…ووصفت مدينة إشبيلية بكثرة أنواع آلات الطرب فقد قال الشنقدي: "وقد سمعت ما في هذا البلد (اشبيلية) من أصناف أدوات الطرب: كالخيال، والكريج والعود والروطة والرباب والقانون والمؤنس، والكنيرة والقثارة والزلامي، والشقرة والنورة وهما مزمارات، الواحد غليظ الصوت، والآخر رقيقه، والبوق. وإن كان جميع هذا موجودا في غيرها من بلاد الأندلس، فإنه فيها أكثر وأوحد، وليس في العدوة من هذا شيء إلا ما جلب من بلاد الأندلس. قال محمد بن ابراهيم الشلامي "وأما الكثارات إحداها كثارة هي العيدان وقيل الدفوف ولا أراه عربياً". وتعتبر تطوان من أوائل المدن المغربية التي نقلت إليها أصول هذه الموسيقى، واهتمت بها وعتها رعاية كاملو، بحكم تدفق العائلات الأندلسية التي استوطنت تطوان وفاس ومكناس وسلا، والرباط، فاتخذتها مقرأمن وسلام. وقبل الأندلس لم تكن بالمغرب نهضة أدبية بل استقطبت هذه الديار الجديدة كل الأدباء والشعراء إلى غاية دخول القرن السادس الهجري عندما بدأت شمس الأندلس في الغروب ولكن نستثني مدينة سبتة من هذا الركود، حيث بحكم وجودها في هذه البقعة الشمالية من أرض المغرب ظلت ملتصقة بالأندلس التصاقا عضويا، وظلت الحركة الأدبية بها منعشة ظلالها، مرتبطة معارفها، مضيئة سماؤها بكل العلوم والفنون، إنها مدينة القاضي عياض، وابن دراج، ومالك ابن المرحل أكبر شاعر إسلامي مغربي أنجبته هذه الأرض الطيبة حتى صار عالم زمانه لا يصل إلا عملاقه العلمي والمعرفي أحد يضاهيه، ونراه كيف يصف مدينته سبتة الجميلة في بيتين من الشعر شبهها بعود الغناء الملقى في البحر على بطنه حين يقول: أخطر على سبتة وأنظر إلى جمالها تصبو إلى حسنه كأنها عود الغناء وقد ألقي في البحر على بطنه ومعلوم أن ابن المرحل ولد بستة عام 604 هجرية سنة 1207 ميلادية، وسبتة مدينة قائمة، بينما تطوان تتعرض للتخريب بعد التخريب، ثم يتجدد بناؤها، مرة بعد مرة، فلم يكن بها استقرار حتى تنتعش فكريا وأدبيا، ولم تنهض بها العلوم والفنون إلا في عهد الدولة العلوية حيث أخذ يعمها الاستقرار والهدوء. وما حملنا على ذكر هذا الكلام هو أن مدينة سبتة كانت بها حركة شعرية وفنية، ووصف مالك ابن المرحل لمدينة سبتة بعود الغناء دليل على أن "العود" كان في سبتة سيد الغناء والأنس في الديار، فكانت تطوان مرتبطة بها، متأثرة بعلومها وفنونها، ولكن لم يعرف لها أدباء باسمها في هذه الفترة كما عرف علماء وأدباء وشعراء وفلاسفة سبتة الذين كانوا يمثلون وجه المغرب العلمي المشرق، وبفعل التواصلبينها وبين الشرق والغرب. عن "الأجواء الموسيقية بتطوان وأعلامها" لمؤلفه محمد الحبيب الخراز