بقلم : عبد العزيز شكود. لا أحد يمكنه أن ينكر التراجع الكبير و المخيف الذي يعرفه المجال التربوي في بلادنا، تراجع شمل كل مجالات التعليم والتعلم، وكأن رياح المردودية والجودةالتربوية ، تسيرعكس برامج الإصلاح التي أطلقت منذ سنوات وماتزال سنوات "الضياع" مستمرة داخل مؤسساتنا التربوية ،رغم الإمكانيات الكبيرة التي تخصصها الدولة للمجال التربوي، حيث تأتي الميزانية العامة لتعليم في المرتبة الثانية من ناحية ضخامتها، لكن رغم ذلك النتائج على المستوى الميداني، ماتزال في تراجع مستمر، فكل سنة دراسية تمضي إلا ويتمنى المدرس ،أن يبدأ الموسم الجديد في ظروف أفضل، وتنظيم محكم للمؤسسات التربوية إلا أن العكس هو الذي يحدث، فكل سنة دراسية جديدة تبدأ معها رحلة المعاناة من جديد،التضاض داخل الفصول الدراسية ، ضخامة في المقررات المدروسة سوء توزيع العطل الدراسية ، لدرجة أصبح الكثيرون يعرفون الموسم الدراسي باعتباره "مجموعة من العطل التي تتخللها أيام دراسية" وهذاطبعا ما يؤثر على السير العادي و المتسلسل لدى التلميذ، مما يخلق لديه تقطعا مؤثرا في ترتيب المعلومة واستعابها ذهنيا، أمام هذه الوضعية المؤلمة يمكن التساؤل عن أهم الأسباب المؤدية إلى تراجع مستوى التعليم؟ التركيز على صيغ تراكمية للمواد المدرسة: إن الحديث عن التلميذ، حديثا عن إنسان يتوفر على عقل تفكير إرادة ، إبداع ... وغيرها من الخصائص الأخرى التي ينبغي للمدرسة أن تراهن عليها للإنتاج، فالدولة المتقدمة تقدمت بالمراهنة على المؤسسات التربوية كمجال خصب للإنتاج المبدعين في كل المجالات، لكن بالعودة إلى برامجنا التربوية نجدها قد تأسست رغم اختلافها عن سابقتها من حيث بعض الجوانب الشكلية،إلا أنها ماتزال تعتمد على شحن التلميذ بالمعلومات بشكل تراكمي بعيدا عن الجانب الكيفي،الذي يعتمد على تكوين التلميذ القادر على القراءة، التحليل ، ثم إعادة الإنتاج من خلال ما تم تحليله ، بمعنى اكتساب التلميذ المهارات Des savoir faire"" الأساسية في التعامل مع المعلومة ، فإذا قمنا مثلا بتجميع الدروس المرتبطة بسلك البكالوريا –مسلك العلوم الإنسانية-، سنجد أنها تتجاوز كثيرا قدرات التلميذ خلال هذه المرحلة، سواء فيما يخص ضخامة بعض المفاهيم المدروسة فحينما نتحدث مثلا عن مجزوءة"لأخلاق" في مادة الفلسفة سنجد مشكلة الأخلاق يمكن أن تشكل مقررا للسنة الدراسية كاملة امقاربة النظريات الأخلاقية الكبرى فقط، فكيف يمكن مقاربة المواضيع الضخمة الأخرى كالوضع البشري،م المعرفة ، ثم السياسة، وهذا الحال لايرتبط بمادة الفلسفة فقط بل يشمل كل المواد المدروسة. المفارقة الحاصلة بين صياغة النظريات التربوية وصعوبات التطبيق الميداني الواقعي: من بين الأسباب الأساسية التي أدت إلى تراجع المستوى التعليمي في البلاد ، نجد حالة للفصام التي يعيشها المشرع و رجال التربية والتكوين بين ركام النظريات التربوية في أعلى مستوياتها ، وصعوبة تطبيقها عمليا،فالكثير من المفاهيم التي تم نحتها فأصبحت ضمن مكونات التربية و التعليم،نجد مفهوم الكفايات، الإدماج نظرية الذكاءات المتعددة، تشغيل التلاميذ...وغيرها من المفاهيم،لكن السؤال المطروح و بشكل صادق،هل توجد مؤسسة تربوية في المغرب تعتمد هذه النظريات في دقتها وصرامة منهاجها؟ كيف يمكن الحديث عن تشغيل للتلميذ في ظل تواجد عدد كبير داخل الفصل قد يصل إلى أكثر من خمسين تلميذ؟ كيف يمكن إدماج الوسائل السمعية البصرية في عملية التدريس في غياب الكهرباء على مستوى الكثير من المؤسسات التربوية ؟ إن إصلاح المنظومة التربوية ينطلق أساسا من إرساء "نظام المؤسسة التربوية" من خلال وضع أرضية الإشتغال إشتغال المدرس ، وتلقي التلاميذ، فظروف العمل الجيدة هي الوسيلة الممكنة لتسريع وثيرةتطور المجال التربوي، مادام هذا المجال هو معيار التقدم أو التغلب و التراجع. غياب التوجيه المدرسي المستمر: إن الملاحظة العادية لدور التوجيه المدرسي،يوضح الغياب الشبه تام هذه العملية التي تلعب دورا جوهريا في وضع التلميذ في مساره الدراسي الصحيح،وفقا لقدراته وميولاته وأيضا من خلال الدراسة الدقيقة للقدرات و الإستعدادات الخاصة بكل تلميذ، منذ مراحل اللإبتدائية من خلال توفير ملف للتتبع خاص بكل تلميذ ، من أجل مراقبة نقاط القوة لتدعيمها وتطويرها ، وأيضا مجالات النقص لتقويمها و تعديلها ، توجيه يستمر عبر كل المراحل التربوية الإبتدائية ، الإعدادية ،الثانوية قسم الجامعية فالتلميذ المبدع في الرياضيات لن يكون بالضرورة متفوقا في اللغة العربية ، كما أن التلميذ البارع في اللغات لا يعني أنه سيكون جيدا في مادة الفلسفة إن غياب التوجيه المستمر المتتبع لكل خطوات التلميذ الدراسية غالبا ما ينتج تلميذا أو طالبا تائها ، يجد نفسه داخل مادة أو تخصص لم يقم بإختياره من خلال قدراته و مهاراته، بل غالبا ما تكون الصدفة و العفوية هي محدد مصيره و مستقبله الدراسي . إن تطور المجالات التربوية رهين بإعادة الإعتبار لمجال التربية و التلميذ معا ، من خلال تحمل المسؤليات فيما يخص تسير و تدبير الشأن التربوي ، و الوقوف عند المشاكل الأساسية الجوهرية التي يعيشها القطاع بعيداعن النظريات الطوباوية والحالمة.