التوقيع على عدد من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم بين المغرب واليمن    اليمن تثمن دور جلالة الملك في دعم تنمية إفريقيا    انخفاض الرقم الاستدلالي لأسعار الإنتاج في قطاع الصناعات التحويلية خلال دجنبر 2024    ريال مدريد يواجه مانشستر سيتي    "كاف" يعدل لوائح تسجيل اللاعبين    صابيري يعود إلى دوري السعودية    المغرب يشهد تقلبات جوية .. أمطار وثلوج مع انخفاض درجات الحرارة    المحكمة تصدر قرارا جديدا في ملف رئيس جهة الشرق بعيوي    جثة سبعينية تستنفر سلطات زايو    مندوبية السجون تكشف عن حصيلة الإصابات ببوحمرون في المؤسسات السجنية    نزار بركة وزير التجهيز والماء يترأس أشغال المجلس الإداري لوكالة الحوض المائي للساقية الحمراء ووادي الذهب    باحثون روس يبتكرون دواء جديدا لعلاج سرطان الجلد بفعالية مضاعفة    انقطاع الطريق بين تطوان والحسيمة يعيد مطالب تعزيز البنية التحتية إلى الواجهة    مقاييس الأمطار المسجلة بالمملكة خلال ال 24 ساعة الماضية    طنجة…الشروع في استعمال رخصة الثقة البيومترية بصفة حصرية لسيارات الأجرة    الفنانة دنيا بطمة تغادر السجن    خروج دنيا بطمة من سجن لوداية    الممثلة امال التمار تتعرض لحادث سير وتنقل إلى المستشفى بمراكش    استئناف الحسيمة تفتتح السنة القضائية 2025 وتستعرض حصيلة الإنجازات    جددت الجمهورية اليمنية التأكيد على موقفها التاريخي والداعم للوحدة الترابية للمملكة    مشاركة وازنة للاعبات المغربيات إلى جانب نخبة من النجمات العالميات في الدورة ال 28 لكأس للا مريم للغولف    الكعبي : لا مستحيل في كرة القدم .. وهدفنا التتويج بالدوري الأوروبي    شركة تركية عملاقة تؤسس فرعا بالمغرب لتعزيز تصميم وصناعة الدرونات العسكرية    ترمب يصر على تهجير سكان غزة رغم رفض مصر والأردن    المغرب يسجل 86.5 ألف مقاولة جديدة خلال 2024    دنيا بطمة تخرج من سجن الأوداية بعد انتهاء عقوبتها    بعد عام من الإعتقال .. دنيا بطمة تعانق الحرية    بينهم 9 محكومون بالمؤبد.. إسرائيل تفرج السبت عن 90 أسيرا فلسطينيا    "ديب سيك" الصينية في مواجهة قانونية تهدد علامتها التجارية في أميركا    أخطاء كنجهلوها.. الطريقة الصحيحة لقيادة السيارة في أجواء البرد القارس (فيديو)    المحكمة التجارية بالدار البيضاء تجدد الإذن باستمرار نشاط مصفاة "سامير"    وفود تمثل كبريات الحواضر العربية ستحل بطنجة    في سرية تامّة.. دنيا بطمة تغادر أسوار سجن الأوداية بمراكش    الرباط: وزير الخارجية اليمني يجدد التأكيد على موقف بلاده الداعم للوحدة الترابية للمملكة    الرئيس الانتقالي في سوريا: نعمل على وحدة البلاد وتحقيق السلم الأهلي    أسعار النفط ترتفع إلى أزيد من 76 دولارا للبرميل    "مجموعة العمل من أجل فلسطين" تحتج أمام البرلمان وفاء للشهيد محمد الضيف    توقيف شخص بطنجة مبحوث عنه وطنيا متورط في قضايا سرقة واعتداء    توقعات بتصدير المغرب 90 ألف طن من الأفوكادو في 2025    التمرينات الرياضية قبل سن ال50 تعزز صحة الدماغ وتقلل من الزهايمر    نهضة بركان يواصل التألق ويعزز صدارته بفوز