بما أن كل مكونات الشعب المغربي معنية بعملية إصلاح المنظومة التربوية، و بما أن إصلاح النظام التعليمي و النهوض بالمدرسة المغربية أضحى شأن الأمة بكاملها، فإن جهود و أبحاث و دراسات الفاعلين في هذا الحق على وجه التحديد، مدعوة اليوم و أكثر من أي وقت سابق إلى الانخراط الفعل في مسلسل الإصلاح و الإدلاء بكل مايملكونه من اقتراحات و حلول منطقية مقبولة، سواء لإنجاح العملية التعليمية آو لمعالجة كل أشكال التعثرات و الصعوبات التي يعيشها قطبا العملية التدريسية ، و نقصد بهما المدرس و المتعلم، خصوصا و ان الاهتمام بالمتعلم المغربي لم يعد مجرد خطاب يلقى عند المناسبة، ولا موضوعا للتسويق، و إنما أصبح واقعا أملته التحولات التي يشهدها العالم بفضل الطفرة العلمية النوعية التي تعرفها ميادين العلوم بكل أصنافها و أنواعها. و تأسيسا على هذا المدخل ، فإنني أرى أن هناك مرتكزات أساسية يمكنها أن تساهم إلى حد بعيد في تأسيس غد جديد لتاريخ المدرسة المغربية، و بالتالي يمكنها أن تلعب دورا مركزيا في تحقيق التنمية الشاملة و الجودة المتوخاة. يمكن ترتيب هذه المرتكزات على الشكل التالي: *توفير التجهيزات الأساسية ، إذ بدونها لا يمكننا الحديث على نجاح العملية التعليمية و لا حتى على الارتقاء بمنظومتنا التربوية إلى ما هو مرغوب و مأمول فيه، خصوصا و أن رهانات المؤسسة الحديثة ، بناء على التطورات الجديدة الحاصلة في ميدان علوم التربية ، نحو تدبير أمورها الداخلية أصبحت تعزز مكانة المتعلم في الانفتاح – تدريجيا- على قضايا محيطه المحلي و الإقليمي ثم الجهوي: ثقافيا ، رياضيا ، و اجتماعيا... و بالتالي إلى حثه على التفاعل والتعامل معها بإيجابية حتى يصبح في النهاية معنيا بها و مسئولا على معالجتها و بالتالي إيجاد الحلول الملائمة لها إذ بقدر ما تكون تجهيزات الوسط المدرسي جذابة و مريحة بقدر ما تفتح شهية المتعلم لمتابعة مشواره الدراسي في ذلك الوسط و تقوي مشاعره و أمانيه في الكسب و التحصيل العلمي. و حتى لا يعتقد أننا لا نطالب بالكماليات و المثالية الغربية ، فإننا نجزم ، أننا لا نرغب سوى في مقعد مريح للمتعلم و حجرة دراسية صحية و ساحة قادرة على استيعاب تلاميذ المدرسة، و مرافق صحية كافية ،تغطي متطلبات عدد المتعلمين بالمؤسسة، بالإضافة إلى الماء الشروب و الكهرباء ، اللذين يعتبران عاملين لاغنى لنا و لأطفالنا عنهما. *برمجة الأنشطة الثقافية و التربوية ، التي تعد في قاموس علوم التربية ، دعامة تربوية حاسمة في مسار المتعلم الدراسي إما سلبا- في حالة القفز علبيها- أو إيجابا في حالة تبنيها و إعطائها المكانة اللائقة التي تناسبها ، أي الجدولة الزمنية والمكانية لتنفيذ فقراتها و مضامينها. وغني عن التذير، أن هذه البرمجة ليست لإغناء و أنجاح العملية التدريسية فحسب ، و إنما لتقية أواصر التعاون و التواصل أيضا سواء بين المؤسسة والشريك الأول – أباء و أولياء التلاميذ- أو بين المتعلمين والطاقم التربوي للمؤسسة ، أو بين المتعلمين أنفسهم- انظر النظريات التربوية للعالم الفرنسي في علم السوسيولوجيا " أيميل دوركهايم". و أعتقد أن المؤسسات التي لا تعتمد برامج الأنشطة على مختلف أنماطها و أشكالها ولا تراهن على التواصل مع متعلميها و لا تحفزهم على الخلق و المبادرة و إبداء الرأي و بعبارة و جيزة لا تدفعهم إلى الانخراط في قضايا مؤسساتهم سواء عند مناسبات ما – دينية أو وطنية أو دولية- هي مؤسسات محكوم عليها بالعقم و التلاشي رويدا رويدا. * انتخاب منشط تربوي، بما أن الفرق التربوية لا حضور لها في مؤسساتنا التعليمية (( و حتى و إن وجدت ، فهي لا تستشار أبدا من طرف رئيس المؤسسة، إذن و جودها كعدمها)) و مجالس التدبير منزوعة صلاحية اتخاذ القرار، مادام رئيس المؤسسة يماس عليها سلطة الوصاية، فقد أصبحت آلية- مخرج- انتخاب مستشار تربوي ضرورة بيداغوجية تاريخية ، بكل مؤسسة تعليمية كمخرج للاختناق التربوي و الإشعاعي التي تعانيه مجموعة كبيرة من المدارس من جهة، و كوسيط تربوي يمكنه أن يساهم في معالجة الوضعيات الصعبة التي تعيشها البنية التربوية للمؤسسة أو العملية التعليمية برمتها، بالإضافة إلى هذا و ذاك، فالمستشار التربوي يلعب دور المناخ المعتدل لصيرورة الفعل ألتعلمي بكل مؤسسة، خصوصا لما يتعلق الأمر بمستجد تربوي معين، كالمقاربة بالكفايات أو بتنزيل بيداغوجيا الإدماج و يتعذر في ذلك الوقت التواصل مع الهيئة التربوية. فما العمل إذن ؟ السنا اليوم في حاجة إلى مثل هذه الوسائط؟ ألا يعد اعتماد المستشار التربوي بكل مؤسسة تعليمية خطوة ايجابية في درب الارتقاء بالمنظومة التربوية و تحقيق الجودة المتوخاة؟