«من الناحية العَمَليّة، لا لسانَ يحترم المُقابَلةَ عنصرا بعنصر بين الوحدات الصوتيّة (les phonèmes) والوحدات الخطيّة (les graphèmes). فالأنساق [الكتابيّة] لم تكن قطّ فُونُولوجيةً تماما وتميل شيئا فشيئا إلى ألَّا تصير كذلك.» ("جُون دِيبوا» وآخرون، مُعجم اللِّسانيّات)[1] «الخط العربيّ ينحدر من [الخط] الآراميّ عبر الأبجديتين النبطيّة والسيناويّة المُحدثة. ويُعدّ، بعد الخط اللاتينيّ، [ثاني] أوسع شكل مستعمل من أشكال الكتابة الأبجدية في العالم الحديث.» (موسوعة بريطانيكا) [2] «[الخطّ] العربيّ أحد الخطوط العالميّة الكُبرى، وبلا شكّ سيبقى [كذلك] طيلة عدّة قرون [قادمة].» (ستيفن رُوجر فيشر)[3] 1. تقديم كما صار «اللّسان العربيّ» عُرْضةً للتّهوين والتّبخيس من قِبَل أُناس لا يَتورّعون عن ٱتّخاذه غَرضا للتقوُّل والهجاء، فقد أصبح النّمطُ الكتابيُّ الخاص بالعربيّة موضوعا لنوع من الكلام الحائِل والنّافل الذي يَأتيه بعض «الشُّعوبيّين الجُدد». إذْ تجدهم يذهبون إلى أنّ ما يُسمّى «الخط العربيّ» ليس سوى «الخط الآراميّ» عينه الذي ٱستعمله العربُ لكتابة لسانهم فنسبُوه إلى أنفسهم ٱنتحالا وأعطوه صفة «عربيّ» إلحاقا من جرّاء عادتهم في «تَعْريب» كل شيء يَتّصل من قريب أو من بعيد بلسانهم! تُرى، ما أصل «الخط العربيّ» هذا وما فصلُه؟ وهل هو مجرد تشكيل خطيّ في «الأبجديّة الآراميّة» أمْ أنّه أبجديّة خاصة ومُتميّزة؟ وهل تَرقى «الأبجديّة العربيّة» حقًّا إلى مُستوى «الألفباء» كنسق خطيّ يُمكِّن من كتابة "صوامت" و"صوائت" اللِّسان المَعْنيّ؟ وهل ثمّةَ كِفايةٌ تعليميّةٌ ومعلوميّاتيّةٌ في هذا النّمط الكتابيّ؟ هذه الأسئلة هي موضوع هذا المقال الذي سيُحاول أن يُجيب عنها على أساس ما هو مُتاح من مُعطيَاتِ المعرفة الموضوعيّة والتِّقنيّة بعيدا عن ضُروب التّحكُّم والتّشهِّي التي يَتّكئ عليها مُحترفُو «خطاب اللَّغْوَى». 2. بين «الخطّ» و"الأبجديّة» و"الألفباء" كثيرا ما يَتحدث النّاس عن أشكال الكتابة من دون تبيُّن كافٍ. والحالُ أنّه يجب التّمييز فيها، على الأقل، بين ثلاثة مُستويات: «الخطّ» و«الأبجديّة» و«الألفباء». ذلك بأنّ «الخط» (« la graphie ») ليس أكثر من علامات ترسُم كتابيّا، بهذا القدر أو ذاك، مُكوِّنات الكلام الشفويّ في لسان ما، حيث إنّ «الكلمات» و«الأقوال» تَقبل أن تُمثَّل إملائيّا بواسطة عدّة تشكيلات خطيّة مُمْكنة تتباين حسب ثلاثة أشكال: الكتابة اليدويّة الشخصيّة (حسب الأدوات والمِزاج) والكتابة اليدويّة الفنيّة (التّنميق الفني والزّخرفة التزيينيّة) والكتابة الآليّة الطِّباعيّة (التي تقوم على طباعة «المَحارِف» [les caractères] كتمثيل معياريّ ل«الحُروف» [lettres] في رسمها ل"صوامت" و"صوائت" اللِّسان)[4]. وفي المدى الذي يَتميّز تمثيل الكلام بالكتابة الخطيّة