ولي العهد الأمير مولاي الحسن يستقبل الرئيس الصيني    وفاة شخصين وأضرار مادية جسيمة إثر مرور عاصفة شمال غرب الولايات المتحدة    جامعة عبد الملك السعدي تبرم اتفاقية تعاون مع جامعة جيانغشي للعلوم والتكنولوجيا    سفير ألمانيا في الرباط يبسُط أمام طلبة مغاربة فرصا واعدة للاندماج المهني    بوريطة: المقاربات الملكية وراء مبادرات رائدة في مجال تعزيز حقوق الإنسان    ولي العهد الأمير الحسن يستقبل الرئيس الصيني بالدار البيضاء الذي يقوم بزيارة قصيرة للمغرب    تحطم طائرة تدريب يودي بحياة ضابطين بالقوات الجوية الملكية    متابعة موظفين وسماسرة ومسيري شركات في حالة سراح في قضية التلاعب في تعشير السيارات    هل يؤثر قرار اعتقال نتنياهو في مسار المفاوضات؟    عشر سنوات سجنا وغرامة 20 مليون سنتيما... عقوبات قصوى ضد كل من مس بتراث المغرب    رسميا: الشروع في اعتماد 'بطاقة الملاعب'        أبناء "ملايرية" مشهورين يتورطون في اغتصاب مواطنة فرنسية واختطاف صديقها في الدار البيضاء    الصحراء: الممكن من المستحيل في فتح قنصلية الصين..    المغرب التطواني يقاطع الإجتماعات التنظيمية مستنكرا حرمانه من مساندة جماهيره        أول دبلوم في طب القلب الرياضي بالمغرب.. خطوة استراتيجية لكرة القدم والرياضات ذات الأداء العالي    مجلس الحكومة يصادق على مشروع مرسوم بوقف استيفاء رسم الاستيراد المفروض على الأبقار والأغنام الأليفة    الحزب الحاكم في البرازيل يؤكد أن المخطط المغربي للحكم الذاتي في الصحراء يرتكز على مبادئ الحوار والقانون الدولي ومصالح السكان    تعيينات بمناصب عليا بمجلس الحكومة    "بتكوين" تقترب من 100 ألف دولار مواصلة قفزاتها بعد فوز ترامب    الرباط : ندوة حول « المرأة المغربية الصحراوية» و» الكتابة النسائية بالمغرب»    بعد غياب طويل.. سعاد صابر تعلن اعتزالها احترامًا لكرامتها ومسيرتها الفنية    المنتدى الوطني للتراث الحساني ينظم الدورة الثالثة لمهرجان خيمة الثقافة الحسانية بالرباط    استطلاع: 39% من الأطفال في المغرب يواجهون صعوبة التمدرس بالقرى    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    بإذن من الملك محمد السادس.. المجلس العلمي الأعلى يعقد دورته العادية ال 34    المغربيات حاضرات بقوة في جوائز الكاف 2024    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    الاستئناف يرفع عقوبة رئيس ورزازات    المركز السينمائي المغربي يقصي الناظور مجدداً .. الفشل يلاحق ممثلي الإقليم    مؤشر الحوافز.. المغرب يواصل جذب الإنتاجات السينمائية العالمية بفضل نظام استرداد 30% من النفقات    طنجة.. توقيف شخصين بحوزتهما 116 كيلوغرام من مخدر الشيرا    ميركل: ترامب يميل للقادة السلطويين    لأول مرة.. روسيا تطلق صاروخا باليستيا عابر للقارات على أوكرانيا    زكية الدريوش: قطاع الصيد البحري يحقق نموًا قياسيًا ويواجه تحديات مناخية تتطلب تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص    ارتفاع أسعار الذهب مع تصاعد الطلب على أصول الملاذ الآمن    وزارة الإقتصاد والمالية…زيادة في مداخيل الضريبة        رودري: ميسي هو الأفضل في التاريخ    ارتفاع أسعار النفط وسط قلق بشأن الإمدادات جراء التوترات الجيوسياسية    أنفوغرافيك | يتحسن ببطئ.. تموقع المغرب وفق مؤشرات الحوكمة الإفريقية 2024    بعد تأهلهم ل"الكان" على حساب الجزائر.. مدرب الشبان يشيد بالمستوى الجيد للاعبين    8.5 ملايين من المغاربة لا يستفيدون من التأمين الإجباري الأساسي عن المرض    مدرب ريال سوسيداد يقرر إراحة أكرد    انطلاق الدورة الثانية للمعرض الدولي "رحلات تصويرية" بالدار البيضاء    الشرطة الإسبانية تفكك عصابة خطيرة تجند القاصرين لتنفيذ عمليات اغتيال مأجورة    من شنغهاي إلى الدار البيضاء.. إنجاز طبي مغربي تاريخي    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية    شي جين بينغ ولولا دا سيلفا يعلنان تعزيز العلاقات بين الصين والبرازيل    جائزة "صُنع في قطر" تشعل تنافس 5 أفلام بمهرجان "أجيال السينمائي"    تفاصيل قضية تلوث معلبات التونة بالزئبق..    دراسة: المواظبة على استهلاك الفستق تحافظ على البصر    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحدود بين حرية التعبير والإساءة للآخرين (2/2)
نشر في العلم يوم 22 - 04 - 2011


حرية التعبير والرأي في ديننا
وقد ضمن الإسلام لمعتنقيه، التفكير المستقل في جميع شؤون حياتهم، وما يقع تحت إدراكهم من ظواهر، والتعبير عن ذلك بما يهديهم إليه فهمهم بمختلف وسائل التعبير.
