إن البعض يربط تخلف الأمة تكنولوجيا بأداة تعبيرها أي باللغة الرسمية للبلاد حيث يرون أن هذا اللسان متخلف و لا يصلح لمسايرة التطور العلمي و التكنولوجي و بالتالي يستحيل جعله لغة علمية التواصل المطلوب، لذا ، حسب اعتقادهم، لا بد من التخلي عن أداة تعبيرنا التقليدية و اللجوء إلى "اللغات المتطورة". و لا أدري هل هذا الموقف غير العلمي ناتج عن جهل أم هو استراتيجية محكمة الدراسة هدفها فتنة الأمة و إضعاف جهاز الدولة و جعل البلاد لقمة سهلة المنال للمتربصين بها ؟ و مهما تكون الأسباب و الدوافع فإن هذه النظرة لعلاقة اللغة بتطور المجتمع تبقى مخالفة للمنطق العلمي الذي يقر ارتباط تطور اللغة بتطور مجتمعها و ليس العكس. و تخلفها إن صح التعبير، إنما هو مرآة تعكس تخلف المجتمع و لا تبرره. و لنا العبرة في البلاد الإفريقية التي في معظمها جعلت من لغة المستعمر، لظروف إثنية، لسانها الرسمي و مع ذلك ما عرفت طريقها للخروج من دوامة التخلف و كذلك حال جل بلدان أمريكا الجنوبية. إن تأخر الأمم لا علاقة له باللغة و إنما هو راجع لأسباب منها ما هو موضوعي [ ظروف تاريخية معينة] و منها ما هو ذاتي [ العقلية]. و إذا كانت الظروف الموضوعية المرتبطة بحقبة تاريخية معينة مرت بها البلاد مفهومة لغالبية أمتنا فإن الأسباب الذاتية المرتبطة بعقليتنا باتت عصيبة عصيبة الفهم و المنال لكوننا قوم نسعى لتطويع العلم و نرفض بعند مطاوعته لاعتقادنا أننا نملك الحقيقة المطلقة مما يجعلنا ننظر للعالم من حولنا من زاوية ضيقة تحد من أفق فكرنا و تقيد بحثنا العلمي. إن العلم يرفض القيود و يأبى الإطار الضيق و يستلزم الشك و السؤال و التسليم بنتائج البحث و الدراسة فالعلم ريح لا تأتي بما تشتهيه النفوس. "" ختاما أريد أن أذكّر هؤلاء البعض بأن اللغة أداة تعبير أي أنها مرآة تعكس فكرنا و درجة تطوره و نموه و قد عرفها منذ القدم فقهاؤها على هذا النحو فنرى أبا الفتح ابن جني يقول فيها [الخصائص] : حد اللغة أصوات يعبر بها كل قوم عن أغراضهم. و كذلك جاء تعريف ابن الحاجب لها [المختصر] : حد اللغة كل لفظ وضع لمعنى. كما قال فيها ابن خلدون [ المقدمة ، الجزء الأول] : إعلم أن اللغة في المتعارف هي عبارة المتكلم عن مقصوده. و اليوم لم يذهب المختصون في علم اللغة بعيدا عن هذا التعريف و اجتمعوا، على خلاف مدارسهم، على أن اللغة نسق رموز يعبر به الإنسان عن فكره. فهل سنعرف صحوة علمية أم أننا سنكتفي بالصحوة القومية فقط ؟