هيئة المعلومات المالية تحقق في شبهات تبييض أموال بعقارات شمال المغرب    المغرب يخطط لإطلاق منتجات غذائية مبتكرة تحتوي على مستخلصات القنب الهندي: الشوكولاتة والدقيق والقهوة قريبًا في الأسواق    تشييع جثمان الفنان محمد الخلفي بمقبرة الشهداء بالدار البيضاء    فريق الجيش يفوز على حسنية أكادير    شرطة بني مكادة توقف مروج مخدرات بحوزته 308 أقراص مهلوسة وكوكايين    حفيظ عبد الصادق: لاعبو الرجاء غاضبين بسبب سوء النتائج – فيديو-    دياز يساهم في تخطي الريال لإشبيلية    المغرب يحقق قفزة نوعية في تصنيف جودة الطرق.. ويرتقي للمرتبة 16 عالميًا    مقتل تسعة أشخاص في حادث تحطّم طائرة جنوب البرازيل    المغرب يوجه رسالة حاسمة لأطرف ليبية موالية للعالم الآخر.. موقفنا صارم ضد المشاريع الإقليمية المشبوهة    فرنسا تسحب التمور الجزائرية من أسواقها بسبب احتوائها على مواد كيميائية مسرطنة    وزارة الثقافة والتواصل والشباب تكشف عن حصيلة المعرض الدولي لكتاب الطفل    فاس.. تتويج الفيلم القصير "الأيام الرمادية" بالجائزة الكبرى لمهرجان أيام فاس للتواصل السينمائي    التقدم والاشتراكية يطالب الحكومة بالكشف عن مَبالغُ الدعم المباشر لتفادي انتظاراتٍ تنتهي بخيْباتِ الأمل    مسلمون ومسيحيون ويهود يلتئمون بالدر البيضاء للاحتفاء بقيم السلام والتعايش المشترك    الرجاء يطوي صفحة سابينتو والعامري يقفز من سفينة المغرب التطواني    العداء سفيان ‬البقالي ينافس في إسبانيا    جلالة الملك يستقبل الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني    بلينكن يشيد أمام مجلس الأمن بالشراكة مع المغرب في مجال الذكاء الاصطناعي    وقفة أمام البرلمان تحذر من تغلغل الصهاينة في المنظومة الصحية وتطالب بإسقاط التطبيع    الولايات المتحدة تعزز شراكتها العسكرية مع المغرب في صفقة بقيمة 170 مليون دولار!    الجزائر تسعى إلى عرقلة المصالحة الليبية بعد نجاح مشاورات بوزنيقة    انخفاض طفيف في أسعار الغازوال واستقرار البنزين بالمغرب    رسالة تهنئة من الملك محمد السادس إلى رئيس المجلس الرئاسي الليبي بمناسبة يوم الاستقلال: تأكيد على عمق العلاقات الأخوية بين المغرب وليبيا    مباراة نهضة الزمامرة والوداد بدون حضور جماهيري    رحيل الفنان محمد الخلفي بعد حياة فنية حافلة بالعطاء والغبن    لقاء مع القاص محمد اكويندي بكلية الآداب بن مسيك    لقاء بطنجة يستضيف الكاتب والناقد المسرحي رضوان احدادو    بسبب فيروسات خطيرة.. السلطات الروسية تمنع دخول شحنة طماطم مغربية    غزة تباد: استشهاد 45259 فلسطينيا في حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة منذ 7 أكتوبر 2023    مقاييس الأمطار المسجلة بالمغرب خلال ال24 ساعة الماضية    ندوة علمية بالرباط تناقش حلولا مبتكرة للتكيف مع التغيرات المناخية بمشاركة خبراء دوليين    الرباط.. مؤتمر الأممية الاشتراكية يناقش موضوع التغيرات المناخية وخطورتها على البشرية    البنك الدولي يولي اهتماما بالغا للقطاع الفلاحي بالمغرب    ألمانيا: دوافع منفذ عملية الدهس بمدينة ماجدبورغ لازالت ضبابية.    