ولذلك أقر الإسلام هذا الحق في أوسع نطاق، وأعطى كل فرد حقه في إبداء رأيه، والتعبير عن إرادته بما يراه والجهر بذلك دون خوف أو عقاب، وهو ما جعل هذه الحرية مكفولة طول تاريخ الإسلام وفي أوسع حدود، وقد كانت مجالا خصبا أنتج تراثا إسلاميا ضخما رائعا، مما يفتخر به تاريخ الفكر الإسلامي وتاريخ المسلمين، منذ عهد الرسول صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين، وفي أغلب العهود الإسلامية، وظل هذا الحق مقدسا، محترما، مصونا، حتى كان الناس يتناقشون مع الخليفة نفسه، وينصحونه إن ظهر في وقوله أو فعله ما يخالف الدين ومايرونه، وهذه قصة المرأة مع عمر عندما نهى عن التغالي في المهور، مثل حي على قدسية هذا الحق، ورجوع عمر إلى الصواب عندما ردته قائلا: «أصابت امرأة واخطأ عمر» وكما كان الشأن دائما على عهد عمر بن عبد العزيز، حينما يتناقش الناس في مجلسه في أمور الدين والدنيا، ويبدون آراءهم بكل حرية وصراحة وصدق.
وفي هذا الباب يفتخر الإسلام، بإباحة مبدإ الإجتهاد الذي يعتبر مظهرا حيا للأمة الإسلامية، وباعثا على تجددها وتطورها، وهو حق كل قادر أن يجتهد ويستنبط الأحكام من أصولها وأدلتها، ويعمل بما يراه، ويجهر بما انتهى إليه، حيث أقر الإسلام احترام رأي المجتهد ولو كان مخطئا، وضمن له الأجر على اجتهاده، «إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر» (1).
ومن هنا نجد الإسلام أقر الحرية العلمية في أوسع نطاق، ولم يعارض أية نظرية علمية معينة بصدد أية ظاهرة من ظواهر الكون، وتاح للعقول والأفكار حرية التفكير والتعبير، وحثهم على استعمال عقولهم وأبصارهم، ومداومة النظر والفكر، فيما يحيط بهم من مخلوقات الله وعوالمه.
وفي هذا المجال أيضا يتميز الإسلام بأنه لم يعتبر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حقا فحسب، بل فرضا وواجبا على كل مسلم، وهو مالم يعرفه دين آخر غير الإسلام.
وقد رسم الرسول الكريم حدود هذه الحرية، وأحاطها بسياج من الحيطة والاحترام، حتى لايخرج الناس بها عن مقاصدها وأغراضها، التي توخى الإسلام من إقرارها لتكون خيرا للناس وليست نقمة وشرا عليهم، فلننظر الى القول النبوي الكريم في هذا الباب «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت» (2).
وكأن هذا القول بالذات موجه إلى الشعراء المبالغين وإلى الصحافيين المتحاملين، أن يتقوا الله في أعراض الناس وشؤونهم، وفيما يكتبون وما يروجون.
ذلك أن المهم في الحرية ليس وجودها، بل استخدامها، فهي لاتوجد إلا عند ممارستها وتطبيقها، وهو ما ينبغي لنا أن نفعله بجعل الحياة الإنسانية تزدهر بالتأييد الصادق للصواب، والدحض الشجاع للخطأ.
