مدونة الأسرة من أهم منجزات العشارية الأولى لحكم جلالة الملك محمد السادس إذا كان من الثابث أن الدول الغربية تنتقد وضعية المرأة المسلمة بحجة أن هذه الأخيرة مهضومة الحقوق , فإن الإسلام ومنذ 15 قرنا كرم المرأة ورفع قدرها وحافظ على كرامتها وأقر مبدأ المساواة . بل الأكثر من ذلك إذا راجعنا مواقف الفلاسفة مرورا بكونفسيوس Confucius إلى ارسطو Aristote إلى طوماس داكان Thomas D'acquin إلى هيوم Hume يتضح أن تفوق وسيادة وسلطة الرجل suprématie على المرأة ثابثة ومسألة طبيعة . بالنسبة لكونفسيوس فإن مبدأ الفوضى chaos يعم ويشع لما تحصل المرأة على السلطة على حساب الرجل تماما كما هو وضع السماء بالنسبة للأرض فالسماء yang يجب أن تكون فوق الأرض ying , كما أن للحاكم سيادة على المحكومين ويقاس الأمر على الدولة والأسرة , أما إذا أصبح للمحكومين سيادة وسلطة على الحاكم quand les sujets deviennent les maîtres فإن الفوضى تعم ويختل النظام وبما أن هذا النظام يشمل كافة أنواع وأصناف الكائنات الحية التي تتحقق فيما سيادة الذكر على الأنثى فلماذا نستثني إذن النوع البشري ? . وإذا كان العالم الغربي يعتز بفلاسفته الكبار فلا بأس إذن أن نعرج على آراء كل من نيتشه Nietzhe وشوبنهاور Shopenhauer وكيركجارد Kierkegard " وفي هذا الصدد عبر شوبنهاور عن رأيه كما يلي : « La femme demeure toute sa vie un grand enfant , elle constitue une sorte d'étape intermediaire entre l'enfant et l'homme qui est le veritable être humain « فحسب شوبنهاور تظل المرأة طول حياتها بمثابة طفل كبير بل وتشكل نوعا من المرحلة الوسطى بين الطفل والرجل الذي يعتبر الكائن البشري الحقيقي . ويضيف كيركجارد : La femme ne devient libre que par l'homme c'est pourquoi l'homme demande sa main et on dit qu'il la délivre . أي أن المرأة لا تكتسب حريتها إلا عن طريق الرجل ولهذا فإن الرجل يطلب يدها ليحررها . ويختم فريديريك نيتشه بما يلي : La femme veut s'émanciper, c'est là un des progrés les plus déplorables de l'enlaidissement général de l'Europe . أي أن المرأة تريد أن تتحرر وأن هذا التطور المحزن والمؤسف سيؤدي لا محالة إلى تقبيح وتبشيع عام لأوروبا " . هذه هي بعض آراء فلاسفة القرن الماضي وكيف إذن لا نستبشر بمدونة أعطت دفعة قوية لعملية بناء مجتمع ديموقراطي منفتح على العالم ومتشبت بقيمه الدينية . ألم يقل المغفور له محمد الخامس قدس الله ثراه : « Le pays où la femme n'est pas un agent actif ressemble à un corps paralysé dont on ne peut rien attendre de constructif « . ولعل هذه المقدمة السوداوية تجعلنا نتأكد أن مدونة الأسرة حققت دفعة قوية وأنصفت المرأة أيما إنصاف بل وشكلت ثورة حقيقة ونمودجا للتغيير المتوازن الذي جمع بين القيم الأساسية ومتطلبات التطور الإجتماعي والإنساني . إصلاح مدونة الأسرة ناتج عن إرادة سياسية لإصلاح شامل للمدونة , تجلت في خطاب صاحب الجلالة محمد السادس عند تعيينه لللجنة الإستشارية المكلفة بتعديل مدونة الأحوال الشخصية في توجيهات صريحة بتعديل شامل للمدونة وكذلك إعلانه يوم 10/10/2003 عند افتتاح الدورة التشريعية الأولى عن الخطوط العريضة لمستجدات المدونة تنسجم مع أبعاد سياسة تتلخص في النقط الآتية : 1) الإستجابة للتحول المجتمعي مع تطوير التصورات والعقليات 2) الحفاظ على مقاصد الشريعة الإسلامية 3) اعتبار الإطار العالمي الذي أصبح يلزم المغرب باتفاقيات