بنعبد الله: نرفض أي مساومة أو تهاون في الدفاع عن وحدة المغرب الترابية    تفاصيل المؤتمر الوطني السادس للعصبة المغربية للتربية الأساسية ومحاربة الأمية    أكادير: لقاء تحسيسي حول ترشيد استهلاك المياه لفائدة التلاميذ    استمرار الاجواء الباردة بمنطقة الريف    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة    حملة توقف 40 شخصا بجهة الشرق    "اليونيسكو" تستفسر عن تأخر مشروع "جاهزية التسونامي" في الجديدة    ندوة تسائل تطورات واتجاهات الرواية والنقد الأدبي المعاصر    استيراد اللحوم الحمراء سبب زيارة وفد الاتحاد العام للمقاولات والمهن لإسبانيا    ارتفاع حصيلة ضحايا الحرب في قطاع غزة إلى 45259 قتيلا    القافلة الوطنية رياضة بدون منشطات تحط الرحال بسيدي قاسم    سمية زيوزيو جميلة عارضات الأزياء تشارك ببلجيكا في تنظيم أكبر الحفلات وفي حفل كعارضة أزياء    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    وفاة الممثل محمد الخلفي عن 87 عاما    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    المديرية العامة للضرائب تنشر مذكرة تلخيصية بشأن التدابير الجبائية لقانون المالية 2025    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    "بوحمرون" يخطف طفلة جديدة بشفشاون    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحدود بين حرية التعبير والإساءة للآخرين
نشر في الوجدية يوم 24 - 04 - 2011


- حرية التعبير والرأي في ديننا
- الإسلام يقبل التعددية ويرفض التعصب والعنصرية
- الآخرون والصليبية الجديدة
- الكاريكاتور الدانماركي القبيح
- البابا يأسف ولا يعتذر
- هذا هو صراع الحضارات والأديان وليس تكاملها
- ضرورة إنشاء مركز دولي لحوار الأديان والحضارات
حرية التعبير والرأي في ديننا
وقد ضمن الإسلام لمعتنقيه، التفكير المستقل في جميع شؤون حياتهم، وما يقع تحت إدراكهم من ظواهر، والتعبير عن ذلك بما يهديهم إليه فهمهم بمختلف وسائل التعبير.
ولذلك أقر الإسلام هذا الحق في أوسع نطاق، وأعطى كل فرد حقه في إبداء رأيه، والتعبير عن إرادته بما يراه والجهر بذلك دون خوف أو عقاب، وهو ما جعل هذه الحرية مكفولة طول تاريخ الإسلام وفي أوسع حدود، وقد كانت مجالا خصبا أنتج تراثا إسلاميا ضخما رائعا، مما يفتخر به تاريخ الفكر الإسلامي وتاريخ المسلمين، منذ عهد الرسول صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين، وفي أغلب العهود الإسلامية، وظل هذا الحق مقدسا، محترما، مصونا، حتى كان الناس يتناقشون مع الخليفة نفسه، وينصحونه إن ظهر في وقوله أو فعله ما يخالف الدين ومايرونه، وهذه قصة المرأة مع عمر عندما نهى عن التغالي في المهور، مثل حي على قدسية هذا الحق، ورجوع عمر إلى الصواب عندما ردته قائلا: «أصابت امرأة واخطأ عمر» وكما كان الشأن دائما على عهد عمر بن عبد العزيز، حينما يتناقش الناس في مجلسه في أمور الدين والدنيا، ويبدون آراءهم بكل حرية وصراحة وصدق.
وفي هذا الباب يفتخر الإسلام، بإباحة مبدإ الإجتهاد الذي يعتبر مظهرا حيا للأمة الإسلامية، وباعثا على تجددها وتطورها، وهو حق كل قادر أن يجتهد ويستنبط الأحكام من أصولها وأدلتها، ويعمل بما يراه، ويجهر بما انتهى إليه، حيث أقر الإسلام احترام رأي المجتهد ولو كان مخطئا، وضمن له الأجر على اجتهاده، «إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر» (1).