حسب رسم «الصوامت» (consonnes) وحدها أو رسمها مع «الصوائت» (voyelles)، فإنّ العلامات الخطيّة التي تكفي لتمثيل «الصوائت» فقط (مثلا: /كتب/) تُسمّى «أبْجديّة» (abjad)، في حين أنّ العلامات التي تُمكِّن من تمثيل مجموع «الصوامت» و«الصوائت» في النُّطْق (مثلا: /كَتَبَ/، /كِتَابٌ/) تُسمّى «ألفباء» (alphabet). ومن هُنا، إذَا كانت «الكتابةُ الخطيّة» رسمًا فرديًّا وأوّليًّا في تمثيل الكلام الشفويّ في لسان ما، فإنّ «الكتابة الأبجديّة» تُعدّ رسمًا مُشترَكا ودقيقا له، في حين تبدو «الكتابة الألفبائيّة» أشدّ تمثيلا ودقّةً منها لكونها تُتيح رسم «الصّوامت» و«الصوائت» كلتيهما. فهل كتابة «العربيّةُ» مجرد تشكيل خطيّ متروك لظُروف الاستعمال الفرديّ أمْ أنّها «كتابةٌ أبجديّة» تكتفي بتمثيل «الصوامت» أمْ أنّها نسقٌ ألفبائيٌّ مُنمَّطٌ يُمكِّن، بالفعل، من تمثيل خطيٍّ ل«الصّوامت» و"الصّوائت» المنطوقة في «اللِّسان العربيّ»؟ 3. أصلُ «الخط العربيّ» وفصلُه يُجمع المُؤرخون، حتّى الآن، على أنّ أوّل نظام للكتابة عُرف في التاريخ البشريّ يَرجع إلى حضارة بلاد الرافدين (نحو 3400 ق.م) وحضارة مصر (نحو 3200 ق.م)[5]. إذْ على الرغم من مُمارسة الإنسان للرسم ومحاولته الكتابة قبل ذلك بزمن طويل، فإنّ أُولى نسق كتابيّ استُعمل في تمثيل اللُّغة ودُوِّنتْ به نُصوص كاملة إنّما يُنسَب إلى «الكتابة المِسماريّة» و«الكتابة الهيروغليفيّة» اللتين تعد بالنسبة إليهما كل الأنظمة الكتابية الأخرى حديثة جدا. وهكذا، فمن المعلوم أنّ «الألفباء اليوناني» (22 علامة/حرفا) و«الألفباء اللاتينيّ» (28 علامة/حرفا) ينحدران كلاهما من «الأبجديّة الفنيقيّة» (22 علامة/حرفا) التي اخترعها «الكنعانيُّون» («بَنُو كنعان» الذين حَرَّف "الإغريق" اسمهم إلى «Phoinikes») نحو 1100 ق.م، كما تنحدر منها «الأبجدية الآرامية» (نحو 900 ق.م) التي هي الأصل في «الأبجدية العبريّة» (22 علامة/حرفا) و«الأبجديّة النبطيّة» (22 علامة/حرفا). وعلى الرغم من أنّ «شبه الجزيرة العربية» عرفت قديما، بين بداية الألف الأول ق.م ومنتصفه، عدّة أنظمة في الكتابة (منها "المُسند" بأنواعه من "صفويّ" و"ثموديّ" و"لحيانيّ" و"سبئي"، إلخ.)[6]، فإنّ الرّاجح هو أنّ «الخط العربيّ» (المُسمّى، عموما، "النَّسْخيّ" أو "الكُوفيّ") إنّما يجد أصلَه المُباشر في «الخطّ النّبطيّ» (22 علامة/حرفا) الذي كيَّفه العربُ وأضافوا إليه أشكالا خطيّة أُخرى لكتابة لُغتهم (أبرزها العلامات/الحُروف المُمثِّلة للأصوات الستّة: ثخذ، ضطغ)[7]. ف«الخط العربيّ» (28 علامة/حرفا)، إذًا، تطوُّر في «الخط النبطيّ» الذي كان الوسيط بينه وبين «الخط الآراميّ» (هذا إذَا استثنينا منظور من يذهب إلى أنّ «الخط العربيّ» ابتكارٌ خاصّ وَظّف فيه الإنسان المحليّ مَنازل القمر، وهو منظور طريفٌ جدّا تَسنُده اكتشافات حفريّة مُستجدّة تُحدِّد تطوُّر هذا النوع من الكتابة فيما قبل الألف الثاني ق.