مقدمة .. إذا كانت اللغة " أصوات يعبر بها كل قوم عن أغراضهم " كما يقول "ابن جني " ، فإن الكتابة هي محاولة لنقل الصورة المسموعة إلى صورة مرئية لتدل على المعنى دون المرور بالشكل الصوتي . مراحل تطور الكتابة : 1. الصوري : وفيها يعبر الإنسان عن غرضه بصورة ترمز إلى ما يريد ، فإذا أراد التعبير عن أنه يصيد سمكا رسم صورة رجل بيده قصبة في رأسها شص متجه إلى بحيرة السمك . وأثار هذه المرحلة مازالت موجودة ، فنجد على سبيل المثال لافتة أحد المطاعم مرسوم عليها شوكة أو ملعقة ، وكذلك صورة المقص على لافتة محل حلاقة ، أو شعر امرأة طويل للدلالة على وجود مركز تجميل للسيدات ، وكذلك إشارات المرور . 2 الطور الرمزي : رسم صورة ترمز إلى شيء آخر مثل التعبير عن الحزن : " /// " وهي علامة تشير إلى تقطيبة الرأس . 3 الطور المقطعي : وهي رموز كتابية تنطق والعلاقة بينها وبين المعنى علاقة اعتباطية كما أشار دي سوسير . الطور اللهجائي : وهي مرحلة متطورة ظهرت بداياتها في الخط المسماري حوالي سنة 3200ق م ، وهي نفس السنة التي ظهرت فيها الأبجدية الهيروغليفية في مصر ، وقد سميت الكتابة المسمارية بهذا الاسم لأن علاماتها تشبه المسامير الأفقية والرأسية والمائلة . ظهور الكتابة العربية .. هناك عدة أراء في ذلك : 1. أن الله علم الإنسان اللغة ويتم الاستشهاد على ذلك بنصوص من القرأن والكتاب المقدس . 2. ينسب هذا الرأي لابن خلدون حيث يرى أن الخط العربي مشتق من الخط الحميرى في مملكة سبأ باليمن وكانوا أصحاب حضارة ويعرفون الكتابة ، ودليله على ذلك قوله تعالى : اذهب بكتابي هذا فألقه إليهم ثم تول عنهم فانظر ماذا يرجعون ، قالت ياأيها الملؤا إني ألقي إلي كتاب كريم ، إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم . 3. ينسب الرأي الثالث للبلاذري حيث يورد رواية مفادها أن ثلاث من طيء هم : مرامر بن مرة ، وأسلم بن سدرة ، وعامر بن جدرة ، قد تعلموا الكتابة على يد بشر بن المعتمر ثم التقوا بابن سلمة وعلموه الكتابه ، وأخيرا انتقل جميعهم بين البلاد ليعلموا الناس الكتابة .. ولكن الرواية موضوعة بسبب اشتراك الثلاث في المقطع الأخير من أسمائهم حيث نجد جدرة ومرة وسدرة ، كما يستحيل أن يدور الثلاث بالبلاد ليعلموا الناس الكتابة وكأنهم مكلفون بنشرها . 4 أن الكتابة كانت موجودة بالعراق كما كانت موجودة باليمن ومصر ، والعرب كانوا أصحاب تجارة ، وعن طريق الانتقال بين البلاد أخذوا خطوطهم منهم . فقد نقل الفينيقيون الخط المصري القديم إلى الآرامية ثم تطور الخط الآرامي إلى النبطي ومن هذا الخط ظهر الخط العربي . تطور الكتابة العربية .. لم تكن الكتابة منتشرة في شبه الجزيرة العربية بدليل أن الرسول لم يكن عارفا بالقراءة والكتابة ، فقد جاء في قوله تعالى : " هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم ". بالرغم من ذلك كانت هناك شواهد من الشعر العربي القديم تدل على معرفتهم بالكتابة ، فقد جاء في شعرهم مفردات من مثل الدواة والقلم والكتب ، إلا أن الكتابة في ذاك الوقت كانت مقتصرة على كتابة العهود والمواثيق والصكوك ، ولكن الحروف العربية كانت متشابهة أي غير منقوطة ، كما أن ترتيب الحروف كان ترتيبا أبجديا ؛ اي : " أ ب ج د ه و ز " ، ويجمعها العرب في قولهم : " أبجد هوز حطي كلمن سعفشقرصت ...... " ، كما أن حروف المد لم تكن موجودة وهو