"الفكاك" هو المفاوض أو الوسيط بلغة العصر الحديث، والمقصود به ذلك ،الشخص الذي يملك مهارات تفاوضية عالية، وجرأة في التعامل مع أوضاع جد معقدة، علاوة على الثقة التي يحظى بها من طرف الطرفين المتحاربين. في ذلك العصر كانت الحرب تدور بين los moros contra cristianos وكانت الوظيفة الأساسية "للفكاك" الوصول إلى اتفاق بين الطرفين المتنازعين، لفك سراح الأسرى، الذين كانوا يقبعون بسجن "المطامر" بتطوان، وكذلك ببعض المراسي والمدن المغربية والجزائرية ،مثل مدينة وهران التي كانت حينئذ مركز القرصنة العالمية بامتياز.
واستنادا إلى المصادر التاريخية فإن تمكن أسطول إمارة الرواشد من العودة إلى جزيرة "بادس" بمنطقة بني بوفراح بالريف، بعد طرد الاسبان منها سنة 1522،فتح المجال لسفن القرصنة "السفن الجهادية حسب الروايات العربية "،من القيام بالعديد من الهجمات على السفن التجارية البرتغالية والاسبانية بمضيق جبل طارق ،لاختطاف الرهائن بغرض طلب الفدية.
وهكذا تشير ذات المصادر أن "المولى ابراهيم" شقيق الست الحرة والساعد الأيمن لسلطان المغرب آنذاك، قام بشن حملة سنة 1523، على مدينة أصيلة وكان مؤازرا بمقاتلين أشداء، من ترغة، والشاون، وتطوان، وأعطى كذلك الحرية لأسير اسباني كان تحت عهدته مقابل 50 ريالا.
وفي نفس السنة 1523 قام "الفكاك" الإسباني "أورطيط دو كوبيار"، بمساعدة "فكاك" أخر يدعى "فرنان دي نييت "بعملية اطلاق سراح 40 أسيرا اسبانيا وبرتغاليا بفدية قدرها 2000 ريال. كما نجح "الفكاك" المذكور في اطلاق سراح دفعة أخرى مكونة من 25 أسيرا آخر، بفدية قدرها 6177 أوقية ،أدى منها "الفكاك" 3330 أوقية في حين تكلفت أسر الأسرى بأداء باقي المبلغ المطلوب.
من جهة ثانية تكشف رسالة بعث بها الحاكم البرتغالي بمدينة طنجة الى ملك البرتغال مؤرخة سنة 1538 على أنه يملك معلومات بكون "الست الحرة" ملكة تطوان، حصلت على العديد من الغنائم والأسرى بفضل عملية القرصنة التي كان يمارسها أسطول الست الحرة بالبحر الأبيض المتوسط ،اضافة الى سفن قراصنة أتراك الجزائر، الذين دخلوا في حلف قوي معها نظير حمايتها لهم من هجمات "الأرمادا" الاسبانية وكذلك بالسماح لسفنهم باللجوء الى مرسى مرتيل للاختباء. وفي هذا السياق تؤكد المصادر التاريخية أنه في غشت 1541 وصلت الى مرسى وادي "مرتين" كوكبة من سفن قراصنة أتراك الجزائر، كانوا قد أغاروا على منطقة مضيق جبل طارق ،فغنموا حمولة سفينة برتغالية، وأسروا 16 نفرا على متنها ، من ضمنهم أربع نساء ،قامت ملكة تطوان بشرائهم جميعا.
وفي نفس السنة زار مدينة تطوان "الفكاك "الاسباني "فيرناندو كونطريراس"،من أجل لقاء الست الحرة ،بهدف اجراء مفاوضات معها للاطلاق سراح بعض الأسرى الاسبان ،وفي هذا الصدد يقول المؤرخ "عزوز حكيم" ،أن زيارة هذا "القس" الى ملكة تطوان كللت بالنجاح حيث أسفرت عن فك أسر 340 اسباني نظير تسليم فدية مالية قدرها 3000 ريال. وجدير بالذكر حسب ملاحظتنا، فازدهار مهمة "الفكاك" والذي غالبا ما يكون رجل دين ،تعطي الدليل القاطع أنه لم يكن في ذلك العصر يتم اللجوء الى اعدام الأسرى المسيحيين بطريقة آلية،لأن الهدف من الحرب وأخذ الأسرى، كان هو اجراء المفاوضات وليس القتل العشوائي ،كما يحدث حاليا في هذا الزمن المقيت.
وتشير المصادر التاريخية السالفة الذكر،أن هؤلاء الرهائن كانوا يبقون في السجون في انتظار أن يتكلف ملكهم أو أسرهم اذا كانوا يتحدرون من أسر ثرية بشراء حريتهم،أما الفقراء منهم فكانوا يقومون ببعض الأعمال مثل بناء الحصون والقناطر، كما هو الشأن بالنسبة للقنطرة البرتغالية بشفشاون ،والتي بناها الأسرى البرتغاليون بمنطقة رأس الماء.