حياة الإنسان على هذه الأرض حياة مرتبطة بهذه الأرض. وهي ليست مرتبطة بكل الأرض، وإنما هي مرتبطة بقشرة من سطحها، وبنطاق مما فوق هذا السطح من هواء. اما ما فوق ذلك، واما ما تحت ذلك، فلا يكاد يتصل بحياته اتصالا. إلا تلك الشعاعات التي تأتيه عبر الهواء، من ذلك الجرم البعيد المضيء الذي يأتيه نهارا بالدفء والنور، ويأتيه في الليل بالبرد والظلام. في هذه الثلاثة، من قشرة أرض وبحر، ونطاق هواء، وشعاعة ضياء، يتركز كل وجود الإنسان، ومنها يستنبط الإنسان حاجات هذا الوجود: طعامه، شرابه، لباسه، مسكنه، وعاءً يأكل فيه، سكينا يقطع بها، كتابا يقرأ فيه، عربة تحمله إلى عمل. ألف حاجة وحاجة، مصدرها تربة هذه الأرض، وغازات هذا الجو، وشعاعات من ذلك الجرم البعيد الذي نسميه الشمس. وما كانت بالإنسان حاجة إلى التطلع إلى ما وراء الشمس. بل ما كانت به حاجة إلى الإيغال في علم الشمس بمقدار ما أوغل. أما نجوم السماء، تلك التي استطعنا أن نكشف منها عن أكثر من 3000 مليون نجم، فأبعد من أن تكون بالإنسان حاجة ماسة إليها. ومع هذا لم يقف الإنسان بعلمه عند الشمس، ولا وقف عندما كشف من نجوم، بل حاول أن يكشف عن نجوم فوق ما كشف، وفعل، واهتدى. وأنفق في ذلك الجهود، وواصلها عبر القرون ومازال يواصل. كل هذا ليس لحاجة الإنسان "الحيوان" إلى المزيد من هذا العلم الذي لا نهاية له. وهو لا نهاية له لأنه عن عالم لا نهاية له، كلما كشف الإنسان منه بعيدا، ظهر له منه ما هو أبعد. ولكن كان كل هذا ويكون لحاجة الإنسان "الإنسان" إلى إشباع ما به من جوع إلى المعرفة، نافعة له في حياة يومه أو غير نافعة. إنه التشوف إلى معرفة المجهول، ذلك الذي يظهر في الطفل قبل أن يمشي وقبل أن يتكلم، إذ أنت تعطيه الصندوق المغلق فأول شيء يفعله هو أن يفتحه، إما مزقا إن كان مما يمزق، أو قذفا على الأرض إن كان مما يكسر. إنه النهم الذي أودع في الإنسان "الإنسان" إلى علم ما لا يعلم. تلك الصفة الأولى للرجل الإنسان، وللمرأة الإنسانة التي تنتقل بهما من الوجود البهيمي إلى الوجود الحضاري. الوجود البهيمي يبدأ وأولى غاياته تأمين الطعام. والوجود الحضاري يبدأ وأولى غايته إشباع هوى العقول ونوازع الافهام. البهيمية الطابق الأرضي، وهو طابق محترم رصين، يعلوه الطابق الإنساني الحضاري وهو الطابق الأعلى، أوسع أفقا وأبعد مدى. ولعله من أجل ذلك مشى الحيوان على أقدام أربع، ومشى الإنسان على قدمين: انحنى الحيوان حتى استوى وقارب الأرض، واستقام الإنسان فاستطال. وفي استطالته رأى السماء قائما، ورأى السماء قاعدا، ورآها حتى نائما. ورأى السماء ليلا وهي ألف ألف مصباح، ورآها نهارا وليس بها إلا مصباح فرد واحد. ويبلغ قطر الشمس نحوا من 865000 ميل. فهو قدر قطر الأرض 109 من المرات. وليس هذا بالقطر الكبير: فمن النجوم ما قطره قدر قطر الشمس 800 مرة. وحجم الشمس مثل حجم الأرض 1.300.000 مرة. أما كتلة الشمس فهي مثل كتلة الأرض 333000 مرة. ومعنى هذا أن كثافة الشمس أقل من كثافة