ومن هنا نجد الإسلام أقر الحرية العلمية في أوسع نطاق، ولم يعارض أية نظرية علمية معينة بصدد أية ظاهرة من ظواهر الكون، وتاح للعقول والأفكار حرية التفكير والتعبير، وحثهم على استعمال عقولهم وأبصارهم، ومداومة النظر والفكر، فيما يحيط بهم من مخلوقات الله وعوالمه.
وفي هذا المجال أيضا يتميز الإسلام بأنه لم يعتبر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حقا فحسب، بل فرضا وواجبا على كل مسلم، وهو مالم يعرفه دين آخر غير الإسلام.
وقد رسم الرسول الكريم حدود هذه الحرية، وأحاطها بسياج من الحيطة والاحترام، حتى لايخرج الناس بها عن مقاصدها وأغراضها، التي توخى الإسلام من إقرارها لتكون خيرا للناس وليست نقمة وشرا عليهم، فلننظر الى القول النبوي الكريم في هذا الباب «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت» (2).
وكأن هذا القول بالذات موجه إلى الشعراء المبالغين وإلى الصحافيين المتحاملين، أن يتقوا الله في أعراض الناس وشؤونهم، وفيما يكتبون وما يروجون.
ذلك أن المهم في الحرية ليس وجودها، بل استخدامها، فهي لاتوجد إلا عند ممارستها وتطبيقها، وهو ما ينبغي لنا أن نفعله بجعل الحياة الإنسانية تزدهر بالتأييد الصادق للصواب، والدحض الشجاع للخطأ.
لذلك كانت حرية الفكر في الإسلام ليست مطلقة، بل في حدود أصوله وأحكامه، وقد أوجب على المسلمين أن يأمروا الناس بالخير ويساعدوهم عليه، وينهوهم عن المنكر ويمنعوهم عنه، ولم يبح لهم فقط الاعتراض على الشر بل أوجب عليهم منعه وإزالته.
«والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر»(3). وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان»(4).
وقد اعتبر الإسلام التزام الصمت، والموقف السلبي من الشر والمنكر، وعدم محاولة كفه ومنعه، اعتبره ذنبا عظيما في حق المجتمع الإسلامي، الذي أوجب الله على كل المسلمين تطهيره وحمايته.
لذلك ذكر القرآن أن سبب انحطاط بني إسرائيل وتأخرهم هو عدم تناهيهم عن المنكر.
«كانوا لايتناهون عن منكر فعلوه لبئس ماكانوا يفعلون»(5).
الإسلام يقبل التعددية ويرفض التعصب والعنصرية
وكان قبول التعددية في ديننا أساس المجتمع الإسلامي واستمرار الأمر على ذلك حتى اليوم لايعرض الإضطهاد الديني إذ كان تعدد الأديان واقعا معيشا كما أكد ذلك القرآن الكريم «ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة»(6) وقوله (ولايزالون مختلفين) مما جعل حرية اختيار الدين مكفولة للناس جميعا، وآية ذلك أن الأقليات غير الإسلامية لاتزال تتمتع بكافة حقوقها الدينية كممارسة شعائرها وعبادتها في جو من الحرية والتسامح وكما أكد المبدأ الكريم في القرآن (لا إكراه في الدين)(7).
وأكثر من ذلك وهو من سماحة الإسلام أنه ينظر إلى أهل الكتاب نظرة خاصة وهو عدم نهيه عن البر والعدل لمن يخالفون المسلمين في الدين قال تعالى:
«لاينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين»(8).
وذلك هو ما جعل الاختلاف والتعددية أمرا طبيعيا في البشر لأنهم خلقوا مستعدين له، ومجبولين عليه، كما عبر عن ذلك كتاب الله: (ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ولكن الله ذو فضل على العالمين)(9).
