أحدث التطليق للشقاق الذي جاءت به مدونة الأسرة منذ ست سنوات جدلا كبيرا في الأوساط القانونية والحقوقية، بين من اعتبر أن هذا النوع من الطلاق عمق الهوة بين الزوجين، وتسبب في ارتفاع نسبة انحلال ميثاق الزوجية، وبين مرجح أن التطليق للشقاق بمثابة إجراء وقائي متدرج يهدف إلى حل النزاع بين الزوجين، حتى إذا ما استحالت العشرة بينهما لسبب من الأسباب للقاضي تقدير ذلك والحكم بانفصالهما عن بعض. وبين هذا وذاك، سجلت الإحصائيات الأخيرة لوزارة العدل على مستوى انحلال ميثاق الزوجية، سنة 2009 انخفاضا ملحوظا، إذ سجل سنة 2008 ما مجموعه 27 ألفا و935 رسما، في حين تم تسجيل 24 ألفا و170 رسما خلال سنة ,2009 وعرفت نسبة أحكام التطليق للشقاق ارتفاعا ملحوظا، إذ تجاوزت سنة 2009 ما نسبته 94 في المائة من حالات التطليق عرفت إقبالا من لدن الزوجين معا. في قضية اليوم، سنتطرق إلى إحدى حالات التطليق للشقاق حاول الزوج بداية التشبث ببيت الزوجية ورفض تطليق زوجته، حيث رفع ضدها دعوى الرجوع إلى بيت الزوجية، إلا أنها أصرت على التطليق للشقاق. فالقاعدة في هذا الملف الشرعي أن في حالة الحكم بالتطليق للشقاق فإن المحكمة تراعي مسؤولية كل من الزوجين عن سبب الفراق في تقدير ما يمكن أن تحكم به على المسؤول لفائدة الزوج الآخر، و المحكمة لما قضت بأدائها لفائدة الزوج تعويضا عما لحقه من ضرر وحددته في إطار سلطتها التقديرية؛ معتمدة في ذلك على مسؤوليتها الكاملة في التطليق للشقاق، وماتكبده الزوج من مصاريف لإقامة حفل الزفاف وتجهيز العروس، والضرر المعنوي الذي أصابه تكون قد بنت سلطتها على الوثائق المدرجة بالملف، وعلى البحث الذي أجرته في القضية. فما هي حيثيات هذه القضية؟ وما هي مؤاخذات الزوج على الحكم الذي قضت به المحكمة. طلب طلاق يستفاد من وثائق الملف الشرعي عدد 2007/1/2/61 المؤرخ في 2008/9/,10 ومن القرار المطعون فيه الصادر عن محكمة الاستئناف بالبيضاء بتاريخ 2006/7/10 تحت عدد 1570 في الملف عدد 2005/2356 أن الطاعنة غ. ب قدمت بتاريخ 2004/6/23 مقالا إلى المحكمة الابتدائية بالدارالبيضاء عرضت فيه أنها متزوجة بع. م، إلا أنه لا يحسن معاشرتها، ولا يحترمها، ويعرضها للمساومة من أجل أن تنجز له أوراق الإقامة بالخارج؛ ملتمسة الحكم بتطليقها منه للشقاق وتمكينها من جميع مستحقاتها. وأجاب الزوج بأنه يحسن معاملة زوجته، ولم يسبق له أن أساء إليها، وأنها توجد باستمرار بالخارج، وهو يرغب في رجوعها إلى بيت الزوجية، وقد استعمل معها جميع المحاولات بغرض الرجوع لكن بدون جدوى ملتمسا الحكم برفض الطلب. وفي مقاله المضاد التمس الحكم عليها بالرجوع إلى بيت الزوجية والحكم لفائدته بتعويض عن التطليق في حدود 200 ألف درهم، وبعد إجراء بحث وتعقيب الطرفين على نتيجته قضت المحكمة الابتدائية بتاريخ 2005/6/27 في الطلب الأصلي بتطليق الطاعنة من عصمة زوجها المطلوب طلقة بائنة للشقاق، مع تحديد مستحقاتها المترتبة عن هذا التطليق في 2000 درهم عن المتعة، و1500 درهم واجب سكناها خلال فترة العدة، و3000 درهم عن مؤخر الصداق، وفي الطلب المضاد بأداء الطاعنة لفائدة المطلوب تعويضا قدره 50 ألف درهم، ورفض طلب الرجوع إلى بيت الزوجية فاستأنفته الطاعنة كما استأنفته المطلوب استئنافا فرعيا، وبعد تبادل المذكرات وانتهاء الردود قضت محكمة الاستئناف بتأييد الحكم المستأنف وهو القرار المطعون فيه من الطاعنة بواسطة نائبها بمقال