زالوا يحاولون إلصاق كل الاتهامات، الواردة في منظومتنا القانونية، بفُقراء البلد.. والأثرياءُ كلهم فوق الشبُهات.. وهذه العُملة لم تعد مقبولة.. ولا مفهومة.. ولا مبرر لها.. فحوادث السير لا يتسبب فيها الفقراءُ وحدَهم.. الحوادث لها أسباب منها الغش في بناء الطرُق، وإقامة علامات المرور، والرشوة الرسمية، والتواطؤ بين سياسيين وأثرياء.. نتمنى أن تستمرّ مهمةُ الشرطة المائية، لأننا بصراحة، اعتدنا تدخلاتٍ مشبوهة من نخبتنا السياسية لمنح البراءة لابن الوزير، وإغراقِ الفقير بقوانين جنائية، وكأن الفقير وحده يرتكب المخالفات، ووحده يتاجر في المخدرات، وليس معه شريك من كبار المال والسياسة.. وعندما تكون عندنا نزاهة في التحقيق، يتبيّن أن الجريمة بكل أصنافها وألوانها ليست طبَقية.. هي فوقَ الطبقات.. حتى في أكابر القوم، يتمركزُ مجرمون لا يهمهم إلا الاغتناء باستغلال الفقر والجهل.. إن الشرطة المائية مهمة، بل ضرورية.. وستنجح نجاحا باهرا، إذا لم تتدخل الهواتفُ في عملها.. الهواتفُ الكبرى تُفسد أيَّ عمل نزيه.. فيجب الحذرُ من أوامرَ هاتفية.. وإذا تدخل الهاتفُ السياسي، فسيقعُ للماء ما يقع للمخدرات: كلُّ التهم إلى بسطاء البلد.. والأغنياء أشخاص فُضلاء.. وهكذا تُفسد هذه الهواتفُ عدالةَ الملفات.. يجب الانتباهُ إلى تدخلات كبار السياسة والمال في قضايا الماء.. فذوو المال هم يملكون شركات العشب والأشجار والترصيف والإضاءة.. والسياسيون يوقّعون لهم وثائقَ تسديدِ "الصفقات العمومية" المائية، كي يحصلوا، وبدون تأخير، على أموال الفواتير.. السياسة والمال متواطئان في صناعة الأزمات، للإثراء اللامشروع.. والحذر من كبار المسؤولين في الرباط وإدارات الولايات والعمالات، هؤلاء فيهم من يقتلعون أشجار المدينة، مثلما وقع في طنجة، لتمكين زبنائهم الأغنياء من ميزانيات هم اختلقوها، بصفتهم سلطة وصاية، لتفقير الجماعات المحلية، وإغناءِ مقرّبيهم الأغنياء.. عصابات مالية وسياسية تقودُنا إلى المجهول.. وغدا، قد يُنشئون لنا شرطةَ أوكسيجين، أو ضريبة ضعفِ البصر.. وهذه من منزلقات حكومات تتاجرُ في الدين، والديمقراطية، والأدوية، وكلِّ ما هو فقرٌ وبؤسٌ وتهميش.. وقد فعلوا هذا مع الصحة والتعليم وغيرِهما.. وكل من على هذه الشاكلة، لا يفكرُ إلا في نفسه وعشيرته.. وهذا ما يجعلنا نتحفّظ من شرطة الماء.. الفكرة جيّدة، فهل يكونُ التنفيذُ في المستوى المطلوب؟ هل تطبقون القانون على الجميع؟ وبدون استثناء؟! هل تعملون فعلا على ترشيد مدّخراتِ الماء؟ أم تسلكون طريقَ من انحرفُوا.. وقد هزّهُم الماء؟!