لم يكتشف العلماء وجود الثقوب السوداء إلا في العقود الأخيرة من القرن العشرين، في حين نجد أن القرآن الكريم قد أشار إليها قبل ألف وأربعمائة عام، قال الله عز وجل: "فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ الْجَوَارِ الْكُنَّسِ وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ" [التكوير، 15-19]. الثقب الأسود هو حيز فضائي ذو جاذبية شديدة بحيث لا يسمح لشيء كان -مادة أو طاقة- الهرب منه حتى أشعة الضوء لا تستطيع الهروب من قبضته؛ إنه جرم سماوي غريب ومظلم يكنس كل ما اقترب منه وهو دائم الحركة. تنبأ العلماء في الثلث الأول من القرن العشرين بوجود مثل هذه الأجرام ذات الكثافة الهائلة والجاذبية الشديدة من خلال الحسابات الرياضية، وفي سنة 1967 أعلن الفلكيان البريطانيان "توني هيويش" "وجوسلين بل"، عن اكتشاف أجرام سماوية صغيرة الحجم بأقطار تقرب 16 كلم تدور حول محورها بسرعات مذهلة من بضع ثواني إلى أقل من ثانية، وتصدر موجات راديوية منتظمة تدل على أنها نجوم نيوترونية. وفي عام 1971 اكتشف علماء الفلك، وجود بعض النجوم التي تصدر بشكل غير طبيعي قدرا طائلا من الأشعة السينية، تم تفسير هذه الظاهرة الغريبة بوقوعها تحت تأثير أجرام سماوية غير مرئية ذات كثافات خارقة للعادة وشديدة الجاذبية. سميت تلك الأجرام بالثقوب السوداء لقدرتها الفائقة على جذب وابتلاع كل ما يقترب من نطاق جاذبيتها مهما كبرت سرعته، حتى الضوء الذي تبلغ سرعته 300 ألف كلم في الثانية لا يستطيع مقاومة قوة جاذبيته. عندما تستنفذ النجوم العملاقة مخزونها من الهيدروجين الذي يلعب دور وقودها النووي، تبدأ كمية الهليوم في التزايد، وتضمحل طاقة النجم تدريجيا مع ارتفاع في درجة حرارة المركز، ويؤدي ذلك إلى انبعاث المزيد من الطاقة ومضاعفة حجم النجم إلى مئات الأضعاف، فيطلق عليه اسم العملاق الأحمر، وباسترسال عملية الاندماج النووي، يتقلص حجم النجم وينكمش تحت تأثير الجاذبية الداخلية ثم تنكسر الأشعة الضوئية نحو الداخل فينعدم انتشار الضوء الذي يبقى أسير الجاذبية، ويتحول النجم إلى ثقب أسود يجر ويبتلع كل ما يمر بمحيطه. الثقوب السوداء نوعان إثنان: الثقوب السوداء المترتبة عن موت النجوم العملاقة Trous noirs- stellaires- والتي تبلغ كثافتها من 5 إلى 15 كثافة الشمس، ثم هناك الثقوب السوداء ذات الكثافة الهائلة والتي تتواجد بمركز المجرات -Trous noirs supermassifs- ، تتراوح كثافة هذه الأخيرة من بضع آلاف إلى عدة مليارات الكثافة الشمسية. يتحدث علماء الفلك اليوم عن وجود مئات من الثقوب السوداء الصغيرة الحجم في مجرتنا -درب التبانة- إضافة إلى الثقب الأسود المركزي الذي يدعى Sagtariys A (Sgr A)-- وهو يتواجد على مسافة تقدر ب 26000 سنة ضوئية، و تقدر كتلته ب 5،4 مليون الكتلة الشمسية. تعتبر الثقوب السوداء من عجائب القدرة الإلهية التي تُعجز العقول البشرية، فعلماء الفلك المعاصرون يتطلعون إلى إدماج مراصد موزعة في كل بقاع الكرة الأرضية لإنجاز صور مباشرة ومتكاملة للثقوب السوداء، يطمحون بذلك إلى مراقبة ودراسة الظواهر الفيزيائية التي تحدث بجوار هذه الأجرام وكذا تجريب نظرية النسبية العامة. المراجع 1. ماهر أحمد الصوفي، الموسوعة العلمية الكبرى؛ آيات الله في خلق الكون ونشأة الحياة في السماء الدنيا والسموات السبع، المكتبة العصرية صيدا - بيروت، 2008م. 2. Avery Broderick, Abraham Loeb, L'ombre d'un trou noir, Pour la science dossier n°75,p96-101, avril-juin 2012