مهم على الجيش الملكي    اللجنة التأديبية الفرنسية تقرر إيقاف بنعطية 6 أشهر    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الجمعة    اللجنة الوطنية لمراقبة حماية المعطيات ذات الطابع الشخصي تعزز وعي الجيل المتصل في مجال الأمن الرقمي    الفلاحون في جهة طنجة تطوان الحسيمة يستبشرون بالتساقطات المطرية    نتفليكس تطرح الموسم الثالث من مسلسل "لعبة الحبار" في 27 يونيو    ارتفاع أسعار الذهب    الدولي المغربي حكيم زياش ينضم رسميا للدحيل القطري    سانتو دومينغو.. تسليط الضوء على التقدم الذي أحرزه المغرب في مجال التعليم    العثور على الصندوقين الأسودين للطائرة التي تحطمت في واشنطن    «استمزاج للرأي محدود جدا » عن التاكسيات!    وفاة الكاتب الصحفي والروائي المصري محمد جبريل    علاج غريب وغير متوقع لمرض "ألزهايمر"    أربعاء أيت أحمد : جمعية بناء ورعاية مسجد "أسدرم " تدعو إلى المساهمة في إعادة بناء مسجد دوار أسدرم    غياب لقاح المينانجيت في الصيدليات يعرقل سفرالمغاربة لأداء العمرة    أرسلان: الاتفاقيات الدولية في مجال الأسرة مقبولة ما لم تخالف أصول الإسلام    المجلس العلمي المحلي لإقليم الناظور يواصل برامجه التكوينية للحجاج والمعتمرين    ثمود هوليود: أنطولوجيا النار والتطهير    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الشاعرة ذ.سميرة فرجي وديوان "صرخة حارك" /الجزء الثالث
نشر في الوجدية يوم 29 - 09 - 2010

لا يخفى أن سميرة ذات حمولة ثقافية عربية و كونية، تكوين حقوقي، سليلة أسرة مقاومة، متشبثة بالجذور و الأصول تجنبا للتيه و الغرق.. بنت البلد و بامتياز إنساني، مناضلة بوسام المعذبين في البر و البحر... لم تخدعها مساحيق رفاهية أعيان المرحلة، ولم تستسلم لقيم الحداثة المغشوشة وسلوكيات الراهن المخدوع. آمنت بالجوهر الذي تعجز عن طمسه القشور.
"و ليس على بعض القشور تلومني
لئن كنت تعني بالقشور رخائيا
أنا مثل مهضوم الحقوق بحرقتي
وحق أخي إن ضاع ضاع هنائيا
آمنت بالإنسان، استنبطت آلامه فحملت آماله، وعت همومه فأشاعت أحلامه، انخرطت بعمق في المجتمع، مجتمع "البطاليين و المقهورين و العاجزين"، انخراط واعي و التحام صادق، تناغمت مع هذه الفئات المهانة فأنشدت بكل حرقة و إبداع قل نظيره. كتبت قصائدها على النهج الخليلي بنفس حداثي متميز... إنها شاعرة جمعت جماليات الشعرية الأصيلة إيقاعا و لغة و أناقة و حيوية في بلور الشعرية العربية، وذلك بحس المبدعة الخلاقة، و شفوفية المتوغلة في الواقع بفرس اللغة التي تكلمتها هي، لأنها في ذاتها المشتعلة بين قطبي الموت و الحياة...
"وأطرق في الأبواب مثل مشرد
لأبحث عن شغل يزيل شقائيا
و دخل أبي في اليوم بعض دراهم
يعيل بها سربا يفوق الثمانيا
و يحمل أكواما تقوس ظهره
و حزمة أثواب و بعض ثيابيا
يبيع أبي فوق الرصيف ثيابنا
و يركض خلف الناس يطلب شاريا
و حين يراه في الشارع شرطي
يلوح بالعصى يغادر حافيا
و يترك من خلف الرصيف نعاله
و كوم ثياب كان فيه غذائيا
يعيش أبي مثل الحمير معنفا
و يضرب دوما كالحمير قباليا
فإن كان في ضرب الحمير مهانة
فما القول في ضرب الرجال أماميا!
