اصطلاحان في لغة التغذية لابد من الإحاطة بأبعادهما حتى لا تختلط الأوراق وتتشابك الخطوط، هما: اصطلاح الطعام أولا، ثم اصطلاح الغذاء ثانيا. فالطعام هو ما يدخل الجوف عبر الفم، استجابة لنداء الجوع والشهية. أما الغذاء فهو الجواب على نداء حاجات أنسجة الجسم ومطالب خلاياه. لهذا كان للطعام قاموس حافل بأسماء الأطعمة والفواكه والأطباق المنوعة، وللغذاء قاموس آخر، يترجم لغة حاجات الجسم من طاقة ونمو وحرارة، إلى كلمات مثل الزلال والأحماض الدهنية والفيتامينات والأملاح. وغاية أهل التغذية، ومنتهى آمالهم، أن يترجموا الطعام بلغة قاموس الغذاء وبمفهوم كلماته. لقد تحايل العلماء على الجسم لكي يقبل التعامل مع الطعام بلغة الغذاء، حتى تتطابق الشهية مع حاجة الأنسجة في جسم الإنسان، فكانت إحدى وسائلهم هي إضافة مواد غريبة عن الطعام ليست من صلبه، تحتال على الشهية، وتزيف النكهة، لتجد من صاحبها قبولا حسنا، يساعد على ترجمة معنى الطعام إلى مفهوم الغذاء. وهذا ما اصطلحوا عليه باسم المواد المضافة للطعام. لماذا تضاف المواد إلى الطعام ؟ هناك أسباب عدة يتطلع أهل التغذية إلى تحقيقها عبر إَضافة مادة أو أكثر إلى الطعام، وهذه هي: *حفظ الطعام لاستعماله في وقت الحاجة إليه، أو في مكان الحاجة إليه. ففي أوقات القحط يحتاج الإنسان إلى الطعام الذي جمعه في أوقات الوفرة، أو قد يحتاج الإنسان لطعام جمعه في مكان ما ليستعمله في مكان آخر، ومن هنا تفتق ذهن المختصين لابتكار مواد حافظة، تتنوع بتنوع الأطعمة، وتختلف باختلافها بما يتلاءم وطبيعتها. *إضفاء طعم مستساغ مقبول مرغوب فيه. *إضفاء لون مثير للشهية سار للناظرين. *إضفاء رائحة مثيرة للشهية إن لم تكن للطعام رائحة أو تدعيمها وتقويتها إن كانت الرائحة ضعيفة. *تلافي النقص في الغذاء، وتحسين الصحة العامة، كما يجري مثلا عند إضافة اليود إلى ملح الطعام توقيا من الإصابة بتضخم الغدة الدرقية أو الدراق، مما يشيع في مناطق تفتقر إلى هذا العنصر في بيئتها، كما هي الحال في المناطق الجبلية في أواسط القارة الأوربية على سبيل المثال. كما أن بعضهم قد يضيف فيتامين (د) إلى الحليب في مناطق يسود فيها العوز إلى هذا الفيتامين، حيث تغيب الشمس وتشع الأشعة فوق البنفسجية، فيشيع مرض الكساح بين الأطفال، أو ربما يضاف فيتامين (ج) أو الفيتامين المانع للإسقربوط، تدعيما لبعض أنواع الشراب لتماثل الأشربة الطازجة. وهكذا. لقد سار الإنسان طويلا على هذا الضرب، وكانت له تجارب عريقة، أضيفت إليها خبراته وعلومه الحديثة، حتى توافرت لديه حصيلة ضخمة من هذه المواد المضافة للطعام، بعضها ثبتت جدواه وفائدته، فاستمر، وبعضها تبين ضرره فنبذه الإنسان، وتوقف عن ممارسته واستخدامه. ومنذ القديم عرف الناس استعمال ملح الطعام لحفظ طعامهم، كما عرفوا استعمال السكر والخل والكحول أيضا، مما لا يزال مستعملا حتى يومنا هذا. ولكن القرن التاسع عشر حمل للناس تجارب جديدة باستعمال المواد الكيماوية، مما فرضته الطفرة الصناعية التي شملت صناعة حفظ الطعام، وهو ما اقتضته الحاجة لإمداد الجيوش الغازية والحشود العسكرية التي اجتاحت العالم، وكان أبرزها الحروب النابليونية. ومن هنا تسللت مواد حافظة، منها أملاح حامض البوريك والفودمالدهيد، لكن استعمالها قد توقف بعد أن ثبت ضررها، وتأكدت سميتها، ومنها أيضا أملاح الكبريت والنيتريك اللذان مازالا يستعملان حتى يومنا هذا، ولم يثبت للمختصين ضررهما أو فسادهما. هناك تجربة مازالت صورتها تحتل من الذاكرة موقعا مؤلما ومميزا، وهي المأساة المعروفة بزيت "مكناس" عام 1959. تم توزيع زيت "الغزال" المشهورة آنذاك على أساس أنها زيت طبيعية خالصة (والحقيقة المُرّة أنها كانت زيت الطائرات المحصل عليها من القواعد العسكرية الجوية الأمريكية ببلادنا وقتئذ)، وذلك في أماكن متفرقة من بلدنا المغرب في مقدمتها مكناس، الناظور، الحسيمة، تاونات، كرسيف، بركان، ووجدة. وبلغ عدد ضحاياها 20.000 شخص أفضت إلى الوفاة أو عاهات مستديمة. أما في مكناس وخلال مدة لا تتجاوز أسبوعين سجلت 2000 حالة آنذاك. على أي حال فإن هذه الصور القاتمة ليست هي كل وجوه صورة المضافات للطعام، حيث أن فرض الرقابة الصحية، وتصاعد المنافسة التجارية، قد