دولية - ضرورة التعديل هذه أملتها حتمية مجتمعية لم تعد تسايرها مدونة الأحوال الشخصية القديمة تلك المدونة التي كانت تعكس صورة لأسرة غير متوازنة تحتل فيها الزوجة الدرجة الدنيا وتغيب الطفل وتثقل كاهل الزوج وتضعه في حرج تحت غطاء منحه السلطة وبالتالي لا تحقق التكافؤ والتلاحم الضرورين للتوازن الأسري . عرف المغرب تحولات كبرى على مستوى ماكرو سوسيولوجي وتحولات على مستوى ميكرو سويولوجي وهي التي تمس الأسرة , وكذا تحولات على المستوى الديموغرافي . فاليوم تتوجه الأسرة إلى استعمال كل الإستراتيجيات للرفع من الدخل اليومي أو الشهري ويعتبر انخراط النساء في العمل خارج البيت من الإستراتيجيات الأساسية مما ترتب مع هذا الواقع أن القوامة المطلقة للرجل وسلطته الإقتصادية المطلقة تتراجع يوما بعد يوم علما أن للسلطة الإقتصادية تأثير كبير على السلطة الإجتماعية . وبذلك فإن مدونة الأسرة سايرت تحول الواقع المجتمعي وتحول الأسرة المغربية من هرمية قائمة على أساس سلطوي إلى بنيان يوزع الحقوق والواجبات على كل فرد . أهم ما جاءت به مدونة الأسرة يتلخص كالآتي : 1) التشارك في المسؤولية : في إطار المدونة القديمة كنا نواجه بمبدأ الطاعة مقابل الإنفاق , أما حاليا فقد أصبحت الأسرة تحت رعاية الزوجين معا – المادة 51 تنص على المساكنة الشرعية بما تستوجب من معاشرة زوجية وعدل وتسوية عند التعدد وإحصان كل منهما وإخلاصه للآخر وتبادل الإحترام وتحمل الزوج والزوجة مسؤولية التسيير والتشاور في اتخاذ القرار وحسن المعاملة , بالإضافة إلى إمكانية للتشارك في تدبير الأموال داخل الأسرة . 2) مبدأ المساواة – يعتبر خطوة هامة : - توحيد سن الزواج بين الذكر والأنثى 18 سنة - توحيد انتهاء سن الحضانة ( بلوغ سن الرشد القانوني للذكر والأنثى على حد سواء ) - توحيد سن اختيار المحضون لمن يحضنه 15 سنة بالنسبة للإبن والبنت – المادة 166 من المدونة . - تعديل حق الوصية الواجبة بتخويل الحفيدة والحفيد من جهة الأم على غرار أبناء الإبن 3) رفع الحجر المعنوي عن المرأة : فالولاية أصبحت اختيارية إذ أصبح للرشيدة الحق في أن تعقد على نفسها أو تفوض لأبيها. 4) إقرار مبدأ العدل ورفع الظلم خصوصا في انحلال ميثاق الزوجية التي خصصت لها مدونة الأسرة 72 نصا من مجموع 400. 5) منع التعدد إذا خيف عدم العدل بين الزوجات ( المادة 40 ) أو وجد شرط من طرف الزوجة . 6) توسيع حق الزوجة في طلب التطليق أهم المستجدات التطليق للشقاق المواد 94- 95- 96- 97 * إذا عجزت عن إثبات الضرر جاز لها أن تطالب بالتطليق للشقاق * إذا أراد الزوج أن يراجعها خلال العدة ورفضت جاز لها أن تطالب بالتطليق للشقاق . * إذا لم يستجب الزوج لطلب الخلع من طرف الزوجة جاز لهذه الأخيرة أن تطالب بالتطليق للشقاق . 7) تقوية دور النيابة العامة في العديد من الحالات مثل إرجاع الزوج المطرود أو الزوجة المطرودة إلى بيت الزوجية حالا مع اتخاذ الإجراءات اللازمة لحماية وأمنه ( المادة 53) والعمل على تنفيذ الأحكام المتعلقة بحماية الأطفال . 8) الإعتراف بمسؤولية الدولة فيما يخص التدابير اللازمة لحماية الأطفال وضمان حقوقهم ورعايتها ( المادة 54 ) . 9) تقرير المسؤولية الجنائية مع تحديد عقوبات لأحد الزوجين عند القيام بالتدليس في الحصول على الإذن أو الشهادة أو الكفاءة ويتعلق الأمر بعقوبة الحبس من ستة أشهر إلى سنتين وغرامة من 200 إلى 1000 درهم في حالة التزوير أو الإقرار غير الصحيح ولا تتحرك النيابة العامة إلا بناء على شكاية من طرف الضحية . 