حيث صح ما عابه الطالب على القرار في جزئه المتعلق بالمتعة، ذلك أنه بمقتضى المادة 84 من مدونة الأسرة لا يحكم بالمتعة إلا في حالة الطلاق أو التطليق الذي يوقعه الزوج، أما إذا كان طلب التطليق من الزوجة فإنه لا يُقضى لها بالمتعة والمحكمة التي قضت للمطلوبة بالمتعة رغم أنها هي التي سعت إلى التطليق للشقاق تكون قد خرقت المادة 84 من مدونة الأسرة تفيد الأبحاث والإحصائيات أن عدد قضايا الطلاق بالمغرب في ظرف سنة واحدة يفوق 41ألف حالة طلاق، وتتقدم طلبات التطليق بسبب الشقاق طلبات التطليق التي تقدمت بها الزوجات، تليها طلبات التطليق بسبب غياب الزوج ومن بعدها طلب التطليق بسبب عدم الإنفاق... قضايا الطلاق لا تخلو من مشاكل وتعقيدات، والأحكام الصادرة في بعضها تفرز اجتهادات وتطرح تساؤلات، وأسفله ندرج قرارا صادرا عن المجلس الأعلى خلف ردود فعل متباينة، ويتعلق بمسألة هل للمرأة المطلقة حق المتعة أم لا؟. يستشف من هذا القرار أن غرفة الأحوال الشخصية والميراث خلصت إلى نقض جزئي لحكم المحكمة التي قضت بالمتعة لفائدة الزوجة التي كانت قد طلبت الطلاق للشقاق خلافا لأحكام المادة 84 من مدونة الأسرة. القرار أسفله وصف ب»زلزال قضائي سيضر بمصالح كل طالبات التطليق»، بنظر الأستاذ رشيد وهابي الذي نشر تعليقا في الموضوع. وقال في تعليق نشرته مجلة قضاء المجلس الأعلى أن «القرار مثير قد يقلب كل أحكام محاكم الموضوع، في شقه المتعلق بمستحقات طالبات التطليق، رأسا على عقب، بل يمكن أن نقول إن هذا القرار سيمس طالبات التطليق في أهم مستحق بعد أن يحكم القاضي بالتطليق المطلوب من المرأة، وبالخصوص في طلبات التطليق للشقاق وهو واجب المتعة، وهذا القرار يمكن أن يحرك ملفات نائمة منذ صدور المدونة، ستدفع الأزواج الذين كانوا محل مسطرة تطليق خصوصا التطليق للشقاق بطلب من زوجاتهم إلى استئناف الأحكام التي قضت عليهم بأداء المتعة، إذا كانت هذه الأحكام غير مبلغة، ونحن نعلم جيدا أن هذه الأحكام لا تبلغ إلا في ما ندر». وأضاف في تعليقه: «المعروف شرعا أن حق الطلاق في الأصل موكول للزوج دون غيره، واستثناء إذا طلق القاضي الزوجة بناء على طلبها كما في حالة التطليق للشقاق، فإن الطلاق لا يصدر عن الزوجة، وإنما عن القاضي بناء على ثبوت ضرر أصاب الزوجة من شقاق أو هجر أو غيره وفي هذه الحالة، فالقاضي يصدر التطليق نيابة عن الزوج وفقا لمذهب الحنفية. وأجمع الفقهاء على مشروعية المتعة للمطلقة سواء طلقها الزوج أو طلبت التطليق بنفسها والمتعة هي ما يعطيه الزوج من ماله لمطلقته أو طليقته جبرا لخاطرها، وهي كذلك ما وصلت به بعد الطلاق». زلزال قضائي فيما يلي نص القرار عدد 123 الذي وصف بالزلزال القضائي: «حيث يستفاد من وثائق الملف، ومن القرار المطعون فيه رقم 7 الصادر بتاريخ 2009/1/6في القضية عدد 2008/7-424 عن محكمة الاستئناف بالحسيمة، أن المطلوبة ادعت بمقال مؤدى عنه بتاريخ 2006/11/20 بالمحكمة الابتدائية بنفس المدينة أنها زوجة شرعية للطالب وقد أهملها وتركها دون نفقة واستحالت بذلك المعاشرة الزوجية بينهما، طالبة في منتهى مقالها الحكم بتطليقها منه للشقاق واستظهرت بصورة عقد زواج وحكم بأداء النفقة. وبعد إجراء محاولة الصلح بين الطرفين وتعذره وانتهاء الإجراءات قضت المحكمة بتاريخ 08/12/14 في الملف 06/754 بتطليق المطلوبة من عصمة الطالب للشقاق وبتحديد متعتها في مبلغ سبعة آلاف درهم، وتكاليف سكناها خلال العدة في مبلغ أربعة آلاف وخمسمائة درهم، وأجرة الحضانة في مبلغ مائة وخمسين درهما، وتكاليف سكنى المحضون بحسب سبعمائة درهم في الشهر ابتداء من تاريخ الحكم إلى غاية سقوط الفرض عنه شرعا، فاستأنفه الطالب أصلا كما استأنفته المطلوبة فرعيا. وبعد الانتهاء من تبادل الردود والمستنتجات أصدرت المحكمة قرارها المطعون فيه القاضي بتأييد الحكم المستأنف. حيث يعيب الطالب القرار في الوسيلة الأولى بخرق