يؤكد الفصل الاول من قانون الصحافة والنشر على أن حرية الصحافة مضمونة بمقتضى القانون سواء في الشق المتعلق بحرية الرأي و التعبير أو في الجانب الخاص بالحق في الإعلام و الحق في الوصول إلى المعلومة ، ورغم أن هذا الفصل تضمن في جزء آخر منه مبدأ المسؤولية من خلال التأكيد على ضرورة إحترام النظام العام و حقوق الناس إلا أن المتأمل لمضمون الفصل الاول المذكور أعلاه سيتبن له إلى أي حد هو متطور ومتجانس مع المقتضيات الدولية المنظمة لحرية الصحافة على المستوى الدولي، ولاسيما الفصل 19 من العهد الدولي للحقوق المدنية و السياسية الذي يعتبر متطابقا إلى حد بعيد مع مقتضيات الفصل الأول من قانون الصحافة المغربي. وقد تأكد هذا التوجه بشكل كبير مع صدور الدستور الجديد للمملكة الذي رسخ مبدأ حرية الإعلام في الفصل 28 منه ، و أيضا على الحق في الوصول إلى المعلومة من خلال الفصل 27 من الدستور الذي أحال على المشرع العادي موضوع تنظيمه من خلال قانون تشريعي. ولعل مشروع مدونة الصحافة و النقاش الذي دار حولها إنطلاقا من المقاربة التشاركية التي إعتمدتها وزارة الإتصال في تهييء و إعداد مشروع المدونة ، ليدخل في إطار السجال الإيجابي و البناء نحو ترسيخ ثقافة حقوقية في المجال الإعلامي تعبر بشكل حاسم على إلتزام المغرب بالمقتضيات الدولية المنظمة لحرية الإعلام ، وتقطع مع مجموعة من الممارسات التي كانت تضيق الخناق على على حرية الرأي والتعبير و تجعل الممارسة الصحفية يطغى عليها مبدأ المسؤولية أكثر من مبدأ الحرية . ولكن على الرغم من أن هذا التقديم المتفائل الذي تم سرده أعلاه قد يدعو إلى القول أن المغرب بلد ديموقراطي يتوفر على صحافة حرة و مستقلة لها جميع الضمانات القانونية و القضائية والسياسية التي تجعلها تمارس عملها و مهامها في إطار بيئة سليمة وصحية يتوازن فيها مبدأ الحرية مع مبدأ المسؤولية. إلا أنه يمكن القول على أن حرية الصحافة و الإعلام بالمغرب تعاني كثيرا من عدة عوائق سواء كانت ذات طابع قانوني أو قضائي أو سياسي ، تجتمع كلها لتضع حواجز قوية تحول دون تطور العمل الإعلامي بالمغرب. فعلى المستوى القانوني يبدو أن الشعار الكبير الذي وضعه المشرع المغربي في الفصل الأول من قانون الصحافة والذي أكد على وعيه بضرورة ترسيخ حرية الإعلام ، قد تم نقضه فيما يليه من مقتضيات سواء ذات الطابع الموضوعي أو الاجرائي. فعلى المستوى الأول هناك مقتضيات تفرغ مبدأ حرية الإعلام من محتواه كالفصل 15 الذي يجعل مالك رأسمال أو صاحب الأغلبية في أسهم شركة هو مدير النشر ، وهو ما يبين على أن المشرع يحاول أن يخنق حرية الصحافة من خلال أمرين الأول هو الحد من الإستثمار في المجال الصحفي عن طريق ترهيب أصحاب رؤوس الأموال ومنعهم من الإستثمار في هذا المجال لاسيما أن قواعد المسؤولية الجنائية في مجال الصحافة تختلف عن القواعد العامة بجعل مدير النشر هو الفاعل الأصلي في جميع الجرائم وهو مايجعل من كانت لهم النية في الإستثمار في هذا المجال يعزفون عن هذا الأمر بناء على تشدد المسؤولية الجنائية في مواجهتهم. وأيضا نفس الشيء يظهر في الفصول التي تشكل النظام التجريمي و العقابي في قانون الصحافة و التي تتميز بالقسوة و إنعدام الدقة في الصياغة من خلال العبارات الفضفاضة المخلة بمبدأ الشرعية القانونية و مبدأ الأمن القانوني ، والتي تعطي الفرصة للقضاء للتوسع في التفسير و القياس و أيضا اللجوء إلى الإحالة على القانون