م [8]). ولذلك، فإنّه من السُّخْف البالغ أن يُقال على ألسنة "المُبطلين" إنّ «الخط العربيّ» ليس سوى «الخط الآراميّ» وقد غُيِّر اسمُه إلى «الخط العربيّ». إذْ تكفي أدنى مُقارَنة بين الخُطوط المعروفة لتأكيد أنّ «الخط العربيّ» تطوُّر مُتميِّز (اُنظر معطيات الجدولين التاليين): 1. جدول أول: 2. جدول ثان: ويبدو، من خلال المُقارَنة، أنّ تميُّز «الخط العربيّ» عمّا سواه ثابتٌ وظاهرٌ. ويكفي، بهذا الخصوص، أن يُشار إلى أنّ الحُروف العربيّة تزيد عن الأبجديّات "الفنيقيّة" و"الآراميّة" و"النّبطيّة" بستة حروف (ث، خ، ذ، ض، ط، غ) وتتميّز بطُول تعريقتها (س، ص، م، ع) وبوُجود نُقط فوق أو تحت بعضها (ب، ت، ث، ج، خ، ذ، ز، ش، ض، ظ، غ، ف، ق، ن، ي) وبكتابتها على نحو خطيّ مُتصل (من اليمين إلى اليسار). وبناء على ذلك، فإنّ إرسال "المُبطلين" للقول بأنّ «الخط العربيّ» هو فقط «الخط الآراميّ» مع تغيير الاسم ليس فقط سُخْفا مفضوحا، بل إنّه أيضا تعبيرٌ عن جهل مطمور يُنْسي أصحابَه أنّ كونَ «الخط العربيّ» انحدر جُزئيّا من «الخط الآراميّ» لا يجعله بِدْعا من الخطوط التي يرجع مُعظمُها إلى «الأبجديّة الفنيقيّة»، وهو ما يُؤكّد أنّ ما يُراد من انتقاص لأصالة «الخط العربيّ» لن يَسلم منه - لو صحّ توجيهُه- أيُّ خطّ آخر حتّى لو كان الخطّ "اللاتينيّ" الذي يَتوهّم «الشعوبيُّون الجُدد» أنّه اختراع غير مسبوق، بل هو - في ظنِّهم- خطٌّ كامل غير منقوص (أمر يُكذِّبه، طبعا، تكييفه حسب كل لسان ؛ وبَلْهَ إصلاح الإملاء فيه باستمرار)! 4. كتابةُ العربيّة: من «الأبجديّة» إلى «الألفباء» يُنظَر، في الغالب، إلى الحُروف العربيّة (الثمانية والعشرين) كأنّها مجرد «نظام أبجديّ» لا يُمثِّل - تماما على غرار الأبجديّتين "الفنيقيّة" و"الآراميّة"- إلّا "الصوامت". لكنّنا نجد، ضمن الحروف العربيّة، حُروفا تُسمّى «حُروف العلّة» (ألف المدّ، واو المدّ، ياء المدّ) وعلامات صُغرى (الفتحة كألف منصوبة، الضمة كواو مُعْلاة، الكسرة كياء مَخفُوضة)، وأيضا علامات إضافيّة (الهمزة، السُّكُون/الجَزْم، الشَدّة، المَدّة). وعليه، فإنّه يجب التّمييز، في الحروف العربيّة، بين "الصوامت" بما هي أصوات أو حُروف بِنائيّة (ب، ت، ث، ج، ح، خ، د، ذ، ر، ز، س، ش، ص، ض، ط، ظ، ع، غ، ف، ق، ك، ل، م، ن، ه ؛ بالإضافة إلى الألف المهموزة، الواو المُحرَّكة، الياء المُحرَّكة) وبين «الصوائت الطويلة» (و/و، ا/ا، ي/ي/ي)، ثُمّ «الصوائت القصيرة» (الفتحة، الضمّة، الكسرة/الخفضة)، وأيضا العلامات "الإمازيّة" أو "التّمييزيّة" (الهمزة كنَبْر للألف أو الواو أو الياء، والسُّكون/الجَزْم كنَفْيٍ للحركة، والشدّة كتضعيف ل"الصّامت"، والمدّة كهمزة ممدودة). ومن