ذلك لأن الاختلاف والتعدد حافز على التنافس والتسابق، ودافع للتنوع وذلك ما شجع على قيام فقه الاختلاف في المجتمع الإسلامي، وجعله ضرورة شرعية، ومن هنا لم يعرف المجتمع الإسلامي لاعنصرية ولاتعصبا للقاعدة الإسلامية (إن أكرمكم عند الله أتقاكم»(10). كما أن ديار المسلمين لم تعرف الفاشية أو النازية.
الآخرون والصليبية الجديدة
يتشدق الغرب دائما بأنه يؤمن بالحريات ولا يعترف بأي حدود لها ويتهم الإسلام بأنه يضع قيودا لكل شيء بدءا من أمور العقيدة الدينية إلى الحرية الشخصية للأفراد وحرية المجتمع، فهل حرية الغرب لاحدود لها؟ أم أن الإسلام لايقر بأن هناك حرية مطلقة؟ وهو ما دعانا إلى الإلمام ببعض مبادئ حرية العقيدة، والرأي والتعبير في ديننا ومداها، وتركيزنا على أنه لايوجد نص يقيد حرية الاعتقاد الديني بل تاريخ المسلمين حافل بالحقائق والوقائع التي تؤكد احترام المسلمين للتعددية الدينية.
غير أن الذي نلاحظ بقوة وخاصة في الأيام الأخيرة هو اتهامات المسؤولين الغربيين لديننا بالباطل وتحامل رؤسائهم ومنظماتهم على تاريخنا وعقديتنا ومبادئنا وفي مقدمة ذلك ما جاء في مذكرة الرئيس نيكسون التي كتبها في العقد الأخير من القرن الماضي وتحامله بقوله في صراحة بعد سقوط الاتحاد السوفياتي:
«لم يبق لنا بعد سقوط الاتحاد السوفياتي من عدو إلا المسلمون» (11)
ثم جاء تعريض الرئيس الأمريكي بالمسلمين بعد أحداث شتنبر 2003 وإلحاق تهمة الإرهاب بهم، وذكر بعودة الحروب الصليبية من جديد، وإن كان اعتذر بعد ذلك بقوله: «إنها زلة لسان» (12) وماهي بزلة لسان بدليل تماديه واستمراره في اتهام المسلمين وتحامله عليهم.
ثم جاءت بعد ذلك الصور الكاريكاتورية الدانماركية القبيحة وما أحدثته من ضجة في العالم الإسلامي، ثم ما تلا ذلك من محاضرة البابا في ألمانيا وتصريحاته المثيرة فيها حول الإسلام.
الكاريكاتور الدانماركي القبيح
لعل من أخطر التحديات الشرسة التي يواجهها عالمنا الإسلامي، هو هذه الحملة الخطيرة التي نواجهها من الغرب الموجهة لمقدساتنا وديننا وحرماتنا، والتي تؤكد أن حوار الحضارات المزعوم ليس إلا تقاتل الحضارات الذي كان موسوما بالحروب الصليبية الموجهة ضد العالم الإسلامي، والتي أخذت اليوم صورا أشد، عنفا، وأكثر اعتداء، والتي بدأت بالحرب الظالمة في أفغانستان، والهجوم البئيس على العراق وجعله ساحة حرب وتقتيل واعتداء على حقوق الإنسان، وهذا التقتيل المتعمد لإخواننا الفلسطينيين وتهديم دورهم وممتلكاتهم، والاعتداء على حرماتهم والعبث بأمنهم.
