الإنتخابات التي سيعرفها المغرب في الأيام القليلة المقبلة ستأتي بعد دستور 2011 الذي نص على أن الخيار الديمقراطي أحد الثوابت الجامعة للأمة المغربية، ويحتمل أن تكون هذه المحطة الموسمية مجرد تكرار لسيناريو الانتخابات الجماعية لسنة 2009 ، حيث تبدأ الاستعدادات بالحملة الانتخابية والتشجيع على المشاركة السياسية على أساس أن مبدأ " التصويت هو حق شخصي وواجب وطني" حسب ما جاء في المادة 30 من الدستور ، إلا أن أغلب المواطنين يرون أنه لا جدوى من التصويت و وذلك نظرا للأسباب التالية: ** مفهوم الممارسة السياسة لدى المواطن المغربي أضحى يعني النفاق والمكر والخداع والكذب ... وما إلى ذلك ، وهي صفات تجدها غالبا لدى من يدافع عن العمل السياسي .. ولعل ما يوضح هذه الأزمة لدى المتتبع ، هو تبني الأحزاب السياسية لشعارات فارغة من أي محتوى ، حيث أنها لا تمارس ما تنادي به من الدمقرطة داخل كيانها الذاتي وإزاء تشكيلاتها وأجهزتها الداخلية .لأنها بعيدة كل البعد عما يجوب في الواقع ، بمعنى ما تكرسه في مبادئها وقوانينها تفتقده في مؤتمراتها ... أي أنها تدعي الديمقراطية والحرية و الإنفتاح ، في حين أنها تطغى عليها البيروقراطية والفساد والفردانية وكذا الصراعات الداخلية...وهلم جرا ، حيث صارت مؤتمراتها العامة عند انعقادها فرصة سانحة لتفجير الخلافات الداخلية أو لانفلاق الكيان الحزبي . ** تفاوت في الخطاب السياسي ، ثم تغيير مصطلحاته من البريئة والسليمة إن صح التعبير إلى معجم سياسي ذو أسلوب منحط يطغى عليه الطابع السوقي الشعبي مثل ما حدث مؤخرا عندما تم تسريب مكالمة هاتفية للوزير السابق أوزين وتتضمن عبارات خادشة بالحياء ، وكذا استعمال المصطلحات الحيوانية كالتماسيح والعفاريت و المرقة و الخوان و السفهاء والوساخ ووو...فضلا عن تبادل الإتهامات بين بعضهم البعض ، والأبعد من ذلك وفي ظل هذا المستوى الدلالي أصبح يتم إستخدام أسلوب رياضي كالملاكمات والمشجارات. ** عزوف الشباب عن الممارسة السياسية ... بسبب عدم ثقتهم في الانتخابات والمنتخبين، وما يدل على ذلك هو ضعف الإقبال على التسجيل في اللوائح الانتخابية على الرغم من تجديد آجال التسجيل عدة مرات إلى أن سيناريو انتخابات 2009 سيتكرر ، أو بإلقاء نظرة بين عدد السكان وعدد المسجلين باللوائح الإنتخابية ، إذ يظهر أن هناك فجوة كبيرة ، مما يؤشر على احتمال عزوف كبير يوم الاقتراع، خاصة بعد تزايد عوامل مقاطعة الانتخابات في مقدمتها مظاهر الفقر والبؤس والبطالة وإهمال المواطنين وكذا عدم التزام حكومة بنكيران ببرنامجها الإنتخابي . ** نشوء تناقضات صارخة بين ما كان ينادي به القادة الحزبيون في حظيرة حزبهم ،.وما صاروا يمارسونه أو ينقلبون إليه على صعيد العمل الرسمي ، مما ينجم عنه كثرت الانشقاقات والاستقالات ، مما يساهم أكثر فأكثر في عملية الترحال السياسي ، وتصير معه الأحزاب المعنية بهذه العلل أكثر عرضة للتشتت . ** تزكية نفس الوجوه في كل موسم انتخابي ، بناءا على عملية وراثة التزكية أو من باب إدمان الأجواء الانتخابية ، حيث أن أسماء الأحزاب تختلف ، والبرامج تتشابه ، الأمر الذي رسخ عند المواطن المغربي مقولة " ليس من بين القنافذ أملس" أو أن " اولاد عبد الواحد كاملين واحد" ، وفضلا عن ذلك فإن أغلب المرشحين هم من دون مستويات تعليمية ، إذ لا يحسنوا لا القراءة ولا الكتابة ولا هم يحزنون ، فهل في نظركم ﺑﺎﺳﺘﻄﺎعة ﺭﺟﻞ ﻣﺴﺘﻮﺍﻩ ﺍﻟﺘﻌﻠﻴﻤﻲ ﻟﻢ ﻳﺘﺠﺎﻭﺯ ﺍﻹﺑﺘﺪﺍﺋﻲ ﺃﻥ يدبر ويسير مجلس جماعي بكل مكوناته أو له دراية بالميثاق الجماعي ؟ ** ظهور الكائنات الانتخابوية الذين يتصدرون اللوائح الانتخابية ،أي أن جل الأحزاب السياسية تسهر على ترشيح الأعيان وذوي النفوذ أوالسلطة والمال "صحاب الشكاير" الذين لهم ضمانات وحظوظ أوفر للفوز بالمقاعد ، ذلك الذين يمكن وصفهم بسماسرة السياسة ، لأنهم يظهرون كالأشبح ، فقط في موسم الإنتخابات ، فدائما مقرات أحزابهم مغلقة في وجه المواطنين ، الأمر الذي يشجع على تكريس الريع السياسي داخل هذه الأحزاب ، و ما يثير الإستغراب هنا هو أن أغلب هؤلاء المرشحين متابعين أمام المحاكم و مدانين بأحكام قضائية ، بتهم تتعلق بالفساد والرشوة واستغلال النفوذ وتبديد أموال عامة والتزوير في وثائق ومحررات والاغتصاب ... وغيرها ، فأي خير يرجى من انتخابات مرشحها من رموز الفساد ؟ ... فجلالة الملك أعطى درسا للجميع بأن الوطن فوق الكل و حب الوطن عندما أكد في خطابه السامي الذي وجهه في البرلمان 2009 حيث قال " فإن جعلتم على رؤوسكم فاسدين في مدنكم وقراكم فلا تقبل منكم الشكايات فأنتم المسؤولون على تدهور حقوقكم وحق بلدكم عليكم" . ** مشكل التحالفات السياسية ببلادنا ، وهي مسألة "هجينة" تثير كثيرا من الإستغراب، إذ بالرغم من الأزمة السياسية بين حزبين بسبب اختلاف الأطراف حول قناعات معينة ، إلا أن المصلحة الخاصة والمناصب تجمعهم وتطغى على المصلحة العامة ، لذلك فلا غرابة أن نرى يوما أن حزب العدالة والتنمية قد تحالف مع حزب الأصالة أو حزب الإستقلال وغيرهم . ** النظام الانتخابي يشكل تزوير لإرادة الناخبين ، بحيث يصوت الناخبين على مرشح ذو كفاءات في لائحة ما، و بدلا من أن ينجح هذا المرشح ينجح وكيل اللائحة الذي لم يصوتوا عليه ، وبذلك كان من المفروض أن يكون التصويت بالإسم ، و إذا حصل شخص على الأصوات الكافية لنجاحه أعطى الفائض عليه من الأصوات للمرشح الذي يليه من حيث عدد الأصوات في لائحته. كل ذلك ، وربما جوانب أخرى لم نذكرها ، جعل أحزابنا تفقد أرصدتها الشعبية شيئا فشيئا ، وتتراجع أكثر فأكثر على مستوى علاقتها بمبادئها و بالكفاءات الصاعدة و هذه الإحاطة ليست بالتمني السيء أو المتشائم وإنما بصدد التحسيس بالمسؤولية السياسية والحزبية ، الأمر الذي يجعلنا نقر أنه حان الوقت لكي يعلم المواطن بأن الإصلاح ليس شيئا مستحيلا ، بل ما يحتاجه الوطن هو حملات لتوعية المواطنين حتى يتم التخلي عن العادات و التصرفات الدنيئة كالرشوة والتزوير والإبتزاز وغيرها ، و حتى يتم تطهير الحياة السياسية من كل ما علق بها من أوحال الفساد والمحسوبية والزبونية ، وذلك من أجل الرقي لمصاف بعض الدول التي تخلصت من عقدة "أنا ومن بعدي الطوفان" وانخرطت في قاطرة التنمية ، واندرجت في عهد الحداثة التي تنبني على التضحية من أجل الأجيال القادمة.