ارتفعا بعمليات حفظ الطعام وتصنيعه إلى درجات عالية من التقنية، جعلت الطعام المحفوظ يصبح موازيا للطعام الطازج في قيمته الغذائية ومظهره، بل ربما تفوق عليه. وتأكيدا لهذه الحقيقة قام كل من جودين وتومسون بتجاربهما على الفئران، إذ أطعما فريقا منها طعاما معلبا محفوظا على مدى 18 شهرا، كما أطعما فريقا آخر منهما طعاما طازجا في المدة نفسها، وفي نهاية الدراسة لم يجدا فروقا بين المجموعتين، سواء في نموها أو صحتها أو تناسلها، مما يؤكد تماثل القيمة الغذائية للطعام المحفوظ مع الطازج. هذا وركاب الغواصات تحت الماء، ورواد المناطق القطبية النائية، ممن يعتمدون على الأطعمة المحفوظة مددا طويلة، لم يعهد الأطباء إصابتهم بمرض أو خلل أو علة، على الرغم من طول اعتمادهم على الطعام المحفوظ. وعلى الرغم من القناعة بالأمان في استعمال المواد الحافظة للطعام فإن العلماء يميلون إلى استغلال الوسائل الطبيعية الأخرى في حفظ الطعام، كاستعمال التبريد والتجفيف أو التسخين على سبيل المثال. أما عن تلوين الطعام، مما يثير الجاذبية عند الناظرين، فإنه قد يدفع بالطباخين إلى استعمال مواد كيماوية، لم يثبت أن لها ضررا حتى الآن، منها الكاراميل أو السكر المحروق، ومنها الملونات النباتية أو سافرون، وأصبح مألوفا استعمال البقدونس أو البطاطس، أو ربما مسحوق بعض الحشرات الآمنة، فقد شاع استعمال الملونات، وخاصة في حقل الحلويات والفطائر والمعجنات. إنهم يعدون في عالم التغذية 25 نوعا من أصباغ الطعام، تعتبر في نظر الطب آمنة لا ضرر منها، بعد أن أوقف الكثير من الملونات التي أثبتت التجارب على الحيوانات أنها مواد مسرطنة. في مجال المضافات الغذائية تعتبر المُحلِيات أهم أركانها، وبخاصة سكر القصب، وهو الأكثر شيوعا، غير أن هناك مواد مصنعة، تفوق سكر القصب حلاوة، لكنها لا تعطي طاقة، ولا تضر، وهذا ما يريده مرضى السكر وطالبو الحمية والنحافة، ومن تلك المواد مثلا مادة السكارين التي تفوق حلاوتها حلاوة السكر 400 ضعف، لكنها لسوء الحظ تتلف بالحرارة. لهذا استعملوا بديلا لها مادة السيكلامات، المقاومة لمفعول الحرارة، التي تفوق حلاوتها حلاوة السكر بثلاثين ضعفا، غير أن السيكلامات قد أوقف استعمالها، بعد أن ثار الجدل والشك حولها على أنها مادة مسرطنة، عقب تجارب مكثفة على الفئران أوحت بأنها تسبب السرطان. هذا ويشيع جدل حول نوع من التوت البري، يقال عنه إن حلاوته تفوق حلاوة السكر، بما يقدر ب 1.500 ضعف، لكننا لو تطرقنا لمواد النكهة فسنجد منها ما يعطي طعم اللوز وما يعطي طعم الخوخ أو طعم النعناع. أما عن طعم اللحم فبأملاح يسمونها جلوتامات الصوديوم، غير أن خبيرا يدعى كواك قد وصف في عام 1968م مرضا سماه ظاهرة المطاعم الصينية، ادعى أنها ظاهرة تصيب مرتادي المطاعم الصينية بآلام في الرقبة والصدر، مع خفقان في القلب، عقب تناولهم أطعمة أضيفت إليها هذه المادة الشبيهة برائحة اللحم. وظاهرة المطاعم الصينية هذه تذكرنا بمرض آخر، شاع في الصين، وأطلقوا عليه اسم هستيريا الكلاب، وسببها على ما قيل مادة كان الصينيون يضيفونها إلى الدقيق، أملا في تحسينه، يدعونها أرجين. ولما ثبت ضرر هذه المادة استعاضوا عنها بمادة ثاني أكسيد الكلورين التي تعتبر آمنة لا ضرر منها ولا ضرار. ومما يضاف إلى قائمة المضافات الغذائية مادة الجلسرين المعروفة، فقد قيل إنها تساعد على استحلاب الدهون، وتقوم بتسهيل مهمة امتزاجها بالماء، لهذا استعملت في صناعة الآيس كريم، وإعداد كريمات السلطات، بالإضافة إلى مواد تمنع تأكسد الدهون وزنخها، وأهمها فيتامين (ه) المعروف باسم التوكوفيرول، ومادة أخرى حامضية تعرف باسم حامض الجاليك. إن الحديث عن المضافات الغذائية طويل متشعب، غير أن الأطباء يميلون إلى عدم الإسراف في استعمالها بقدر الإمكان، على الرغم من أن الرقابة الصحية الدقيقة قد أثبتت سلامتها وعدم ضررها، مما يبعث الطمأنينة في قلوب المستهلكين، ويبدد القلق الذي ربما يثور حول استعمالها. إن المواد المضافة للطعام في أيامنا هذه لا تحمل لمستهلكيها ذلك الخطر الكامن بفضل الرقابة الطبية الصارمة، وأساليب الصناعة الحديثة، في ظل منافسة تجارية لا ترحم. *---*---*---* والله الموفق 2015-07-01 محمد الشودري