الأرض، وهذا منتظر، لأن الشمس من غاز لم يتكثف تكثيفا كبيرا. فكثافة الشمس تبلغ نحو ربع كثافة الأرض. والشمس تدور حول محور لها. ولكنها كرة من غاز لا يمسك بعضها بعضا، من أجل ذلك يدور جزؤها الذي هو عند خط استوائها دورة يتمها في 25 يوما. وتقل سرعة الدوران بالتدريج، كلما علونا ناحية قطب الشمس، أو هبطنا ناحية القطب الآخر، فإذا بلغنا مناطق الشمس التي عند القطبين وجدناها تتم دورتها حول المحور في أكثر من 30 يوما. الشمس نجم. ونحن نعرف أن النجوم ليست لها مواضع ثابتة في السماء. إن النجوم أجرام منثورة في الفضاء نثرا، وهي سائرة في اتجاهات شتى. ولكن هذه النجوم بعيدة عنا بعدا عظيما، ومن أجل هذا لا نتبين نحن، معشر سكان هذه الأرض، الفروق في مواضع هذه النجوم بسبب مسيرها عبر السماء، لأنها فروق لا نكاد ندركها ونحن على هذا البعد العظيم منها. والشمس تسير بسرعة نحو 12 ميلا في الثانية في اتجاه نحو الكوكبة Constellation التي اسمها كوكبة الجاثي Hercules. وهي بذلك تقطع في السنة مسافة تساوي أربعة أمثال بعدها عن الأرض. والشمس، وهي بعض مجَرّتنا المسماة درب التبانة Milk-Way، تدور مع هذه المجرة وهي تدور على نفسها، وذلك بسرعة 170 ميلا في الثانية. ولنذكر دائما أن الأرض هي كوكب من كواكب تسعة تسير مع الشمس حيثما سارت. ولنذكر إذن إنا معشر بني الناس ليس لنا في هذا الفضاء مكان مستقر ثابت. إنا نغير مكاننا من هذا الوجود كل ثانية، بل كل جزء من ألف ألف من الثانية. وتسأل عن الشمس، ما هي بين أجرام السماء ؟ فتعلم أنها نجم كسائر النجوم ؟. وتسأل ما كنهها ؟. إنها كرة من غازات ملتهبة أشد التهاب، بلغت درجة الحرارة عند سطحها آلافا من الدرجات، وتزيد هذه الحرارة كلما تعمقنا في باطن الشمس، حتى إذا بلغنا القلب وجدناها وصلت إلى نحو 14 مليونا من الدرجات المئوية، ووجدنا ضغط الغازات هناك زاد حتى بلغ 220 ألف مليون من الضغوط الجوية. وليس وقود في الدنيا يعطي هذه الحرارة غير الوقود الذري. وهذه الحرارة تنتج من تحول غاز الإدروجين الذي تحتويه الشمس إلى غاز الهليوم، بالتفاعل الذري، لا الذي تنشق فيه الذرة كما يحدث في عنصر اليورنيوم، ولكن التفاعل الذي فيه تندمج نواة الذرة بنواة الذرة، ذرة الإدروجين بذرة الإدروجين، لينتجا غاز الهليوم، ومعه مقادير كبيرة من الحرارة. هم يقدرون أن الشمس"تحرق" في الثانية نحو 564 مليون طن من الإدروجين فتنتج الهليوم، وهي بهذا تخرج من الطاقة مثل ما تخرج بضعة ألوف الملايين من القنابل الإدروجينية عند تفجيرها. وحسب العلماء فوجدوا أنه، إذا تحول مقدار من إدروجين الشمس يعادل واحدا في المائة من وزنها إلى هليوم، فهذا سوف يكفي لإمدادها بالطاقة التي تجعلها تظل تنير مقدار ألف مليون عام أخرى. ومن نعمة الله أن الشمس "تحرق" من وقودها فقط بالقدر الذي يعوض عليها ما تفقده بالإشعاع من طاقة، فليس عند العلماء ما يدل على أن الشمس تزيد على السنين حرارة أو تزيد برودة. يتبع ... والله الموفق 14/05/2014