قام علم الحساب العربي على أصول ثلاثة : أولها حساب اليد: وهو الحساب الموروث، أي النظام الحسابي الذي لقيه العرب عند الفرس والروم البيزنطيين. وثانيهما الحساب الهندي: وهو نظام حسابي اكتشفه العرب عند عامة الهنود وتجارها فتبنوه وعدلوه ونشروه. وثالثها مجموعة الأفكار الإغريقية في الجبر وخصائص الأعداد مما وصل إلى الفكر الإسلامي بعد نقل كتب الإغريق إلى العربية. أما موضوع مقالنا هذا فإنه ينحصر في "حساب اليد": لقد كان على الأرجح خلاصة المعارف الحسابية التي شاعت عند البابليين والإغريق وانحدرت إلى الفرس والروم. إن فيه (أي الحساب) من السلم الستيني البابلي الذي ترقى فيه منازل الأعداد على نحو ما تزال عليه وحدات الزمن عندنا ترتقي من ثوان إلى دقائق إلى ساعات. كما أن فيه من التعديل الإغريقي لهذا النظام: إذ لا يشار إلى الأعداد بالرموز البابلية وإنما بالأبجدية الإغريقية. فلما أخذ العرب بهذا النظام كان طبيعيا أن يستعملوا الأبجدية العربية في ترقيمهم: - المشرق العربي بالترتيب: "أبجد هوز حطي كلمن سعفص قرشت ثخذ ضظغ" فحروف الألفاظ "أبجد هوز حطي" ترمز بالترتيب إلى الأعداد من الواحد إلى العشرة. وتليها الحروف "كلمن سعفص" التي ترمز إلى العشرات من عشرين إلى تسعين ثم تليها حروف المئات" قرشت ثخذ ضظغ" من مائة إلى ألف. - أما المغرب العربي فقد درج على اتخاذ الأبجدية العربية بترتيب يخالف الترتيب المشرقي بعض المخالفة ومن ثمة نجد دلالات بعض حروف العشرات والمئات فيه غير ما نجد في المشرق العربي. ومهما يكن من أمر، فإننا نجد هذا الترقيم الأبجدي في جداول الفلكيين والمنجمين والجغرافيين والمؤرخين وقلما نجده في كتاب الحساب. ذلك أن الحُسَّاب كانوا يسمون الأعداد بأسمائها ويجرون عليها العمليات الحسابية بطرق عقلية كالتي نجدها عند الأميين. وكالأميين قد يستعملون أصابع اليدين في إجراء بعض عمليات الحساب، ولكن ما لهذا السبب سمي هذا النظام الحسابي بحساب اليد : لقد كان العرب الأوائل يسمونه الحساب أو صناعة الحساب دون تمييز، لأنه كان هو النظام الوحيد الذي يعرفون، فما الحاجة إذن إلى التمييز ؟ وإنما دعت الحاجة إلى هذا التمييز عندما أخذ النظام الهندي بالانتشار في العالم العربي فميزوا الحساب الأصيل بتسميته حساب اليد أو الحساب الهوائي أو حساب الروم والعرب أو حساب العقود، كما ميزوا الحساب الدخيل بتسميته حساب الهند أو الحساب الهندي أو حساب التخت والتراب أو حساب الغبار لأسباب سنوضحها بعد قليل: ولعلنا نستطيع أن نقدر أن الحساب الأصيل سمي بالحساب الهوائي لأنه كان يجري عقليا كأنه "على الهواء". وكذلك سمي هذا النظام بحساب الروم والعرب لأن البيزنطيين والعرب كانوا يستعملونه من قبل أن يفد عليهم ذلك النظام الدخيل القادم من الهند. أما سبب تسميته بحساب اليد وحساب العقود فيتضح مما يلي، (بعد هذه الرسوم البيانية) : لنفرض أن الحاسب يريد أن يضرب ثمانية وأربعين في تسعة وستين: إنه يعرف أن العملية تنطوي على أربع ضربات: ثمانية في تسعة، وثمانية في ستين، وأربعين في تسعة وأربعين في ستين. ومجموع النواتج هو الجو اب المطلوب. فكيف يحصل على هذا المجموع ؟ ثمانية في تسعة باثنين وسبعين، فهو يعقد أصابع يديه بشكل مميز يدل على اثنين وسبعين، وثمانية في ستين بأربعمائة وثمانين، ومع الإثنين والسبعين المعقودة على الأصابع يصير المجموع خمسمائة واثنين وخمسين، فيغير العقد ليشير إلى هذا المجموع. وهكذا حتى نهاية العملية، كلما حصل على مجموع جديد عقده على أصابع يديه. وقد كان الحاسب يستطيع أن يعقد أي عدد صحيح على أصابعه. لهذا سمي هذا النظام الحسابي بحساب اليد أو حساب العقود. أما كيف كانت هذه العقود بالضبط فكتب الحساب لا تصفها، إذ تعتبرها معروفة مألوفة، ولهذا لا نجد لها وصفا إلا في كتب قليلة متأخرة، حينما أخذ استعمالها يندر ولم يعد الناس يتعلمونها كابرا عن كابر. ومن أوائل من وصل إلينا وصفهم للعقود حاسب من القرن الرابع عشر الميلادي اسمه "علي بن المغربي" وصفها بمنظومة نقتطف منها هذه الأبيات: اعلم بأن عقدك الأحادا خصوا بها ثلاثة أفرادا فخنصر وبنصر ووسطى وذاك في اليمين فاعلم ضبطا فواحد: أبسط يديك وأخصر وركب الخنصر فوق البنصر وضم في الاثنين من كليهما من غير تغيير لذاك فاعلما **** والعشرات يا أخا النجابة خصوا بها الإبهام والسبابة وتلك أيضا منك في اليمين فكن من الضبط على يقين واعلم إذا أردت عقد العشرة فإنها كجامة مدورة وضع لدى العشرين إبهام اليد في العقد تحت أصبع التشهد **** ثم اعقد المئات في الشمال كالعشرات فاستمع مقالي ثم اعقد الألوف كالأحاد في يدك اليسرى على انفراد أقسامها ثلاثة مدبرة وسطاك والخنصر يتلو بنصره تركيبها إن كنت ممن يعرف كعقدك الأحاد لا يختلف والله الموفق 12/02/2014 محمد الشودري