لذلك كانت حرية الفكر في الإسلام ليست مطلقة، بل في حدود أصوله وأحكامه، وقد أوجب على المسلمين أن يأمروا الناس بالخير ويساعدوهم عليه، وينهوهم عن المنكر ويمنعوهم عنه، ولم يبح لهم فقط الاعتراض على الشر بل أوجب عليهم منعه وإزالته.
«والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر»(3). وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان»(4).
وقد اعتبر الإسلام التزام الصمت، والموقف السلبي من الشر والمنكر، وعدم محاولة كفه ومنعه، اعتبره ذنبا عظيما في حق المجتمع الإسلامي، الذي أوجب الله على كل المسلمين تطهيره وحمايته.
لذلك ذكر القرآن أن سبب انحطاط بني إسرائيل وتأخرهم هو عدم تناهيهم عن المنكر.
«كانوا لايتناهون عن منكر فعلوه لبئس ماكانوا يفعلون»(5).
الإسلام يقبل التعددية ويرفض التعصب والعنصرية
وكان قبول التعددية في ديننا أساس المجتمع الإسلامي واستمرار الأمر على ذلك حتى اليوم لايعرض الإضطهاد الديني إذ كان تعدد الأديان واقعا معيشا كما أكد ذلك القرآن الكريم «ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة»(6) وقوله (ولايزالون مختلفين) مما جعل حرية اختيار الدين مكفولة للناس جميعا، وآية ذلك أن الأقليات غير الإسلامية لاتزال تتمتع بكافة حقوقها الدينية كممارسة شعائرها وعبادتها في جو من الحرية والتسامح وكما أكد المبدأ الكريم في القرآن (لا إكراه في الدين)(7).
وأكثر من ذلك وهو من سماحة الإسلام أنه ينظر إلى أهل الكتاب نظرة خاصة وهو عدم نهيه عن البر والعدل لمن يخالفون المسلمين في الدين قال تعالى:
«لاينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين»(8).
وذلك هو ما جعل الاختلاف والتعددية أمرا طبيعيا في البشر لأنهم خلقوا مستعدين له، ومجبولين عليه، كما عبر عن ذلك كتاب الله: (ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ولكن الله ذو فضل على العالمين)(9).
ذلك لأن الاختلاف والتعدد حافز على التنافس والتسابق، ودافع للتنوع وذلك ما شجع على قيام فقه الاختلاف في المجتمع الإسلامي، وجعله ضرورة شرعية، ومن هنا لم يعرف المجتمع الإسلامي لاعنصرية ولاتعصبا للقاعدة الإسلامية (إن أكرمكم عند الله أتقاكم»(10). كما أن ديار المسلمين لم تعرف الفاشية أو النازية.
الآخرون والصليبية الجديدة
يتشدق الغرب دائما بأنه يؤمن بالحريات ولا يعترف بأي حدود لها ويتهم الإسلام بأنه يضع قيودا لكل شيء بدءا من أمور العقيدة الدينية إلى الحرية الشخصية للأفراد وحرية المجتمع، فهل حرية الغرب لاحدود لها؟ أم أن الإسلام لايقر بأن هناك حرية مطلقة؟ وهو ما دعانا إلى الإلمام ببعض مبادئ حرية العقيدة، والرأي والتعبير في ديننا ومداها، وتركيزنا على أنه لايوجد نص يقيد حرية الاعتقاد الديني بل تاريخ المسلمين حافل بالحقائق والوقائع التي تؤكد احترام المسلمين للتعددية الدينية.
غير أن الذي نلاحظ بقوة وخاصة في الأيام الأخيرة هو اتهامات المسؤولين الغربيين لديننا بالباطل وتحامل رؤسائهم ومنظماتهم على تاريخنا وعقديتنا ومبادئنا وفي مقدمة ذلك ما جاء في مذكرة الرئيس نيكسون التي كتبها في العقد الأخير من القرن الماضي وتحامله بقوله في صراحة بعد سقوط الاتحاد السوفياتي:
«لم يبق لنا بعد سقوط الاتحاد السوفياتي من عدو إلا المسلمون» (11)
ثم جاء تعريض الرئيس الأمريكي بالمسلمين بعد أحداث شتنبر 2003 وإلحاق تهمة الإرهاب بهم، وذكر بعودة الحروب الصليبية من جديد، وإن كان اعتذر بعد ذلك بقوله: «إنها زلة لسان» (12) وماهي بزلة لسان بدليل تماديه واستمراره في اتهام المسلمين وتحامله عليهم.