تضمن ثلاثة وسائل. نقض الحكم تعيب الزوجة/الطاعنة على القرار المطعون فيه في الوسائل مجتمعة للارتباط بانعدام الأساس القانوني، وانعدام التعليل، ذلك أن المحكمة الابتدائية راعت في تقديرها للتعويض الناتج عن التعسف في إيقاع التطليق للشقاق مسؤوليتها في ذلك، وما تكبده المطلوب من مصاريف لإقامة حفل الزفاف وتجهيز العروس، إضافة إلى الضرر المعنوي الذي أصابه بعد أن استمعت إلى الشهود بجلستي البحث المنعقدتين بتاريخ 2005/4/19 و2005/4/26 . ومحكمة الاستئناف لما أيدت الحكم الابتدائي معتمدة في ذلك على شهادة الشاهد أحمد الذي سمع فقط بحفل الزفاف ولم يحضره، واستبعدت الحجج التي أرفقتها بمقالها الاستئنافي والتي تثبت كتابة المصاريف التي أنفقتها والدتها ولم تجب عنها مع أن المطلوب لم يطعن في هذه الحجج تكون قد بنت قضاءها على غير أساس فجاء قرارها بذلك منعدم التعليل، مما يعرضه للنقض. لكن لما كانت المادة 97 من مدونة الأسرة تنص على أنه في حالة الحكم بالتطليق للشقاق فإن المحكمة تراعي مسؤولية كل من الزوجين عن سبب الفراق في تقدير ما يمكن أن تحكم به على المسؤول لفائدة الزوج الآخر، والثابت من أوراق الملف أن المطلوب تشبث بالطاعنة ورفع ضدها دعوى الرجوع إلى بيت الزوجية، وأنها هي التي أصرت على التطليق للشقاق، والمحكمة لما قضت بأدائها لفائدة المطلوب تعويضا عما لحقه من ضرر وحددته في إطار سلطتها التقديرية في 50 ألف درهم، معتمدة في ذلك على مسؤوليتها الكاملة في التطليق للشقاق وما تكبده المطلوب من مصاريف لإقامة حفل الزفاف، وتجهيز العروس، والضرر المعنوي الذي أصابه، وأن المصاريف التي أسهم بها والدها في حفل الزفاف لا تجبر الضرر الذي أصاب المطلوب، تكون قد بنت سلطتها على الوثائق المدرجة بالملف، وعلى البحث الذي أجرته في القضية، وطبقت مقتضيات المادة 97 تطبيقا سليما، وجاء بذلك قرارها سليم التعليل ويبقى ما أثير بدون أساس، ومن ثم قضى المجلس الأعلى برفض الطلب، وإعفاء الطاعنة من المصاريف. *** ذ. عبد المالك زعزاع (المحامي بهيئة الدارالبيضاء): يمكن لنفقة الزوجة والمستحقات المترتبة عن التطليق للشقاق أن تتأثر سلبا أو إيجابا بسبب مسؤولية الطرف الذي كان سببا في الشقاق إن نازلة اليوم تتعلق بالتعسف في طلب التطليق للشقاق، ذلك أنه يمكن للطرف المتضرر من دعوى الشقاق المطالبة بتعويض بناء على طلب تؤدى عنه غالبا الرسوم القضائية، ذلك أنه يجب على المحكمة وهي تنظر في دعوى الشقاق أن تراعي في تقدير التعويض مسؤولية المتسبب منهما في الفراق فتبحث هل سبب النزاع كله من الزوجة أو كله من الزوج، أم أن الأمر متبادل بينهما. وفي نازلة الحال قضت المحكمة لفائدة الزوج تعويضا مدنيا عما لحقه من ضرر حددته في إطار سلطتها التقديرية، معتمدة في ذلك على مسؤوليتها الكاملة في التطليق للشقاق وما تكبده الزوج من مصاريف لإقامة حفل الزواج، وتجهيز العروس و الضرر المعنوي الذي أصابه، وذلك ما تقدم به الزوج في إطار الطلب المضاد لمواجهة دعوى الشقاق التي تعسفت فيها الزوجة. ذلك أنه اتضح للمحكمة جليا في جميع مراحل التقاضي في هذه النازلة المساهمة الكبرى في الشقاق والإصرار العنيد على الفراق وتمسكها به رغم إصرار الزوج على استمرار العلاقة بينهما، الأمر الذي جعل من طلب التعويض طلبا مبررا، حيث قضى المجلس الأعلى برفض طلب الطعن بالنقض، وهو الاتجاه الذي سار عليه في عدة قرارات سابقة بتاريخ 2006/3/15 