10) زواج الحاضنة لا يسقط حضانتها إذا كان المحضون صغيرا لم يتجاوز سنه 7 سنوات . - إذا لحق المحضون ضرر بفراق أمه - إذا كان بالمحضون علة أو عاهة تجعل حضانته مستعصية على غير أمه - إذا كان زوجها قريبا محرما أو نائبا شرعيا للمحضون . - إذا كانت هي نائبا شرعيا لإبنها وبالتالي هناك شبه إعجاز لمسألة إسقاط الحضانة . 11) من المستجدات المهمة : أ) فصل تكاليف سكن المحضون عن واجبات النفقة : كان الفصل 118 من المدونة القديمة ينص على ما يلي : تشمل نفقة الزوج السكن والطعام والكسوة والتمريض . أما مدونة الأسرة فقد فصلت واجب السكن عن النفقة واعتبرته التزاما مستقلا طبقا لمقتضيات المادة 189 من مدونة الأسرة الذي ينص على أن النفقة تشمل الغذاء والكسوة والعلاج وتنص المادة 168 على أنه يجب على الأب أن يهيىء لأولاده محلا لسكناهم وأن يؤدي المبلغ الذي تقدره المحكمة لكرائه . ب) تحرير اتفاق مستقل عن عقد الزواج لتدبير وتسيير الأموال المشتركة تنص المادة 49 من مدونة الأسرة على تحرير اتفاق في وثيقة مستقلة عن عقد الزواج لتدبير الأموال التي ستكتسب أثناء قيام الزوجية والإتفاق على استثمارها وتوزيعها . ان المشرع لم يقصد زعزعة قاعدة استقلال الذمة المالية على أساس قاعدة الأموال المشتركة الموجودة في التشريعات الغربية وإنما يعتبر تدخله كتنظيم لمبادىء عامة كان غيابها يعصف بالأسر ويحدث المشاكل . ذلك أن قضايا الطلاق والتطليق كثيرا ما كانت أسبابها تلك الموظفة التي كانت تساهم بأقساط شهرية لشراء البيت ويسجل الزوج العقار بإسمه وتظل المرأة بعيدة عن الملكية فالمشرع أعطى المجال أثناء عقد الزواج وبإرادة حرة إبرام عقد موازي لتدبير الأموال المشتركة ويمكن للأزواج أن يبرموا حاليا اتفاقا موازيا وإذا لم يكن هناك اتفاق فيتم الرجوع إلى القواعد العامة للإثبات مع مراعاة عمل كل واحد من الزوجين وما قدمه من مجهودات وما تحمله من أعباء لتنمية أموال الأسرة . وقد يحدث ألا يقع اتفاق بين الزوجين لتدبير هاته الأموال ويدعى أحدهما حقا له على ما اكتسبه الآخر خلال فترة الزواج فعند النزاع يمكن لكل منهما أن يثبت أنه ساهم في تنمية أموال الآخر , ففي هذه الحالة تطبق القواعد العامة في الإثبات ومفاد ذلك أن الفصل في هذا الإدعاء لن يطال أبدا ما كان يملكه كل واحد منهما قبل إبرام عقد الزواج وسوف ينحصر البت في الأموال المكتسبة خلال مدة الزواج وذلك على ضوء ما قام به المدعي من أعمال ومجهودات وأعباء ساهمت في تنمية المال ووسعت من استثماره . والتقدير ليس معناه التوزيع مناصفة بل سوف يحدد قدر المجهود الذي بذل من طرف كل واحد وأثر ذلك المجهود على ما تم اكتسابه من أموال . وبطبيعة الحال فإن تقدير المجهود متروك للمحكمة التي عليها أن تقدر مدى المجهود ونوعه وأثره على ما تحقق من كسب مال خلال فترة الزواج . ج) التطليق بسبب الشقاق : يعتبر التطليق للشقاق من أهم مستجدات المدونة أيضا إذ حل مشكل الزوجة التي كانت تعجز عن إثبات الضرر وأسباب طلبات التطليق الأخرى (المادة 95 من المدونة) خصوصا وأنه يفصل في دعوى الشقاق في أجل لا يتجاوز ستة أشهر من تاريخ تقديم الطلب . ويعتبر الشقاق الخلاف العميق المستمر بين الزوجين لدرجة يستحيل معها استمرار العلاقة الزوجية , علما أن المحكمة تراعي مسؤولية كل من الزوجين عن سبب انفصام العلاقة عند تقديرها لما يمكن الحكم به عن المسؤول لفائدة الزوج الآخر . وللإشارة فقد عرفت المحاكم عددا مهولا من طلبات التطليق للشقاق إلى حد أن البعض اعتبر أن فتح هذا الباب