تتمة: ونحن نقول له إن أرضنا البدائية قد ولدت بعد العائلات النجمية الأولية والثانية، وبعد تواجد تلك النجوم المستعرات، والتي حرارتها وكثافتها تفوق بأضعاف كثيرة حرارة نجمنا، وأنها قد تواجدت مباشرة بعد ولادة الشمس من السديم الدخاني المناسب لها، والذي أصبح متواجدا بعد ولادة العائلات النجمية الثالثة وليس الأولية، فكل عائلة نحمية لها سديمها المناسب من حيث الكثافة والحرارة، وقد تواجدت هذه العائلة النجمية التي تنتمي إليه شمسنا بعد أن وصل تبرد الكون أو السماء الدنيا إلى مستوى معين، وقد قدر الله سبحانه أن يجعل الأرض والكواكب متواجدة في المدارات وداخل المجموغات الشمسية لا خارجها، وقدر جعل النجوم داخل المجرات، وهكذا دواليك، فالصغير يتواجد داخل الكبير وليس العكس، فهذه سنة من سنن الله الكونية، والجعل هو بمفهوم الخلق، قال تعالى: "الحمد لله الذي خلق السموات والأرض وجعل الظلمات والنور"/الآية، فالنور أتى بعد الظلمة والأرض أتت بعد السموات، ولهذا نقول أنه كان من الأفضل لأستاذنا أن يتوقف في هذا الأمر، بدل أن يخلط على القارئ الأوراق، فيقول بقول ربما اعتقده حلا وسطاً لإشكالية حار فيها عمالقة علماء الإسلام، فلا يجزم بخلق الأرض قبل السموات، وهو يدرك تمام الإدراك أن هذا الأمر مناقض ومخالف لما وصل إليه العلم الحديث من معطيات صارخة في هذا المجال- وقد لاحظنا أنه قد حذى حذوه الكثيرون في هذا الأمر، ولهذا تصدينا له- والخطأ هنا في التأويل والفهم لمراد الله لا في المعطيات العلمية، والتي نجدها متوافقة مع الإشارات القرآنية، وإلا فكان يلزمه أيضا أن يشكك في ما يقول به العلم الحديث بخصوص تخلق جل مواد وذرات الأرض في النجوم المستعرة، والتي ولدت بعد السماء الدخانية بمآت الملايين من السنين، والتي هي مصدر جل الذرات الثقيلة التي زودت بها الأرض لاحقا كما هو معروف- . ولهذا نكرر القول بأن هذه المسألة قد وضعت العلماء المسلمين المتأخرين والمتقدمين أمام إشكالية جد صعبة كما سبق أن أشرنا، فجل العلماء القدامى قد ذهبوا إلى القول بخلق الأرض قبل السموات إلا الفخر الرازي فقد قال بالعكس، وتبعه ابن عاشور في هذا القول، وقد اعتقد الأستاذ زغلول النجار بأن أخذ العصا من وسطها أسلم للجمع بين الاتجاهين معا، بأن أخذ بأقوال جل العلماء القدامى في نصف القضية وأخذ بالقول الآخر في النصف الآخر، كما أننا لا نوافقه في تشبته بتقسيمه "المعدل وفق فهمه ورؤيته الاجتهادية القائمة على مقدمات غير دقيقة" لمراحل الخلق الستة، ومدعيا أن هذا الأمر وهذا التقسيم هو من المكتسبات العلمية الحديثة، ونحن لا نراه كذلك، ولا نراه يتماشى مع الإشارات والمعطيات القرآنية والحديثية بل الذي يتضح لنا من خلال هذا التقسيم وهذه الرؤية هو نوع من الإسقاطات واللملمات لمفاهيم لا تتلاءم مع بعضها البعض، وذلك بإسقاط تأويل جديد لمفهوم الفتق والرتق محاولا عبثا موافقة بعض المكتسبات العلمية الظنية واللايقينية، وخصوصا في قضية تَبَنِّيهِ للانفجار العظيم المزعوم ودعمه. وكذلك الشأن بخصوص تأويله غير الدقيق لمفهوم السحابة الدخانية، فلا نؤيده فيه ولا نوافقه، وقد نبهنا على الخلط الذي وقع للعلم الصحيح بالوهم في البحث الآخر بخصوص أول مراحل الخلق، الشيء الذي لم ينتبه له الكثيرون، فصار البعض يفسر هذه المراحل الأولية للخلق بتفاسير لا تلتئم مع بعضها البعض، ولا تتماشى وتتناسق مع المراحل التي نسبت إليها، ثم إن الذي ننكره على أستاذنا هو إلباسه هذه المراحل لباسا لا يواتيها ولا يناسبها وخصوصا ما يتعلق بالحلة العددية الدينية الأخرى عن طريق إسقاط العدد "ستة" على المعطيات العلمية، والذي ورد ذكره فقط في القرآن وكذلك في التوراة، ولم يعلم له أصل أو سند بالمعطى العلمي الثابت الحديث؟ فاستنتاجه وتقسيمه مبني على مقدمات ظنية وغير يقينية في بدء الخلق، وأيامه أو مراحله التي ذكرها في هذا التقسيم، هي غير دقيقة، ولا يركب بعضها بعضا، والملاحظ فيها كما سبق أن أشرنا أنها غير متساوية من الناحية العلمية، فكيف يجعلها متساوية بنص القرآن؟ والقرآن لم يجزم ولم يقطع بتسويتها، ثم هو يعطي انطباعا لدى القارئ من خلال ما يقوله، بتخلخل موازينه للقضية، فيبدو تارة كمن يؤيد العلم الحديث ويرتكز عليه في تفسير القرآن، ويبدو تارة أخرى كمن ينكر أو يشكك في المعطيات العلمية المعمول بها والمتوافق عليها في المراحل التي هي متأخرة جدا بالنسبة للمرحلتين الأوليتين "الرتقية" و " الفتقية" واللتين وردتا في تقسيمه. ففي هذه المراحل الأولية نجده يثق بمعطياتهم العلمية ويعتمدها في تفاسيره، بينما الأمر ليس كذلك بالنسبة لما تواجد من معطيات علمية حديثة بعد مرحلة الرتق والفتق، كمثل ما ذكرناه بخصوص النجوم المستعرة وتخلق الأرض، وكأنه لم يعد واثقا بما يقوله المختصون الغربيون غير المسلمين في بعض المسائل، والذي لا يثق بما يدعي الآخر، وجب عليه التوقف في كل شيء، في أول الأمر كما في آخره، فلا يردد ما يدعيه الآخر في مقام، ثم ينكر عليه في مقام آخر، إلا إذا كان واثقا ومتيقنا من استدلالاته وحججه، وإلا فليتوقف كما توقف ابن حجر في قضية طول آدم...فلم ينكر الحديث ويرده، بعد أن علم بصحته، ومع ذلك فقد اعترف ابن حجر بأن الحديث قد استشكل عليه، بينما نرى أنه لم يستشكل على أستاذنا، والذي يقر فيه ويؤكد على أحقية وصحة هذا الطول الذي ذكر في الحديث، وقد استشهد ابن حجر في هذه المسألة بأن قال، إنه لم يتوفر في علم الآثار من مساكن عاد وثمود- وقد كان عهدهم أقرب إلى عهد آدم- من خلال تبين مساكنهم وبيوتهم أنها تدل على طول لأجسامهم قريب من طول آدم، وإنما كان طول أجسامهم كطول أجسامنا، ولم يدع نكارة متنه لأن سند الحديث متيقن من صحته، فلما أشكل عليه الأمر، توقف عنده، وقد تبين لنا بفضل الله في هذه المسألة بعد النظر والتمحيص أنه من الناحية العلمية بمفهوم الزمكان المستقى من منظور المعطيات العلمية الحديثة بتأثير الجاذبية وتعلقها بمفهوم الكتلة البنوية عمليا ورياضيا أنه يستحيل على الإنسان في هذا الزمكان الأرضي أن يكون طوله بمثل ما ذكره الحديث، وهذا الأمر متفق عليه علميا ولا شك فيه، فأين الخلل إذا ؟ نقول إن الخلل في فهم الحديث، فسياق الحديث فيه دخول الناس إلى الجنة بهذا الطول، ولهذا فخلق الله لآدم بهذا الطول كان في الجنة قبل نزوله إلى الأرض، فالجنة لها زمكان بمقاييس أخرى، فلما أنزل الله آدم إلى الأرض أنزله وفق مقاييس الزمكان الأرضي، فتقلص طوله وحجمه، وبهذا الفهم ينقشع اللبس والوهم لدى القارئ بإذن الله، هذا وبالله التوفيق. ..يتبع