يهون علي الموت كل دقيقة
و لا العيش في القمع يذل رجاليا
هذه التحف الشعرية تكشف هوية المثقفة الجادة التي تستطيع أن تبلور المعيش في لوحات فنية تبدو معها خطب السياسة مجرد لعبة صبيان، و تفضح "لغة السياسات التي تحتضر على فراش الشعب..."، هذه الصور الشعرية تعفينا من الخطب الرنانة التي يتلوها زعماء الأحزاب في هذه المناسبة أو تلك، و تريحنا من لغو الشعارات الفضفاضة التي يستظهرها "الديمقراطيون" في كل سوق انتخابي.
إن سميرة ترفض التموقع في اليمين، ترفض إغراءات اليسار، و ترفض الاسترخاء في الوسط. لم تتهافت على الارتماء في أحضان الأغلبية المخدومة لتنغم مع الغانمين، ولم تنزلق فتصطف مع الأقلية بأطيافها المتنافرة عقيدة و اعتقادا... مقتنعة بأن هؤلاء وأولئك لم يذوقوا مرارة ولذة البداوة .لهذا عوضتنا في أشعارها عن عبث سرك الثلاثاء والأربعاء.
وتسأل عن جدوى الحكومة إن أتت
راحت وأوضاع البلاد كما هيا
ففي وطني عين الحكومة لاترى
عذابي وأوجاعه وماليا ا
واني أرى جسم الحكومة خائنا
يباع ولكن لا يباع لمثليا
ومن باع خيرات البلاد مكرم
ومن باع بعض الثوب جانبا
لأستر عري في البحار لعله
يرى وطني جسم الحكومة عاريا
سأفضح فيها ما الحكومة تدعي
واكشف هم الشعب إن كان خافيا
هذا الكلام ليس بلاغا ولا بيانا لمكتب سياسي أو لجنة تنفيدية ،وليس تدخلا من تدخلات نجم من البرلمانيين المحترمين جدا ، من العميد الى الرميد ، انه صرخة شاعرة ، فمن هي ؟ لنستمع الى سميرة " أنا خليط من أجناس فى قتامة دمها الكبرياء وشريانها الشموخ والولاء ....." " أنا عاشقة للعدل حتى بين قضبان الأقدار " " أنا لايعجبني من الكتابة غير ما كتب بالدم ، لأ ن الدم روح طاهرة وعشاقها هم الشعراء " ".... ومن بين قصائدي أيضا نخوة أبناء الجيل الذين يعشقون التربة ورائحة البدو والأرض ....." سميرة ، اذن نزلت من القمم لتسقي السهول ، انحدرت من جبال بني يزناسن فرضعت الشموخ والتحدي ، حملت في صدرها كبرياء القمم وإصرار الأنهار على المضي قدما مهما صعبت المسالك ، كشف طريقها بعزة ونخوة .
" عد سيدي فأنا بالكبر أشتهر
ومن جبال كرام القوم انحدر
إني من البدو ويا من تهت عن نسبي
ولانتسابي لأهل البدو وأفتخر "
إنها بدوية ،تقر وتعترف ،تفتخر وتعتز .. والبداوة في ديوان سميرة بنية من القيم الانسانية النبيلة ،قيم تسكن الديوان وتؤثث قصائده ،قيم متكاملة متناغمة ،متماسكة منسجمة ،فحذار ان تمس اية قيمة لأنه سينهار البنيان كله .