ثَمّ، فإنّ نظام الكتابة في "العربيّة" يُعدّ بالفعل نظاما "ألفبائيّا" من حيث إنّه يَشتمل على علامات/حُروف تُمثِّل "الصوامت" (28 علامة/حرفا) وعلى علامات/حُروف تُمثِّل "الصوائت" (6 علامات/حروفا)، فضلا عن علامات/حُروف تُمثِّل تلوينات "الصوامت" (4 علامات/حُروف). فنظام كتابة العربيّة يَضُمّ، إذًا، ثمانية وثلاثين حرفا تكفي لتمثيل "الصوامت" و"الصوائت" (وهي 38 علامة/حرفا لا غير) ؛ ممّا يجعلُه «نظاما ألفبائيّا» مُكتمِلًا (بالتأكيد، في حُدود ما يُمكن ل«الألفباء الحَرْفيّ» أن يقوم به لتمثيل أصوات اللُّغة، أيْ بعيدا عن التوهُّم الشائع بأنّ هناك «ألفباء مثاليّا» - حتّى لو كان «الألفباء الصوتيّ»- بإمكانه تمثيل أصوات أيّ لسان بشريّ!). 5. اِعتماد «الألفباء العربيّ» وضرورةُ إصلاح الإملاء إذَا تبيَّن أنّ «الألفباء العربيّ»، بما هو نسقٌ كتابيٌّ، يَتكوّن من علاماتٍ خطيّة تُمثِّل - في آن واحد- "الصوامت" و"الصوائت" على سَواءٍ، فإنّ كونَ مُستعملي «العربيّة» قد 0عتادوا كتابتها فقط ب"الصوامت" ليس سوى طريقة في اقتصاد الجُهد كما يَسمح به عموما نظام اللُّغة. غير أنّ ما ينبغي إدراكُه هو أنّ "الصوائت" القصيرة (التي تُسمّى «علامات الشَّكْل») تُعدّ جُزءا لا يَتجزّأ من «الألفباء العربيّ»، بحيث لا يَصحّ إغفالُها أو إهمالُها لمجرد أنّ الناس أَلِفُوا عدم كتابتها تخفُّفا أو حصر استعمالها في التعليم الأوّليّ. إنّ ظُهور حقيقة أنّ «الألفباء العربيّ» يَشمل علاماتٍ لكتابة "الصوامت" و"الصوائت" معًا يُوجب 0لتزام الكتابة المعياريّة المشكولة باعتبارها كتابةً تقتضي أن تُرسَم الحروف بصورةٍ مُتقارِبة (مثلا: [ك/ك/ك]، أيْ الاستغناء نهائيّا عن [ك]!) وبفكّ الإدغام بين بعض الحروف (مثلا: ["لَا"] بدلًا من ["لا"]). وبالتالي، فإنّ الضرورة صارتْ تدعو بإلحاح إلى إصلاح «الإملاء العربيّ» بتنميط كتابةِ عدد من الكلمات التي يجب أن تُرسَم كما تُنطَق أو وَفْق اشتراكها في الصِّيغة (مثلا: ["هاذَا"/"هاكَذا"/"هاؤُلاء"]؛ ["ذاكَ"/"ذالكَ"]؛ ["لَاكِنْ"]؛ "["رِئَةٌ"/"فِئَة"/"مِئَةٌ"]؛ ["إذًا" بدلا من "إذَنْ"]؛ ["0للُّغة"/"0للِّسان/"0للَّهَاة/"0للَّذي"]؛ ["0لنَّشْأَة/المَرْأَة/0لهَيْأَة"]؛ ["قِرَاآتٌ/"إجرَاآتٌ"/إنشاآتٌ]؛ ["شَيْئًا"/جُزْئًا"/"بَدْئًا"]؛ ["العَطْشان"/"الرَّحمان"]؛ ["0لِٱسم"/"0لِٱبتداء"/"0لِٱجتماع"]، إلخ.). وأكيدٌ أنّ كثيرا من مُستعملِي "العربيّة" سيستغربون هذا الأمر أيّما 0ستغراب، ليس فقط لكونهم ألِفُوا إملاءً مُعيَّنا يَختزل "الصوائت"، وإنّما أيضا لِأنّ اللُّغويِّين العرب لم يَنتبهوا بعدُ إلى مدى أهميّة الكتابة المعياريّة المشكلولة كما ما ظلّ يَجْهَد في تأكيدها "أحمد الأخضر غزال" (رحمة اللّه عليه)[9]. والحالُ أنّه لَا سبيل إلى تجاوُز كثير من مُشكلات الكتابة العربيّة - حتّى بالنِّسبة للكبار الذين يَصعُب على مُعظهم تفادي الغلط في قراءة المكتوب غير المشكول!