الجنائي وتجاهل مقتضيات قانون الصحافة و كل ذلك في سببل التنكيل بحرية الصحافة و الضغط على الصحف و الصحفيين من أجل الإمتناع عن الخوض في أمور تدخل في إطار المواضيع الحساسة أو الخطوط الحمراء ، كما أن إفتراض سوء نية الصحفي في جرائم الصحافة وجعلها الأصل وتكليف الصحفي بإثبات حسن نيته و إنعدام قصده الجنائي و إعفاء النيابة العامة من عبئ الاثبات كما هو مقرر ذلك في القواعد العامة يعتبر من النماذج المؤثرة سلبيا على حرية الصحافة من الناحية القانونية الموضوعية . أما على المستوى الإجرائي فإن المشرع ضمن عدة مقتضيات تؤثر على مبدأ الحرية في المجال الصحفي كإلزام الصحفي المتابع بالقدف بإثبات صحة الوقائع الواردة في القدف في ظرف 15 يوم من تاريخ توصله بالإستدعاء وأن عدم الادلاء بهذا الأمر الذي يدخل في إطار الدفع بالحقيقة يجعل أي عرض لهذه الادلة في المستقبل ساقطا و غير مقبول ، و هذا المقتضى إضافة إلى الأجل القصير الموضوع بشأنه يشكل تضييقا على العمل الصحفي من زاوية إجرائية. و أيضا من المعيقات الإجرائية التي تضيق الخناق على الصحفيين أثناء ممارسة عملهم نجد المقتضيات الواردة في قانون الصحافة المتعلقة بالإختصاص المكاني ، ذلك أن قواعد الإختصاص في إطار المتابعات ضد الصحفيين كما حددها الفصل من قانون الصحافة تخضع لعدة معايير إختصاص والإشكال هنا هو أن المشرع عدد معايير الإختصاص ولم يجعلها على سبيل الإلزام بل على سبيل الإختيار وهو مايمكن أي شخص من مقاضاة الصحفي في محاكم مختلفة و في وقت واحد بشكل سيرهق هذا الأخير ماديا و معنويا وسيؤثر عليه مهنيا و سيفقده التركيز على أداء رسالته النبيلة. أما بخصوص العائق القضائي فيمكن التأكيد على أنه من بين أهم و أقوى العوائق التي تجعل قيمة الحرية مفقودة في الممارسة الصحفية بالمغرب ، سواء على مستوى القضاء الواقف أو على مستوى القضاء الجالس. فبالنسبة للنوع الأول من القضاء نلاحظ أن النيابة العامة غالبا ما تتعسف في إستعمال سلطة الملائمة من خلال التوسع في المتابعات سواء من داخل الجرائم المنصوص عليها في قانون الصحافة عن طريق التوسع في تفسير مقتضيات هذه الجرائم أو من خلال اللجوء مباشرة إلى أحكام القانون الجنائي للمتابعة بجرائم غير منصوص عليها في النظام التجريمي الخاص بقانون الصحافة ، وهو ما يشكل إخلالا واضحا بمبدأ الشرعية الجنائية الذي يؤكد أنه لاجريمة و لاعقوبة إلا بنص و أن المقتضيات الجنائية يجب أن تفسر تفسيرا ضيقا وأن تبتعد عن القياس. ولا يقتصر الأمر في التضييق الذي تقوم به النيابة العامة على التعسف في إستعمال سلطة الملائمة و لكن أيضا في متابعة عدد كبير من الصحفيين في حالة إعتقال رغم توفر جميع الضمانات التي تضمن حضورهم إلى الجلسات في حالة سراح ، وهو ما يؤكد التضييق الذي يطال عمل الصحفيين منذ البحث التمهيدي و المتابعات التي تقوم بها النيابة العامة. أما على مستوى قضاء الحكم فإنه بالتأمل في الأحكام و القرارت الصادرة عن القضاء المغربي بمناسبة البت في ملفات الصحفيين فإننا نجد على أن هذه الأحكام تميزت بالقسوة والمبالغة الى درجة يمكن التأكيد فيها على أن المستهدف من هذه الأحكام ليس العدالة و إحقاق الحق بقدر ما هو التنكيل بالصحفيين و التضييق على العمل الصحفي و تصفية الحسابات مع بعض الوجوه الإعلامية و المؤسسات الصحفية المعروفة بمناوئتها للنظام و إنتقادها للوضع السائد. و تظهرالقسوة في أحكام القضاء في