ثم جاءت بعد ذلك الصور الكاريكاتورية الدانماركية القبيحة وما أحدثته من ضجة في العالم الإسلامي، ثم ما تلا ذلك من محاضرة البابا في ألمانيا وتصريحاته المثيرة فيها حول الإسلام.
الكاريكاتور الدانماركي القبيح
لعل من أخطر التحديات الشرسة التي يواجهها عالمنا الإسلامي، هو هذه الحملة الخطيرة التي نواجهها من الغرب الموجهة لمقدساتنا وديننا وحرماتنا، والتي تؤكد أن حوار الحضارات المزعوم ليس إلا تقاتل الحضارات الذي كان موسوما بالحروب الصليبية الموجهة ضد العالم الإسلامي، والتي أخذت اليوم صورا أشد، عنفا، وأكثر اعتداء، والتي بدأت بالحرب الظالمة في أفغانستان، والهجوم البئيس على العراق وجعله ساحة حرب وتقتيل واعتداء على حقوق الإنسان، وهذا التقتيل المتعمد لإخواننا الفلسطينيين وتهديم دورهم وممتلكاتهم، والاعتداء على حرماتهم والعبث بأمنهم.
ثم ظهرت بشاعة الصليبية الجديدة في الرسوم الكاريكاتورية الدانمراكية الفاضحة وما تلاها من رسوم أخرى وهجوم كاسح على ديننا ومقدساتنا، ثم تلا ذلك محاضرة البابا الجديد وهجومه على الإسلام، وإحياؤه للصليبية القديمة عن طريق نقل خطاب أوتصريح للبابا منذ قرون، وتهجمه الوقح على مقدساتنا، وعندما ووجه بثورة العالم الإسلامي ضده وضد صليبيته لم يجد الشجاعة من نفسه ليعتذر للمسلمين، بل أبدى أسفه على أن المسلمين لم يفهموه، مما جعل العذر أكبر من الزلة كما يقول المثل، وبقي على جهله وخطئه بمبادئ ديننا ومقوماتنا، وقد اندهشنا وتعجبنا من حضور السفراء المسلمين في مؤتمره الصحافي الذي أعلن فيه أسفه كما جاء في محاضرته المكشوفة.
البابا يأسف ولا يعتذر
بالرغم من الإساءة البالغة للمسلمين التي تسببت فيها الرسوم الكاريكاتورية في الدانمارك، ورسومهم الكارتونية التي تضمنت إساءة للرسول الكريم صلى الله عليه وسلم والتي تناقلتها أكثر من صحيفة أوربية أخرى تضامنا مع الدانمارك في مواجهة ردود الفعل الغاضبة في العالمين العربي والاسلامي، وقد وصل التضامن مع الدانمارك إلى إقدام وزير في الحكومة الإيطالية السابقة على ارتداء قميص عليه الرسوم المسيئة.
وقد رد المسلمون على هذه الإساءة بمظاهرات صاخبة وأعمال تدمير وعنف غاضبة شملت أغلب الدول العربية والإسلامية، كما قاطعوا المنتجات الدانماركية مما أضر بشركاتها واقتصادها إلى درجة أن ركعت، الشركات والصحف واعتذرت على صفحات كاملة وبكامل المذلة.
ولم تكد تهدأ العاصفة حتى طلع علينا البابا بيندكت بمحاضرة في ألمانيا جاءت حلقة جديدة من حلقات الصليبية الجديدة والتي أكد فيها جملة من الأفكار تقول: ان الاسلام دين عنف، وإنه انتشر بحد السيف، وأن هناك مجافاة بينه وبين العقل، إلى غير ذلك من الأفكار المغلوطة والمقلوبة التي ذكرها البابا والتي تؤكد جهله أو تجاهله لمبادئ الإسلام وأصوله وقيمه إلى حد الضحالة والسفالة الظاهرة، وليت شعري أما كان الأجدى برجل في مقام البابا أن يتمثل ويستشهد بمآت من أقوال مفكري العالم وقادته وعلمائه في رسولنا الكريم من أمثال الفيلسوف برنادشو الذي أكد أنه لو بعث الرسول الكريم في هذا الوقت التي اشتدت فيه الصراعات لإستطلاع وحده حلها وعاش الناس في سلام، وكشهادة العالم الأمريكي المعاصر ميكايل هارت الذي جعل رسولنا الكريم على رأس المائة المختارة من عظماء العالم وقادته، والذي اعتبره أعظم نبي ومصلح في تاريخ البشرية إلى غير ذلك من مفكري العالم وعلمائه وشعرائه أمثال كارليل وبوكاي وسواهما كثير.