- إلّا على أساس التّعجيل بإصلاح إملائيٍّ يقوم بتنميط الكتابة ويُدخل نهائيّا "الصوائت" كلَّها (سواء أكانت طويلةً أمْ قصيرةً) بصفتها جُزءًا لا يَتجزّأ من «0لألفباء العربيّ» (من اللَّافت جدّا أنّ بعض التلاميذ يَكتُبون، بحِسٍّ عفويّ، بعض الألفاظ على نحو معياريّ: ["هاذَا"/هاكَذا]، ["لَاكِنْ"]!). 6. «الخط العربيّ» وآفاق العالميّة لعلّ ما يَغفُل عنه كثيرون، حتّى بين العرب، أنّ «الخط العربيّ» يَتعدّى الاستعمال المَحليّ والإقليميّ إلى استعمال عالميّ يجعلُه من بين أشدّ الحروف حُضورا وتأثيرا على المستوى البشريّ (نحو 800 مليون مُستعمل!). ذلك بأنّ «الخط العربيّ» لا يُستعمَل فقط في كتابة العربيّة في البُلدان العربيّة، وإنّما يُستعمَل لكتابة ألسنةٍ أُخرى (الفارسيّ، الأُوردو، الباشتو، الكشميريّ، السنديّ، الكُرديّ، الصوماليّ، الملاويّ، إلخ.)، كما استعملته سابقا ألسُن أخرى (مثلا: "التركيّة" و"العبريّة" و"السلافيّة" وحتّى "الإسبانيّة") استطاعت تكييفه وإغناءه (مثلا، بتوليد حروف أُخرى: [گ]، [ڤ]، [ژ]، [چ]، [پ])[10]. وبالإضافة إلى هذا، فإنّ «الخط العربيّ» استُعمل ولا يزال في الفنّ والزّخرفة (خصوصا من خلال ما صار يُعرَف عالميّا ب«الأرابيسك» [arabesque]) بالشكل الذي جعله يَكُون حاضرًا في الذّاكرة البَصريّة للنّاس عبر العالم. وإذَا أضفنا إلى ذلك كُلِّه أنّ «الخط العربيّ» مُتداوَلٌ عالميّا في أهمّ الأجهزة الإلكترونيّة (تِلْفاز، هاتف، حاسُوب، لوحات المَفاتيح) ومن خلال الاستعمال في شبكة "الأنترنت" وفي ملايين الكُتب المخطوطة والمطبوعة المُنتشرة عبر مكتبات وخِزانات العالَم، فإنّ الأمر يُصبح مُتعلِّقا بخطٍّ له من "العالَميّة" ما يَكفُل له مُضاهاةَ «الخط اللّاتينيّ» نفسه الذي يُعَدّ «الخط العربيّ»، بالمُقارَنة معه، الخطّ العالميّ الثاني الأكثر 0ستعمالا بعده [11]! غير أنّ آفاق "العالميّة" يُمكن أن تُفسَح واسعةً أمام «الخط العربيّ» إذَا أُصلِحتْ طريقةُ الكتابة به بحيث تصير كتابةً معياريّةً مُنمَّطة ومشكولة على النحو الذي يُيسِّر لا فقط مُعالَجة وتناقُل كل المُعطيَات المُتداوَلة عالميّا، بل يُقوِّي دقّةَ "مقروئيّة" النصوص ويرفع نسبة "الإنتاجيّة" على أساسها. ومن هُنا يتأكّد ذلك الجانب المُزعج في "العربيّة" التي تتجلّى بصفتها لُغةً عالميّةً حاضرةً في أهمّ المُنظمات الدُّوليّة ومُتداولةً، بهذا القدر أو ذاك، على ألسنةِ وبين أيدي نحو مليار وثمانئمة مليون نسمة من المُسلمين في كل جهات الكُرة الأرضيّة. وفوق هذا، فإنّها لُغةٌ لا يَمنعها تجذُّرها التاريخيّ من الاستمرار في التّوسُّع على الرغم من تخاذُل مُستعمليها وشدّة تآمُر أعدائها. وهكذا، فإنّ أيّ تَلكُّؤ أو 0ستخفاف