" متى ستدرى أن البدو إن غضبوا ؟
ينتابهم سعر لو ما بهم سعرا
متى ستفهم أن البدو في دمهم ؟
يسري الشموخ وفي اذلالهم خطر
متى ستفهم ان الحر في يده ؟
قلب وكبر وبالاثنين ينتصر "
إن الشاعرة من عشقها الحرية والتحرر دعت الى الانعتاق من كل ما يكون قيدا .وتحررية الشاعرة ،ملمح واضح القسمات يطالعك في رحلتك عبر ديوانها ، بل وجدته الملمح الأكثر بروزا و الاوفي حظا بين الملامح الأخرى .ومع كوننا من دعاة التحرر .كما نحن من عشاق الحرية .ومع كوننا نهلل لولادة كل فجر جديد ..... ومع كوننا من المؤمنين بالحياة وحركيتها .وبمواكبها الماضية قدما نحو الغابات المنتصبة على طرقات اللانهاية ، مع كوننا من اولئك وأكثر ،فإنه من غير المسموح لنا ان نخبط في تخطينا ،أو أن نمتهن الضوابط والمعايير في تجاوزنا والتجديد .. لأن التجديد كما الابداع عينه ،فعل مطاوعة وليس فعل قسر ،وفعل اقتحام وليس فعل اقحام ....ولاننا مع " اندري بروتون " في قوله " في وفرة السماجات التي و رثنا ، يجب الاعتراف بان أوسع حرية فكرية مازالت متروكة لنا ،وعلينا ألا نسيء استعمالها بالشكل الخطير " فإذا لم نعمل بقول "بروتون " هذا أسأنا الى الحرية والى أنفسنا .
وشاعرتنا سميرة غير متفلتة في تحررها من كل ضابط ،كما ليست متنكرة لكل معيار . فجلال قديمنا ، وإجلال قدمائنا .... ذمة ترعها ،ومحجة تلوذ بها كلما عرتنا ،ريح الاقتلاع و التغريب ، ومعتصمها تفىء اليه لتبقي على نسخ الاصالة يمنعها من أن تغتالها يد الأفك أو تباعدها عن طهر أصالتها . كل هذا تقربه و تدعو اليه ، فهي بنت المهلهل ،أخت الخنساء وشقيقة صخر .... هي البدوية "رغم ضياع الغالي في التفاهات " ولصيانة الغالي تسخر سميرة من تفاهات القبيلة / المجتمع وأغاليط القوم ونفاق النسوان وجبن النخبة .... لهذا قررت أن تمزق ستار الصمت الذي يخيم على بعض السلوكات الاجتماعية في بنية اجتماعية غامضة . في متنها الشعري جرأة امرأة واثقة من نفسها ،عزمت على فضح الكتلة الصامتة " وقول الحقيقة ولو بترت القبيلة ساقي وأذواقي ".
ولعل هذا ما يتبدى من خلال قصيدة " ثأر القبيلة"
فيا نسوان أهلي كيف أهلي ؟
يرون الحل في وضع اللثام !
وما رفع اللثام به انحلالي ؟
ولا وضع اللثام هو احتشامي !
وهل بالثوب سوف يهان عرضي ؟
وتنظر لي القبائل باحترام !
وهل بالثو ب أخرس كل صوت ؟
وأفعل ما أشاء بلا ملام !
فكيف ترىالقبيلة أن عرضي
وعرض الناس يحفظ بالكمام ؟ !
ومن يأتي الفضيحة في نهار
يؤدبه المؤدب في الظلام
وقد ترجى الفضيلة من وضيع
وقد تأتي الرذيلة من إمام
ويصلب رغم صفوته ملاك
يحالف ثوبه ثوب اللئام
وختاما أمل أن تقبل هذه الانطباعات التي أقدمها تحية دالة على غيابنا في حضرة حضور سميرة المتلألئ حياة .إن ديوان " صرخة حارك" يقول أكثر وأجمل مما قلته فاقرأه ! هنا معبد الجبال فطوبي للداخلين .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.