إنه كان الأجدى لو كانت نية سليمة وصادقة أن يستشهد بقول من أقوال هؤلاء المفكرين الكبار، ويكون قوله وشهادته رافدا من روافد تكامل الحضارات ووحدة الأديان،. بدلا من نقل شهادة خاطئة وقول مجانب للصواب، ويزيد الطين بلة ويكشف عن الوجه القبيح للصليبية الجديدة ضد الإسلام والمسلمين.
وبدلا من أن يعتذر عقب احتجاجات المسلمين ومظاهراتهم الصاخبة عما صدر عنه وعن سوء اختياره وتحامله، يظهر جهله الواضح بقيم الإسلام وأصوله ومبادئه، فضل إبداء أسفه بأن المسلمين لم يفهموه في صفاقة وبجاحة، مما يؤكد أن العالم الإسلامي يواجه هجمة شرسة تصف الإسلام بما ليس فيه وتسيء لمقدسات المسلمين ومعتقداتهم، إن اتهام المخالفين في الرأي ليس حرية.
هذا هو صراع الحضارات والأديان وليس تكاملها
من هنا يظهر أن ما يتشدق به الغرب ويدعيه من ديمقراطية وإنصاف وسعيه لحوار الحضارات وتكاملها انما هو ادعاء وتبجح، وأن نيته مبيتة في الكيد للإسلام والمسلمين واستغلاله لثرواتهم، وسعيه الحثيث لتشكيكهم في عقائدهم وتفرق صفوفهم، يؤكد ذلك حروب الغرب في افغانستان وفي العراق وفلسطين ولبنان وبشاعة أعمال إسرائيل وتقتيلهم لاخواننا في لبنان وفلسطين دون تورع أو اعتبار، وتحدي قرارات هيئة الامم المتحدة وتجاهلها في صفاقة. هذا مع العلم أن ديننا الإسلامي جاء مصدقا شرائع أهل الكتاب، مبرهنا على أن الأديان تنبع من أصل واحد، وتلتقي حول وحدانية الله في القيم المشتركة للإنسانية وأن الإسلام أعلى قيمة العقل والمنطق، ودعا للتدبر والتفكر، وخاطب في الناس فطرتهم، وحاور القلوب والعقول بسماحة عالية وبالأسوة الحسنة.
كما نهى عن التعصب والعنصرية، ولم تنشأ على أرضه لانازية ولا فاشية وحمل دعاته وعلماؤه مشعل الإيمان والحضارة والحرية لأنحاء المعمور، وأثروا الحضارة الإنسانية بمعارفهم ونظرياتهم وأفكارهم الخلاقة.
ان السلمين مستعدون للقتال دون هويتهم الإسلامية وكيانهم الحضاري والدفاع عن أنفسهم وأرضهم ومقدساتهم بكل غال ونفيس، ولا تستطيع أي قوة الوقوف دون ذلك مهما بلغت، مؤكدين أن ربط الإسلام بالإرهاب هو زور وبهتان، وإننا نتطلع إلى علاقات إنسانية دولية تقوم على الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة، لا تفرط في هويتها، تدافع عن قضاياها ومواقفها وتنشد الخير للجميع، في عالم أكثر عدلا وسلاما واستقرارا كما أرسى ديننا الإسلامي ذلك منذ أربعة عشر قرنا، ونهى عن ترويع الآمنين وإفساد المفسدين، مؤكدين دور الأديان الأساسي في بناء الحضارة البشرية وازدهارها وتفوقها لما فيه خير الإنسانية جميعا.
ضرورة إنشاء مركز دولي لحوار الأديان والحضارات
وأحب أن أؤكد هنا بأنه اذا لم ينصف الفلسطينيون وتحل قضيتهم ومشكلتهم التي صنعها الغرب بزرع جسم غريب داخل وطنهم، بينما هم حرموا منه وأصبحوا لاجئيين موزعين في أنحاء العالم، وإذا لم ينته الانحياز إلى اسرائيل من طرف الغرب وفي مقدمته امريكا فلا حوار للحضارات ولاحل للحرب المستمرة ضد الفلسطينين وغيرهم في شتى أنحاء العالم.