عدد 519/2/1/,2005 حيث جاء في تعليل هذا القرار لكن حيث إن المحكمة مصدرة القرار المطعون فيه ثبت لها مسؤولية الطاعنة عن سبب التطليق للشقاق في إطار سلطتها من خلال ما استخلصته من وثائق الملف، وظروف النازلة. وخاصة تعذر تنفيذ حكم قضى على الطاعنة بالرجوع إلى بيت الزوجية لوجودها خارج الوطن، وتنفيذها للحكم بالنفقة وإقدام الطاعنة بالرغم من ذلك بتقديم طلب التطليق للشقاق، ثم إنها حددت مبلغ التعويض المستحق للزوج المطلوب في النقض من جراء تعسف الطاعنة في طلب التطليق للشقاق.. وفي نازلة أخرى بالبيضاء، حكم قضاء الأسرة بتاريخ 2005/2/21 على الزوجة في حكم التطليق للشقاق بمثابة ألف درهم تؤديها كتعويض للزوج لارتكابها جريمة الخيانة الزوجية، وفي حكم لقضاء الأسرة بمراكش بتاريخ 2005/3/10 قضت المحكمة لفائدة الزوج بتعويض لجبر الضرر الناتج عن طلب الزوجة للتطليق للشقاق في إطار طلب مضاد تقدم به، ويمكن اعتبار أن الأساس القانوني هو الفصل 97 من مدونة الأسرة، لهذا النوع من الطلاق، والمعتمد أصلا على قواعد المسؤولية التقصيرية الناتج عن الإخلال بالتزامات مفروضة قانونا على الزوجين معا من أجل دوام المعاشرة بالمعروف، بهدف استمرار العلاقة الزوجية بين الزوجين، وبالتالي فإن الإطار القانوني لطلب التعويض في دعوى الشقاق هو المسؤولية التقصيرية، وليس المسؤولية العقدية، لكون الحقوق المتبادلة بين الطرفين وكذا الواجبات لا يجوز أبدا للزوجين الاتفاق على مخالفتها لكونها نصوصا آمرة نص عليها في المادة 51 من مدونة الأسرة، ولكونها مرتبطة برباط مقدس هو في القانون المغربي من النظام العام، كما أنه يمكن لنفقة الزوجة والمستحقات المترتبة عن التطليق للشقاق أن تتأثر سلبا أو إيجابا بسبب مسؤولية الطرف الذي كان سببا في الشقاق. هل الأمر يتعلق بمسؤولية الزوج أو الزوجة أو أن المسؤولية تقع عليهما معا، في هذه الحالة يمكن للمحكمة إعمال نظرية وقواعد تشطير المسؤولية، مع الإشارة إلى أنه يمكن للمحكمة أن ترفض طلب التعويض إذا تبين لها أن الطلب مؤسس من الناحية القانونية والواقعية إذ جاء تعليل أحد المحاكم التي رفضت طلب التعويض، حيث إنه في النازلة لا مجال للحديث عن تعسف الزوجة طالما أنه أي الزوج ليس حريصا على الحفاظ على الرابطة الزوجية؛ بدليل أنه سبق له أن قاضاها أي الزوجة من أجل الإذن له بالإشهاد على الطلاق حسب شهادة التسليم المنجزة في إطار ملف الطلاق، وبانتفاء التعسف يكون طلب التعويض غير مبرر طالما أن المدعية مارست حقا من حقوقها، وممارسة الحق لا يترتب عنها أي تعويض ما لم يكن مقرونا بالتعسف، الأمر الذي يبقى معه رفض طلب التعويض. وتفعيل هذا النوع من الطلبات قد يكون من شأنه الحد من استفحال انتشار ظاهرة التطليق للشقاق لأسباب لا علاقة لها بمفهوم الشقاق الذي هو النزاع المستحكم الذي لا يرجى علاجه، إذ إن محاكم المملكة وقضاة الشقاق لا يكلفون أنفسهم عناء البحث في الأدلة المثبتة للنزاع، وفي مطبوع موحد يكون التعليل منعدما ومعدوما أحيانا أخرى وتصدر أحكام بالجملة تفرق بين الأزواج دون وجود نزاع مستحكم ودون تعيين حكمين في المستوى المطلوب، ودون قيام القاضي أحيانا بدور الصلح المطلوب، حيث تشتت الأسر، وتتدمر حياة أطفال أبرياء لا ذنب لهم، مما ينبغي معه إعادة النظر في طبيعة دعوى الشقاق وإجراءاتها المسطرية، وإضافة بعض القيود للحد من خطورتها ومساهمتها في نسبة الطلاق في المجتمع المغرب.