يُواجه الإصلاح المنشود للإملاء العربيّ من شأنه أن يَترُك المجال لزُمرةِ المُتقوِّلين على «اللِّسان العربيّ» من الذين يَبتغونها عِوَجًا إلى الحدّ الذي تََراهُم لا يكادون يُفوِّتون سانحةً للتّهجُّم عليه وتبخيسه بما يُظهره لسانًا مَعيبًا ومُهلْهَلًا تماما كما هو حال استعماله بين أيدي كثيرين مِمّن حُرِموا، في واقع التّداوُل، أهمّ الشُّروط الموضوعيّة اللّازمة لاكتسابه وإتقانه على غرار كل الألسن الأُخرى. _____________________ [1] اُنظر: - Jean Dubois et al, Dictionnaire de linguistique, Larousse-Bordas/HER, [1 édition, 1994], 2001, réedition sous le titre: Linguistique & sciences du langage, éditions Larousse, 2007, p. 30. [2] اُنظر: - See «Alphabet», § «Arabic alphabet», in Encyclopædia Britannica («The Arabic script descended from the Aramaic through the Nabataean and the neo-Sinaitic alphabets. After the Latin script, it is the most widely used form of alphabetic writing in the modern world.»). [3] اُنظر: - Steven Roger Fischer, A History of Writing, Reaktion Books, London, 2001, p. 99. [4] أحمد الأخضر غزال، الحلول التقنية لمشاكل الكتابة العربية، معهد الدراسات والأبحاث للتعريب ونشرات الباب، 1994، ص. 9-11. [5] اُنظر: - Cf. Article «Alphabet», par Gilbert Lafforgue, § 1 «les premières écritures», in Encyclopédie Universalis, 2011; - Adrew Robinson, Writing and Script, A Very Short Introduction, chap. 1 «Writing and its emergence», Oxford University Press, 2009, p. 1-16. [6] اُنظر: - Cf. Article «Alphabet», par Gilbert Lafforgue, § 3 «Les premiers alphabets linéaires de Syrie et d'Arabie», in Encyclopédie Universalis, 2011; - See «Alphabet», § «The South Semitic alphabet», in Encyclopædia Britannica. - Majeed Khan, The Origin and Evolution of Ancient Arabian Scripts, Ministry of Education Department of Antiquities and Museums, Kingdom of Saudi Arabia, 1993. [7] اُنظر: غانم قدوري الحمد، رسم المصحف: دراسة لغوية تاريخية، [بيروت، ط 1، 1402 ه/1982م]، دار عمار-الأردن، 2001 م، الفصل الأول، ص. 17 وما بعدها. [8] اُنظر: علي سكيف، الحلقة المفقودة في سلسلة الحضارات القديمة للجزيرة العربية، دار الأوائل، دمشق، ط 1، 2002، ص. 30-53. وللكاتب نفسه: الجزيرة العربية، أهم اكتشاف للحضارات القديمة، د. ت. [9] اُنظر: أحمد الأخضر غزال، الحلول التقنية لمشاكل الكتابة العربية، مرجع سابق. [10] اُنظر: - Steven Roger Fischer, A History of Writing, op. cit, p. 90-105. [11] اُنظر: - See «Alphabet», § «Arabic alphabet», in Encyclopædia Britannica.