الإخلالالات التي تطال الكثير من حقوق الدفاع و أسس المحاكمة العادلة أثناء مناقشة ملفات الصحفيين في الجلسات ، و تبرز أيضا في الحكم على الصحفيين وفق مقتضيات القانون الجنائي و ليس قانون الصحافة كالإحالة على جريمة الإرهاب أو على جرائم أخرى كإخفاء أشياء متعلقة بجريمة وما إلى ذلك من جرائم لم ينجو الصحفيين من الإدانة وفقها رغم أنهم أشخاص ذوو صفة و يحكمهم قانون خاص يراعي هذه الصفة و يأخد بعين الإعتبار دورهم و رسالتهم داخل المجتمع. ولعل أبرز شيء يؤكد دور القضاء الجالس في الإضرار بالحرية في مجال الصحافة هو حجم العقوبات التي تحكم بها في مواجهة الصحفيين الذين تدينهم سواء في الدعوى العمومية أو في الدعوى المدنية التابعة أو حتى بالنسبة للعقوبات الإضافية. فبخصوص الأولى نلاحظ أن العقوبات وصلت في الكثير من الأحيان إلى عدة سنوات كما في الإدانة التي تعرض لها صحفيين كعلي المرابط ، و حرمة الله ، و رشيد نيني. أما على مستوى التعويضات في إطار الدعوى المدنية التابعة فقد كانت متسمة بالمبالغة إلى درجة وصلت فيها تعويضات إلى حدود مبلغ ستة ملايين درهم في قضية رشيد نيني و مليون درهم في قضية تيلكيل و هلم جرى. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد إذ أنه في بعض الأحيان تعسف هذا القضاء في إستعمال العقوبات الإضافية ضد صحفيين كماهو الحال بالنسبة لعلي المرابط الذي تم الحكم عليه بالنع من مزاولة مهنة الصخافة لمدة عشر سنوات. أما بخصوص الجوانب السياسية المقيدة لحرية الرأي و التعبير فتتجلى بالأساس في سيطرة الدولة العميقة على جميع المجالات ورفضها لأي نوع من الإنتقاد لإستراتيجيتها أو كل ما يمكن أن يكشف أو يعري عن واقع الفساد و الإستبداد الذي تصطبغ به تصرفات و أعمال هذه اللوبيات ، بشكل رسخ مايمكن أن نطلق عليه قانون صحافة عرفي ذو طبيعة عقابية ، يسلط على كل من يتجاوز الخطوط الحمراء أو يتناول مواضيع و أشخاص عامة أو خاصة تدخل في إطار المحرمات أو المقدسات التي لايجوز تحت أي ظرف من الظروف المساس بها أو التدخل في شؤونها. ومن جانب آخر تشكل الممارسة السياسية من لدن الهيئات السياسية المنتخبة التي تقوم بتسيير الشأن العام إحدى أهم المؤثرات السلبية على حرية الصحافة ، فعلى سبيل المثال إذا تأملنا في تصريحات أعضاء الحكومة و خاصة رئيسها السيد عبد الإله بنكيران الذي إتهم الصحافة بأنها " باعت الماتش" وأوصاف أخرى تقلل من شأن الصحافة المغربية وتهون من شأن صحفيين مؤثرين بأرائهم و مواقفهم على المجتمع ،و أيضا موقف الوزير الشوباني الذي طرد صحفية تقوم بعملها لمجرد عدم إتفاقه على طريقة لباسها . ليدل على أن الحكومة و باقي المؤسسات السياسية القائمة لاتمنح الإحترام الواجب للسلطة الرابعة و صاحبة الجلالة ، بشكل يجعلها تقوم بدورها على أكمل و جه في إطار من الحرية الواسعة و المسؤولية المقننة ، وداخل مناخ ديموقراطي و حقوقي يمكن أن يسكل أحد قاطرات التنمية ذاخل هذا البلد. ختاما يمكن التأكيد على أن مبدأ الحرية الذي رسخه المشرع المغربي في الفصل الأول من قانون الصحافة لا يمكن أن نعتبره مقياسا موضوعيا لإختبار مدى تمتع المجال الصحفي بالمغرب بالحرية لاسيما أمام العوائق القانونية الموضوعية و المسطرية و أيضا أمام الحواجز القضائية سواء على مستوى القضاء الواقف أو القضاء الجالس. ناهيك عن الخنق الذي تتعرض له سواء من لدن الدولة العميقة أو الدولة غير العميقة. خالد الإدريسي