أدى إلى إلحاق ضرر باستقرار الأسر على اعتبار أن الزوجة قد تطلب التطليق للشقاق لأتفه الأسباب تلك الأسباب التي كانت تتحملها أمهاتنا بصبر قبل دخول مسطرة الشقاق حيز التطبيق . أما البعض الآخر الذي يقدس الحرية الشخصية لكل فرد فقد اعتبرها آداة خلاص خصوصا بالنسبة للمرأة التي كانت لا تملك هذا الحق , فتظل تعاني من تعسفات زوج ظالم إلى أن توارى التراب . ح) التعدد : من أهم المكتسبات التي حققتها مدونة الأسرة أن التعدد أصبح خاضعا لقيود شرعية صارمة طبقا لمقتضيات المواد 40 إلى 46 إذ لا يأذن القاضي بالتعدد إلا بعد التأكد من قدرة الزوج على توفير العدل بين الزوجة الأولى والزوجة الثانية وللمرأة طبعا ان تشترط على الزوج عدم التزوج عليها وأصبح إخلال الزوج بشرط من شروط عقد الزواج يخول للزوجة الحق في طلب التطليق طبقا للمادة 98 من مدونة الأسرة وفي حالة عدم توفر الشرط وجب استدعاء الزوجة الأولى لإشعارها بالتزوج عليها وإشعار الزوجة الثانية بأن الشخص الذي يريد أن يتزوج بها متزوج بامرأة أخرى وبذلك يتبين أن مدونة الأسرة أسندت الإختصاص للمحكمة بدل قاضي التوثيق وفي ذلك ضمانة كبيرة لحقوق المرأة . ومما لوحظ في هذا المجال أن هناك محاكم تتشدد في تطبيق المبرر الإستثنائي وهناك أخرى تستعمل سلطتها التقديرية حسب نوازل الحال وأنه بالنسبة للجهة الشرقية فإن محاكم الموضوع أدنى درجة تتشدد في تفسيرها للمبرر الإستثنائي في حين أن محاكم الإستئناف تستعمل سلطة الملائمة لتقدير المبرر الإستثنائي . وفي هذا الصدد أصدرت محكمة الإستئناف بوجدة قرارا عدد 93 بتاريخ 01/02/2006 تصدى بإلغاء الحكم الإبتدائي القاضي برفض التعدد معللة قرارها هذا بما يلي : وبعد المداولة طبقا للقانون : " حيث أن هذه المحكمة بعد اطلاعها على وثائق الملف ومحتوياته على الصعيد الإبتدائي والإستئنافي ودراستها لعلل الحكم المستأنف تبين لها بأن ما نعاه المستأنف في محله ذلك أن الثابت من وثائق الملف وخاصة منها الشواهد الطبية المؤرخة في 20/06/2005 أن الزوجة ت . ج تعانى من قصور كلوي وتخضع للتصفية الدموية بصفة مستمرة كما أن الشهادة المؤرخة في 07/07/2005 تفيد أن الزوجة ت . ر أعضائها التناسلية منكمشة مع استئصال الرحم هذا من جهة , ومن جهة أخرى فإن الزوجتين معا قد وافقتا كتابة على التعدد ولم يمانعا من ذلك وهو ما أكدته الزوجة ت . ر أمام هذه المحكمة , وحيث أن المستأنف أدلى للمحكمة بشواهد إدارية تفيد أنه يستغل قطع فلاحية مغروسة بالزيتون وأن مهنته الفلاحة وأن هذه المواد الفلاحية كافية لإعالة أسرة مكونة من ثلاث زوجات وضمان جميع الحقوق من نفقة وإسكان وغيره في البيئة البدوية التي يعيش فيها . وحيث أن مرض الزوجتين ثابث من الشواهد الطبية كما أن موافقتهما قائمة في النازلة كل ذلك يشكل له مبررا موضوعيا استئنائيا للإذن له بالتعدد وان محكمة أولى درجة لما لم تراع ذلك تكون قد جانبت الصواب مما توجب إلغاء مقررها والحكم وفق الطلب تمشيا مع قاعدة درء المفاسد وإحصانا له من المحرمات . وفي الختام فإن آليات التفعيل والتطبيق لمدونة الأسرة يستلزم بالضرورة وجود جهاز قضائي متماسك مؤطر تأطيرا علميا وأخلاقيا مختص في قضايا الأسرة حتى يكون قدوة حسنة في حل النزاعات . يجب على مكونات المجتمع المدني من جمعيات ومنابر إعلامية ومؤسسات تربوية وأحزاب سياسية القيام بواجبهم تجاه المواطنين عن طريق عقد الندوات والمحاضرات والدورات التدريبية من أجل الفهم الصحيح لنصوص المدونة والتوعية بمضامينها وأهدافها وأبعادها .