ثم ظهرت بشاعة الصليبية الجديدة في الرسوم الكاريكاتورية الدانمراكية الفاضحة وما تلاها من رسوم أخرى وهجوم كاسح على ديننا ومقدساتنا، ثم تلا ذلك محاضرة البابا الجديد وهجومه على الإسلام، وإحياؤه للصليبية القديمة عن طريق نقل خطاب أوتصريح للبابا منذ قرون، وتهجمه الوقح على مقدساتنا، وعندما ووجه بثورة العالم الإسلامي ضده وضد صليبيته لم يجد الشجاعة من نفسه ليعتذر للمسلمين، بل أبدى أسفه على أن المسلمين لم يفهموه، مما جعل العذر أكبر من الزلة كما يقول المثل، وبقي على جهله وخطئه بمبادئ ديننا ومقوماتنا، وقد اندهشنا وتعجبنا من حضور السفراء المسلمين في مؤتمره الصحافي الذي أعلن فيه أسفه كما جاء في محاضرته المكشوفة.
البابا يأسف ولا يعتذر
بالرغم من الإساءة البالغة للمسلمين التي تسببت فيها الرسوم الكاريكاتورية في الدانمارك، ورسومهم الكارتونية التي تضمنت إساءة للرسول الكريم صلى الله عليه وسلم والتي تناقلتها أكثر من صحيفة أوربية أخرى تضامنا مع الدانمارك في مواجهة ردود الفعل الغاضبة في العالمين العربي والاسلامي، وقد وصل التضامن مع الدانمارك إلى إقدام وزير في الحكومة الإيطالية السابقة على ارتداء قميص عليه الرسوم المسيئة.
وقد رد المسلمون على هذه الإساءة بمظاهرات صاخبة وأعمال تدمير وعنف غاضبة شملت أغلب الدول العربية والإسلامية، كما قاطعوا المنتجات الدانماركية مما أضر بشركاتها واقتصادها إلى درجة أن ركعت، الشركات والصحف واعتذرت على صفحات كاملة وبكامل المذلة.
ولم تكد تهدأ العاصفة حتى طلع علينا البابا بيندكت بمحاضرة في ألمانيا جاءت حلقة جديدة من حلقات الصليبية الجديدة والتي أكد فيها جملة من الأفكار تقول: ان الاسلام دين عنف، وإنه انتشر بحد السيف، وأن هناك مجافاة بينه وبين العقل، إلى غير ذلك من الأفكار المغلوطة والمقلوبة التي ذكرها البابا والتي تؤكد جهله أو تجاهله لمبادئ الإسلام وأصوله وقيمه إلى حد الضحالة والسفالة الظاهرة، وليت شعري أما كان الأجدى برجل في مقام البابا أن يتمثل ويستشهد بمآت من أقوال مفكري العالم وقادته وعلمائه في رسولنا الكريم من أمثال الفيلسوف برنادشو الذي أكد أنه لو بعث الرسول الكريم في هذا الوقت التي اشتدت فيه الصراعات لإستطلاع وحده حلها وعاش الناس في سلام، وكشهادة العالم الأمريكي المعاصر ميكايل هارت الذي جعل رسولنا الكريم على رأس المائة المختارة من عظماء العالم وقادته، والذي اعتبره أعظم نبي ومصلح في تاريخ البشرية إلى غير ذلك من مفكري العالم وعلمائه وشعرائه أمثال كارليل وبوكاي وسواهما كثير.
إنه كان الأجدى لو كانت نية سليمة وصادقة أن يستشهد بقول من أقوال هؤلاء المفكرين الكبار، ويكون قوله وشهادته رافدا من روافد تكامل الحضارات ووحدة الأديان،. بدلا من نقل شهادة خاطئة وقول مجانب للصواب، ويزيد الطين بلة ويكشف عن الوجه القبيح للصليبية الجديدة ضد الإسلام والمسلمين.
وبدلا من أن يعتذر عقب احتجاجات المسلمين ومظاهراتهم الصاخبة عما صدر عنه وعن سوء اختياره وتحامله، يظهر جهله الواضح بقيم الإسلام وأصوله ومبادئه، فضل إبداء أسفه بأن المسلمين لم يفهموه في صفاقة وبجاحة، مما يؤكد أن العالم الإسلامي يواجه هجمة شرسة تصف الإسلام بما ليس فيه وتسيء لمقدسات المسلمين ومعتقداتهم، إن اتهام المخالفين في الرأي ليس حرية.
