الخبر الذى لفت نظرى فى صحف أمس الأول، أكثر من أى خبر آخر فى تغطية العمليات الإرهابية التى تحاول تعويق خارطة ثورة 30 يونيو لإنقاذ مصر من مصير بلاد عديدة مجاورة، كان قرار وزير التربية والتعليم بمنع 22 معلمة من معلمات مدارس الأطفال من التدريس، لأنهن احتفلن بتفجير مديرية الأمن فى المنصورة. لم يوضح الخبر كيفية احتفالهن بمصرع وإصابة نحو مائة وخمسين شرطياً ومدنياً وتصدع أكثر من ألف عقار، هل قمن بتوزيع الحلوى أم زغردن أم ماذا؟ وليس هذا المهم بل ليس السؤال: ماذا يعلمن الأطفال؟ ويمكن إدراك ذلك بسهولة، وإنما السؤال: كيف وصلت المأساة المصرية إلى هذه الدرجة؟! عندما أستقل تاكسياً ويسألنى السائق عن علاقة الدين بالسياسة أقول له هل موتور السيارة له دين فيرد لا، وهل تختلف قيادة السيارة عند اليهودى عن قيادتها عند المسيحى أو البوذى، فيرد لا، فأقول له الدولة هى موتور لتسيير الحياة فى أى مجتمع أو قيادته، فإما أن تكون القيادة صحيحة فتصل السيارة إلى المكان الذى تقصده أو خاطئة، فلا تصل أو تؤدى إلى حادث وبعض السائقين كان يستطرد: ولكن من دون دين يمكننى أن أخدعك فى الحساب، فأرد عليه: هذه مسألة ضمير لا يعلمها سوى الله سبحانه وتعالى، وهو الذى يحاسبك عليها وحده. والدولة الناجحة ليست الدولة التى تنجح فى تسيير وقيادة الحياة اليوم، وإنما التى تعرف أيضاً كيف ستكون الحياة فى الغد، وفى المستقبل القريب والمستقبل البعيد، ومن دون ذلك تكون دولة فاشلة وال22 معلمة من الجلادين الذين يجلدون مصر اليوم، ولكنهم فى الوقت نفسه من ضحايا الدولة الفاشلة التى تقود الحياة فى مصر منذ عقود، ومن هنا نستخدم تعبير المأساة المصرية، أى الدولة التى تفكر فى اليوم فقط، والقادة الذين يبحثون عن التصفيق لقراراتهم اليوم فقط، وليس من المهم كيف سيكون الغد. لم تتعلم الدولة المصرية من اغتيال السادات عام 1981 باسم الإسلام السياسى واقتحام مديرية أمن أسيوط وقتل أكثر من مائة ضابط وجندى فى الأسبوع نفسه، وإنما اكتفت بالقبض على المجرمين ومحاكمتهم، ولم تتعلم من ذبح أكثر من خمسين سائحاً فى الأقصر عام 1997، وهى المذبحة التى وصفها نجيب محفوظ بأنها تعادل الهزيمة فى 5 يونيو، لم تدرك كيف تحول دون تكرار الجريمة بعد عشرين سنة، تركت من يربط الدين بالسياسة والدولة يزرع ما يريد لتحصد مصر ثمار ما زرعه اليوم.