المواد 94 و95 و96 من مدونة الأسرة، ذلك أن المحكمة مصدرته لم تأخذ بعين الاعتبار أوجه استئنافه للحكم الابتدائي من حيث تحديد المسؤولية عن الطلاق وتحديد المستحقات على ضوء الحكم الأجنبي الصادر بين الطرفين خصوصا أن مقتضيات مدونة الأسرة في هذا المجال واضحة وتتطلب انتداب حكمين وإجراء البحث اللازم حول الطرفين قبل إصدار أي قرار فجاء لذلك القرار المطعون فيه خارقا للمواد المحتج بها مما يعرضه للنقض. حيث صح ما عابه الطالب على القرار في جزئه المتعلق بالمتعة، ذلك أنه بمقتضى المادة 84 من مدونة الأسرة لا يحكم بالمتعة إلا في حالة الطلاق أو التطليق الذي يوقعه الزوج، أما إذا كان طلب التطليق من الزوجة فإنه لا يُقضى لها بالمتعة والمحكمة التي قضت للمطلوبة بالمتعة رغم أنها هي التي سعت إلى التطليق للشقاق تكون قد خرقت المادة 84 من مدونة الأسرة وعرضت قرارها للنقض جزئيا في هذا الشأن، أما بالنسبة لباقي الفروض المحكوم بها فإن المحكمة في إطار سلطتها حددتها بعد أن راعت حال الطرفين والوقت على ضوء ما قدم لها من وثائق وبعد أن ثبت لها أن الحكم الأجنبي لم يشملها فيما قضى به مما يبقى معه النعي في هذا الجزء بدون أساس. وينعي الطالب على القرار في الوسيلة الثانية انعدام التعليل ذلك أن المحكمة لم تجب على أوجه استئنافه للحكم الابتدائي والمعززة بحجج. لكن حيث إن الطالب لم يبين أوجه الاستئناف التي أثارها في مقال استئنافه ولم تجب عنها المحكمة مما يجعل الوسيلة غامضة وغير مقبولة. لهذه الأسباب قضى المجلس بنقض القرار المطعون فيه. وكانت هيئة الحكم مكونة من إبراهيم بحماني: رئيسا، والأساتذة: محمد بنزهة: مقررا، وعبدالكبير فريد، ومحمد ترابي، وحسن منصف: أعضاء، وعمر الدهراوي: محاميا عاما، وفاطمة أوبهوش، كاتبة للضبط. أضواء على التطليق للشقاق يعتبر التطليق بسبب الشقاق من أهم المستجدات التي جاءت بها مدونة الأسرة، حيث جعلت الطلاق بيد كل من الزوجين خلافا للطلاق الذي كان في الأصل للزوج ما لم يملك الزوج زوجته حق إيقاع الطلاق. والتطليق للشقاق كالطلاق لا يجوز اللجوء إليه الا استثناءا بعد إنهاء القاضي مساعيه لإصلاح ذات البين. ويرى الباحثون أن مدونة الأسرة لم تعرف الشقاق بشكل دقيق، باعتبار أن التعاريف مبدئيا هي من اختصاص الفقهاء. وحسب مدونة فإن الشقاق هو الخلاف العميق والمستمر بين الزوجين لدرجة يتعذر معها استمرار العلاقة الزوجين. وقد عرفته الاجتهادات القضائية بكونه الحالة الواقعية التي يتعذر فيها استمرار العلاقة الزوجية، لان كل طرف فيه يكون في جانب بعيدا عن قرينه، بسبب غلبة العداوة والمباغضة والكراهية فتشقق أواصر المودة وتتصدع السكينة والطمأنينة بينهما على نحو يفرغ الزواج من أسس استمراره ويحول دون مباشرة الحقوق والواجبات المتبادلة بين الزوجين. وتجدر الإشارة إلا انه بالرغم من المجهودات التي يقوم بها القضاة أجل الصلح بين الزوجين فإن الإحصائيات الصادرة عن وزارة العدل، المتعلقة بقضايا الشقاق، تكشف أن نسب الصلح مازالت دون المستوى المطلوب. حسب احصائيات 2009، أي بعد مرور حوالي ست سنوات من تطبيق مدونة الأسرة، سجل على مستوى المحاكم المغربية تطليق 24 ألفا و170 شخصا، منها 9 آلاف و987 حالة جرى فيها الطلاق بالاتفاق، ما يمثل نسبة تعادل 41 في المائة من مجموع الحالات المطلقة، مقابل 3 آلاف و761 حالة طلاق رجعي، و5 آلاف و894 حالة طلاق خلعي، و36 للطلاق المملك، و71 حلة للطلاق المكمل للثلاث. وسجلت المحاكم المغربية، حسب إحصائيات وزعتها بمناسبة الذكرى السادسة لصدور مدونة الأسرة، تراجع نسبة الطلاق سنة 2009، مقارنة مع سنة 2008، التي طلقت خلالها المحاكم 27 ألفا و935 شخصا. وأفادت احصائيات وزارة العدل أن نسبة التطليق ارتفعت خلال السنة الماضية، إذ انتقلت من 27 ألفا و441 حالة سنة 2008 إلى 31 ألفا و85 حالة خلال 2009، ما يعادل زيادة بنسبة 13.28 في المائة.