هذا هو صراع الحضارات والأديان وليس تكاملها
من هنا يظهر أن ما يتشدق به الغرب ويدعيه من ديمقراطية وإنصاف وسعيه لحوار الحضارات وتكاملها انما هو ادعاء وتبجح، وأن نيته مبيتة في الكيد للإسلام والمسلمين واستغلاله لثرواتهم، وسعيه الحثيث لتشكيكهم في عقائدهم وتفرق صفوفهم، يؤكد ذلك حروب الغرب في افغانستان وفي العراق وفلسطين ولبنان وبشاعة أعمال إسرائيل وتقتيلهم لاخواننا في لبنان وفلسطين دون تورع أو اعتبار، وتحدي قرارات هيئة الامم المتحدة وتجاهلها في صفاقة. هذا مع العلم أن ديننا الإسلامي جاء مصدقا شرائع أهل الكتاب، مبرهنا على أن الأديان تنبع من أصل واحد، وتلتقي حول وحدانية الله في القيم المشتركة للإنسانية وأن الإسلام أعلى قيمة العقل والمنطق، ودعا للتدبر والتفكر، وخاطب في الناس فطرتهم، وحاور القلوب والعقول بسماحة عالية وبالأسوة الحسنة.
كما نهى عن التعصب والعنصرية، ولم تنشأ على أرضه لانازية ولا فاشية وحمل دعاته وعلماؤه مشعل الإيمان والحضارة والحرية لأنحاء المعمور، وأثروا الحضارة الإنسانية بمعارفهم ونظرياتهم وأفكارهم الخلاقة.
ان السلمين مستعدون للقتال دون هويتهم الإسلامية وكيانهم الحضاري والدفاع عن أنفسهم وأرضهم ومقدساتهم بكل غال ونفيس، ولا تستطيع أي قوة الوقوف دون ذلك مهما بلغت، مؤكدين أن ربط الإسلام بالإرهاب هو زور وبهتان، وإننا نتطلع إلى علاقات إنسانية دولية تقوم على الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة، لا تفرط في هويتها، تدافع عن قضاياها ومواقفها وتنشد الخير للجميع، في عالم أكثر عدلا وسلاما واستقرارا كما أرسى ديننا الإسلامي ذلك منذ أربعة عشر قرنا، ونهى عن ترويع الآمنين وإفساد المفسدين، مؤكدين دور الأديان الأساسي في بناء الحضارة البشرية وازدهارها وتفوقها لما فيه خير الإنسانية جميعا.
ضرورة إنشاء مركز دولي لحوار الأديان والحضارات
وأحب أن أؤكد هنا بأنه اذا لم ينصف الفلسطينيون وتحل قضيتهم ومشكلتهم التي صنعها الغرب بزرع جسم غريب داخل وطنهم، بينما هم حرموا منه وأصبحوا لاجئيين موزعين في أنحاء العالم، وإذا لم ينته الانحياز إلى اسرائيل من طرف الغرب وفي مقدمته امريكا فلا حوار للحضارات ولاحل للحرب المستمرة ضد الفلسطينين وغيرهم في شتى أنحاء العالم.