ما وجده الباحثون في رسائل الرسول إلى ملوك البلاد والأمصار . بعد وفاة الرسول واتساع الرقعة الإسلامية من خلال الغزوات والفتوحات ؛ اختلط اللسان العربي باللسان الأجنبي فظهرت القراءات الخاطئة ، من ذلك قراءة " تثبتوا " بدلا من " تبينوا " في قوله تعالى : " ان جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا " ، وكذلك وضع ا لفاعل محل المفعول ، مثلما جاء في قوله تعالى : إنما يخشى - اللًهُ بدلا من- اللهَ من عباده- العلماءَ بدلا من- العلماءُ مما اضطر علماء المسلمين إلى الاهتمام بضبط اللغة ووضع قواعد ومعايير للنطق الصحيح . وتذكر المصادر العربية أن زياد طلب من أبي الأسود الدؤلي أن يصنع طريقة لإصلاح الألسن فجاء أبو الأسود بكاتب وقال له : إذا رأيتني فتحت فمي بالحرف فضع نقطة فوقه وإذا رأيتني كسرت فمي بالحرف فضع نقطة أسفله ، وإذا رأيتني أضمه ضع نقطة بين يدي الحرف ، وان اتبعت الحركات غنة فانقط نقطتين . وقد قام أبو الأسود بمراجعة الكاتب بعد ذلك . ويعود الإعجام إلى زمن عبد الملك بن مروان ، حيث طلب الحجاج من نصر بن عاصم الليثي ويحي بن يعمر العدواني – تلميذي أبي الأسود الدؤلى- حل هذه الإشكالية ، وكانت عامة المسلمين تكره أن يزيد أحدا شيئا على ما فى مصحف عثمان ، وبعد البحث قرر يحي ونصر أن توضع النقط أفراداوأزواجا لتمييز الأحرف المتشابهة ، مثلا تمييز ال (د) عن ال (ذ) بإهمال الأولى وإعجام الثانية بنقطة علوية كما نجد بين القوسين ، وكذلك ال (ر) وال (ز) ، وال(ص) وال(ض) ، وجعلا تمييز السين عن الشين بإهمال الأولى وإعجام الثانية بثلاث نقط لأن لها ثلاث أسنان ، كما تم إعجام كلا من الباء والتاء والثاء والنون والياء ، أما الجيم والحاء والخاء فقد تم إهمال واحدة وإعجام الأخريان واحدة من تحت والأخرى من فوق ، أما الفاء والقاف فكان القياس إهمال أحدهما وإعجام الثانية بنقطة ولكن المشارقة ذهبت إلى إعجام الفاء بنقطة من أعلى وإعجام الثانية بنقطتين من أعلى أيضا ، أما المغاربة فذهبت إلى إعجام الفاء بواحده من أسفل وإعجام القاف بنقطة من أعلى . ومن ثم تم تعديل الحروف من الأبجدية القديمة (أب ج د ه .......) إلى الترتيب الألفبائي (أ ب ت ث ج ح خ .....) وظهرت مشكلة جديدة وهي أن الضبط كان بالنقط أما الإعجام فكان بالمداد ، أى بالحبر ، ومازالت بعض الأثار على هذه الطريقة موجودة ولكنها كانت ذات معاناه لمن يقرأ ، ومن هنا يقوم الخليل بن أحمد واضع علم العاروض ومؤلف كتاب معجم العين بحل هذه الإشكالية .. حيث أبدل نقطة الفتحة بألف مد ووضعها بشكل مائل فوق الحرف ، والكسره ياء صغيرة تحت الحرف والضمة واو صغيرة فوق الحرف، و وضع فوق الحرف الساكن خاء صغيرة تشير إلى أن الحرف خالي من الحركة تتطورت فيما بعد إلى دائرة صغيرة ، كما رسم شين صغيرة للتعبير عن ما نسميه الشدة أو الحرف المدغم ، وهناك حروف لا تنطق مثل ألف الوصل فهو حرف صامت ولذلك يوضع حرف صاد صغيرة فوقه ، كما وضع للهمزة شكل " ع " لقرب الهمزة من العين فى المخرج الصوتى . ومن هنا تم ضبط المصحف ضبطا كاملا خاصة مع إدخال علامات الوقف والوصل . ولكن هل يعني ذلك أن تطور اللغة العربية ووصولها على ما هي عليه الأن من نقط وإعجام وقواعد تركيب مرتبطة بالقرأن الكريم ، أم أن هذا التطور كان حادثا لا محالة وعليه فإن عنصر القرأن لم يكن سوى عامل مساعد لهذا التطور ؟ !!