ولذلك أبادر إلى الدعوة الى قيام مركز دولي لحوار الأديان والحضارات حتى نقضي على زرع الفتنة والتفرقة في أنحاء العالم الإسلامي من طرف الغرب، ويعود الفلسطنيون الى وطنهم الأصلي، ويعم الاستقرار والأمن ربوع الشرق الأوسط، ويعود اتباع الديانات السماوية الثلاث إلى الحوار الجاد والمفيد لخيرهم ولدولهم ولخير الإنسانية كلها، حتى تنتهي دواعي الصراع القائمة في العالمين الإسلامي والغربي خاصة وأن الإرهاب والعنف موجودان لدى فئة قليلة من جميع أهل الأديان، كما أن ما يحدث في عالمنا الاسلامي يعود الى الظلم والاستبداد والاحتلال وأنه إذا أردنا السلام العادل والتعايش الدائم فلا بد أن تغير الدول الكبرى سلوكها نحو المسلمين وفي مقدمتهم فلسطين، ولا بد من أن يُبْنَ الحوار بين الحضارات على أساس الاحترام المتبادل والتفاهم المشترك خاصة وأن الإسلام يشجع على التعاون والتعارف والوئام، وعلى البر والعدل مع الإنسانية جمعاء، والسماحة والرحمة، واحترام العهود والمواثيق، فهذا من شأنه كله أن يقرب بين الحضارات والديانات باعتبار أنها مكملة لبعضها بعضا ومتفاعلة فيما بينها.
إن هذا المركز الدولي الذي أدعو إلى إنشائه ينبغي أن يقوم على رغبة جادة في: إعادة التواصل مع الموروث الحضاري للآخر من أجل تكوين منظومة إنسانية مشتركة تخلو من العدوانية وتحترم العقائد.
أن تكون هناك الانطلاقة على القواسم المشتركة المستقاة من حضارات الديانات السماوية التي امتزجت عبر الزمان.
تحويل النيات الحسنة والصادقة إلى واقع ملموس يعزز الحوار العقلاني التفاهمي، وينبذ المنهج التصادمي الاتهامي، ويوجه مختلف الإساءات والإهانات الموجهة للأديان والمقدسات.
الاعتراف المتبادل بين الحضارات والأديان ونبذ كل أنواع الاستعلاء والتمييز الحضاري والديني.
إقامة حوار ديني حضاري لتحقيق التفاهم بين الشعوب على أساس وحدة الأصل الإنساني. وأن المنجزات الحضارية الإنسانية منجزات مشتركة.
إن علينا نحن المسلمين إلى أن تقوم هذه المؤسسة الفاعلة أن نجمع صفوفنا ونوحد كلمتنا، وننبذ كل فرقة ونزاع، ونتجه إلي رسولنا الأمين لنقتبس من سيرته الطاهرة، وسلوكه الكريم، القدوة الصالحة، والنموذج الرفيع لما ينبغي أن يكون المسلمون الصادقون عليه من مودة ورحمة وإيمان وصدق، وسلوك قويم، وأن نسعى بقلوب وعقول مفتوحة لتصحيح صورة الإسلام والمسلمين عند الآخرين، باستقامة سلوكنا، وإصلاح أعمالنا وتشبتنا بقيم الإسلام ومثله العليا في بلادنا وخارجها، مع المسلمين ومع الآخرين، وأن نعتز بإسلامنا وبقدوة رسولنا فذلك وحده هو طريق الفلاح والخير والعزة مصداقا لقوله تعالى: «وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم، وليمكنّنّ لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا» (13) صدق الله العظيم والسلام عليكم ورحمه الله وبركاته».
الرباط في 16 رمضان 1427 الموافق 12 اكتوبر 2006
خادم السنة النبوية ) د. يوسف الكتاني
الهوامش:
1) أخرجه البخاري فتح الباري 13 / 318 طبعة دار المعرفة لبنان.
2) أخرجه البخاري فتح الباري 308/11
3- سورة التوبة - الآية 71
4- حديث صحيح - مختصر شرح الجامع الصغير للمناوي 295/2 و296 دار
إحياء الكتاب العربي 1954/1373.
5- سورة المائدة - الآية 79.
6- سورة هود - الآية: 118
7- سورة البقرة، الآية: 256
8 - سورة الصف - الآية: 8
9 - سورة البقرة - الآية: 251
10 - سورة الحجرات - الآية: 13
11 انظر نص مذكرة نيكسون المطبوعة
12) مجموعة خطب الرئيس بوش
13) سورة النور الآية : 55


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.