ولذلك أبادر إلى الدعوة الى قيام مركز دولي لحوار الأديان والحضارات حتى نقضي على زرع الفتنة والتفرقة في أنحاء العالم الإسلامي من طرف الغرب، ويعود الفلسطنيون الى وطنهم الأصلي، ويعم الاستقرار والأمن ربوع الشرق الأوسط، ويعود اتباع الديانات السماوية الثلاث إلى الحوار الجاد والمفيد لخيرهم ولدولهم ولخير الإنسانية كلها، حتى تنتهي دواعي الصراع القائمة في العالمين الإسلامي والغربي خاصة وأن الإرهاب والعنف موجودان لدى فئة قليلة من جميع أهل الأديان، كما أن ما يحدث في عالمنا الاسلامي يعود الى الظلم والاستبداد والاحتلال وأنه إذا أردنا السلام العادل والتعايش الدائم فلا بد أن تغير الدول الكبرى سلوكها نحو المسلمين وفي مقدمتهم فلسطين، ولا بد من أن يُبْنَ الحوار بين الحضارات على أساس الاحترام المتبادل والتفاهم المشترك خاصة وأن الإسلام يشجع على التعاون والتعارف والوئام، وعلى البر والعدل مع الإنسانية جمعاء، والسماحة والرحمة، واحترام العهود والمواثيق، فهذا من شأنه كله أن يقرب بين الحضارات والديانات باعتبار أنها مكملة لبعضها بعضا ومتفاعلة فيما بينها.
إن هذا المركز الدولي الذي أدعو إلى إنشائه ينبغي أن يقوم على رغبة جادة في: إعادة التواصل مع الموروث الحضاري للآخر من أجل تكوين منظومة إنسانية مشتركة تخلو من العدوانية وتحترم العقائد.
أن تكون هناك الانطلاقة على القواسم المشتركة المستقاة من حضارات الديانات السماوية التي امتزجت عبر الزمان.
تحويل النيات الحسنة والصادقة إلى واقع ملموس يعزز الحوار العقلاني التفاهمي، وينبذ المنهج التصادمي الاتهامي، ويوجه مختلف الإساءات والإهانات الموجهة للأديان والمقدسات.
الاعتراف المتبادل بين الحضارات والأديان ونبذ كل أنواع الاستعلاء والتمييز الحضاري والديني.
إقامة حوار ديني حضاري لتحقيق التفاهم بين الشعوب على أساس وحدة الأصل الإنساني. وأن المنجزات الحضارية الإنسانية منجزات مشتركة.
إن علينا نحن المسلمين إلى أن تقوم هذه المؤسسة الفاعلة أن نجمع صفوفنا ونوحد كلمتنا، وننبذ كل فرقة ونزاع، ونتجه إلي رسولنا الأمين لنقتبس من سيرته الطاهرة، وسلوكه الكريم، القدوة الصالحة، والنموذج الرفيع لما ينبغي أن يكون المسلمون الصادقون عليه من مودة ورحمة وإيمان وصدق، وسلوك قويم، وأن نسعى بقلوب وعقول مفتوحة لتصحيح صورة الإسلام والمسلمين عند الآخرين، باستقامة سلوكنا، وإصلاح أعمالنا وتشبتنا بقيم الإسلام ومثله العليا في بلادنا وخارجها، مع المسلمين ومع الآخرين، وأن نعتز بإسلامنا وبقدوة رسولنا فذلك وحده هو طريق الفلاح والخير والعزة مصداقا لقوله تعالى: «وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم، وليمكنّنّ لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا» (13) صدق الله العظيم والسلام عليكم ورحمه الله وبركاته».
الهوامش:
1) أخرجه البخاري فتح الباري 13 / 318 طبعة دار المعرفة لبنان.
2) أخرجه البخاري فتح الباري 308/11
3- سورة التوبة - الآية 71
4- حديث صحيح - مختصر شرح الجامع الصغير للمناوي 295/2 و296 دار
إحياء الكتاب العربي 1954/1373.
5- سورة المائدة - الآية 79.
6- سورة هود - الآية: 118
7- سورة البقرة، الآية: 256
8 - سورة الصف - الآية: 8
9 - سورة البقرة - الآية: 251
10 - سورة الحجرات - الآية: 13
11 انظر نص مذكرة نيكسون المطبوعة
12) مجموعة خطب الرئيس بوش
13) سورة النور الآية : 55
الرباط في 16 رمضان 1427
الموافق
12 اكتوبر 2006
خادم السنة النبوية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.