بقلم: حمزة البحري من الصفاء الحالة الصافية الطاهرة النقية التي كان عليها الأصحاب والأتباع للحَبيب المُصطفى صلى الله عليه وسلم، فلم يكونوا بحاجة لإسم خاص ولا لتسمية لأنهم كانوا جميعاً على تلك الشاكلة من الصفاء والنقاء والأخوة الإيمانية، فالصفاء هو جوهر الدين، وحقيقة اليقين، فلا حياة بدون مبادىء ومُثُلٍ بغير عمل، إن لم تُترجم المبادئ والمُثُلُ إلى أعمال فهي إلى زوال، لكن الذي يكتب لها البقاء والخلود في عالم الدنيا والإرتقاء هو التطبيق الفعلي على نهج المرسلين والأنبياء. وقد أفضت المدنية إلى تبدل الأخلاق بتبدل أحوال الحياة، فمن كان تقيا على الفقر والإملاق وحرمه الإعسار فنون اللذة، ثم أيسر من بعد، ثبتت أخلاقه وأتقن بناء نفسه، ووهب نفسه للمجتمع خدمته وحراسته، ونعلم أن تغير مادة العظم واللحم والدم في الإنسان هي ثابتة مقدرة عليه من الوجود، ولكن صفاءه لزم أن يكون ثابتا اتجاه نفسه والخلق اللذين حوله. فلا عبرة بمظهر الخياة في الفرد، إذ الفرد مقيد في ذات نفسه بمجموع هو للمجموع وليس وحده، فالصفاء على أنه في الأفراد، ففي حقيقته هو للجموع والمجموع حكم المجتمع على الفرد وحكم الفرد على المجتمع فقوامه (الصفاء) بالاعتبار الاجتماعي لا غير. وحين يقع الفساد في المجمع عليه من الآداب، ويلتوي ما كان مستقيما، وتشتبع النفس العالية والسافلة، وتطرح اللامبالاة في التعامل بين الأفراد، انكسرت أعمالهم وتصدع قوامهم كأنهم يتنقلون من عالم الى عالم بغير أساس. والقلوب التي تربت على يد الله مواطن سُقِيت معاني الرحمة، حتى إذا وقف أمامها معتذر أو معترف بذنبه، لا تردّه وإن عظمت زلته، والاعتذار مدارج، فمنه ما أفصح عنه اللسان و قَوِيَ على قوله، ومنه من اكتفى التلميح الفطن بأن يجسده، ومنه ما هو قلبي تبعثه إشارات الفؤاد وتلتقطها العين، ومنه من تراه في الصمت الحيِيّ والابتسامة الخجولة فيستسلم له كبرياؤك وإن ظننته لا يُهزَم، وكل هذا إلا صفاء قلب و روح، صفاء يملأ وعاء الفضيلة وعطاء الخير.