العديد منا ممن عاصر عهد الملك الراحل الحسن الثاني، يتذكر مقولته الشهيرة، خلال افتتاح إحدى الدورات التشريعية خلال خريف سنة 1995 بأن "المغرب حسب تقارير صندوق النقد الدولي، مقبل على السكتة القلبية" داعيا النخبة السياسية إلى التوافق، ونكران الذات من أجل إنقاذ المغرب، وهو ما أعقبه إصلاحات سياسية، بدءا من مراجعة الدستور سنة 1996، وانتهاء بتنصيب حكومة "التناوب التوافقي" سنة 1998، والتي ترأسها الاشتراكي عبد الرحمن اليوسفي، الذي لبث حزبه في المعارضة ما يناهز 40 سنة، حيث كانت آخر حكومة شارك فيها حزب القوات الشعبية، ترجع إلى سنة 1958، التي كان يرأسها مولاي عبد الله إبراهيم، وهذه الإجراءات كانت كفيلة، آنذاك، بتخفيف حدة الاحتقان الاجتماعي، وتوسيع هامش الأمل لدى فئات عريضة من المجتمع المغربي، لا سيما وأن الذين تولوا مقاليد السلطة، ما فتئوا ينتقدون التدابير الحكومية غير الاجتماعية، ويستنكرون خصخصة القطاعات العمومية الحيوية والمنتجة. ولكن اتضح بعد فوات الأوان أن هذه الحكومة لم تقدم للمغاربة شيئا استثنائيا عن الحكومات السابقة، وأعلن عبد الرحمن اليوسفي بزفرة وألم، "لقد تسلمنا الحكم ولم نستلم السلطة"، في إشارة إلى أن يديه كانتا مغلولتين أمام من كان بيده الحل والعقد. الآن، وبعد مرور أزيد من عشر سنوات على حكومة "التناوب" أو "الأمل" الذي غطى عليه الحضور القوي للملك الشاب، الذي جاب المغرب طولا وعرضا، ليدشن المشاريع الاقتصادية والاجتماعية، وتبنى المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، وزرع في قلوب المغاربة، جرعة زائدة من الأمل، كانت بسبب حيويته وتواضعه، اللذين جعل شعبه يلقبه "بملك الفقراء". ولكن تجري الرياح بما لا تشتهي السفن، فرياح الأزمة الاقتصادية العالمية التي هزت أركان أعتى الاقتصادات قوة ومتانة، بدأت تخلخل أسس الاقتصاد المغربي الهش، كما أن نسائم الربيع العربي أطلت قبل موعدها، بإنشاء حركة 20 فبراير، التي بدأت تطالب بإصلاحات سياسية جذرية، أساسها ملكية برلمانية، يسود فيها الملك ولا يحكم، وربط المسؤولية بالمحاسبة، وتطهير البلاد، شبرا شبرا، من المفسدين السياسيين، وبالتالي وجدت الدولة نفسها في مأزق حقيقي، فكان لا بد من تقديم العديد من التنازلات، ابتداء من دعم صندوق المقاصة ب 15 مليار درهم، والرفع من أجور القطاعين العام والخاص، بكلفة إجمالية تناهز 33 مليار درهم، وعلى المستوى السياسي تم إقرار دستور مغربي جديد يتقاسم فيه الملك سلطاته مع مؤسستي الحكومة والبرلمان. ويبقى السؤال العريض، هل ستفرز الانتخابات التشريعية المقبلة حكومة وطنية قادرة على بث الأمل من جديد في نفوس المغاربة، بعدما يئسوا من الأحزاب التي خذلتهم. ثم هل ستستطيع هذه الحكومة القادمة أن تعالج الاختلالات التي يعاني منها الاقتصاد المغربي، موازاة مع تحقيق المطالب الاجتماعية، دون المساس بجيوب الطبقات الفقيرة والمتوسطة ؟ فميزانية الدولة التي أنهكتها الاعتمادات الضخمة التي أنفقتها من أجل شراء السلم الاجتماعي، وتراجع المداخيل، وتزايد عجز الميزانية، وارتفاع المديونية، وانخفاض معدلات نمو اقتصادات البلدان الشريكة للمغرب، من قبيل فرنسا وإسبانيا، كلها مؤشرات تنذر بأن الحكومة المقبلة ستكون مضطرة للاقتراض من جديد، وانتهاج سياسة تقشفية، ستكون لها انعكاسات اجتماعية سلبية، على رأسها تراجع المداخيل وتفاقم ظاهرة البطالة، شبيهة في ذلك بنتائج سياسة التقويم الهيكلية التي اعتمدتها حكومة بداية ثمانينيات القرن الماضي، والتي تمخض عنها هبات اجتماعية بكل من الدارالبيضاء سنة 1981، وتطوان ومراكش سنة 1984. فهل المغرب مقبل على سكتة قلبية جديدة، أم أن الحكومة المقبلة ستتخذ إجراءات وتدابير ستحول دون ذلك. ربنا يستر.