أصدر المجلس الأعلى بتاريخ 21 شتنبر 2010 القرار عدد 433 التالي رقم 433 في الملف عدد 623/2/1/2009 تبعا لما نشر في مجلة »القضاء والقانون« مرفقا بتعليق للأستاذ ابراهيم بحماني رئيس غرفة بالمجلس الأعلى، الذي اعتبر في تعليقه أنه لأول مرة تتاح للمجلس فرصة ليُبيّن حالات الحكم بالمتعة في الفراق بين الزوجين وحالات الحكم بالتعويض لمن يلحقه ضرر من الآخر، وذلك بالعدد 72 من ذات المجلة: »حيث يستفاد من أوراق الملف ومن القرار المطعون فيه رقم 735 الصادر عن محكمة الاستئناف بوجدة بتاريخ 5 نونبر 2008 في الملف رقم 742/07 أن المدعية تقدمت بواسطة دفاعها بمقال مسجل بتاريخ 2 فبراير 2007 أمام المحكمة الابتدائية بوجدة في مواجهة المدعى عليه المسمى... تعرض فيه أنها متزوجة به غير أنه منذ زواجهما وهو يسيء معاملتها ويقوم بضربها ويمنعها من زيارة عائلتها وأنه استنادا إلى مقتضيات المواد 83و84 و 85 من مدونة الأسرة فإنها تلتمس: الحكم بتطليقها من المدعى عليها بسبب الشقاق أدائه لها تعويضا قدره أربعون ألف درهم لكونه مسؤولا عن الفراق، وأدلت بوثائق. وأجاب المدعى عليه بأن ادعاءات المدعية باطلة وتفتقر إلى الدليل، وأنه أعد لها سكنا جديدا ومستقلا عن عائلته وقد مكثت فيه أكثر من تسعة أشهر ثم غادرت بيت الزوجية بدون سبب، وقد رفع ضدها دعوى من أجل الرجوع إلى بيت الزوجية وصدر حكم بذلك بتاريخ 19/4/2007 في الملف رقم 63/07 وأنها امتنعت عن الرجوع إليه حسب محضر الامتناع في ملف التنفيذ عدد 54/07، ملتمسا رفض الطلب، وأدلى بوثائق. وبعد إجراء محاولة الصلح بين الطرفين وفشله، تقدمت المدعية بواسطة دفاعها بتاريخ 6/8/2007 بطلب إضافي التمست فيه الحكم على المدعى عليه بأدائه لها نفقتها حسب 800 درهم شهريا ابتداء من تاريخ الإهمال 31/12/2006 إلى تاريخ الحكم بالتطليق، وبأدائه لها كالىء صداقها وقدره عشرة آلاف درهم، وتحديد مدة الإجبار في الأقصى مع النفاذ المعجل والصائر. وبعد انتهاء الإجراءات قضت المحكمة بتاريخ 9/10/2007 في الملف رقم 307/07 بتطليق المدعية المسماة .... من المدعى عليه المسمى .... طلقة بائنة للشقاق، وبأدائه لها مؤخر صداقها المحدد في 10.000 درهم ومتعتها بحسب 8000 درهم وتكاليف سكناه حسب 1500 درهم ونفقتها حسب 350 درهم شهريا ابتداء من 1/1/2007 إلى تاريخ 17/5/2007، مع النفاذ المعجل والصائر، وبتوجيه ملخص هذا الحكم لضابط الحالة المدنية لمكان ازدياد الطرفين لاتخاذ المتعين، فاستأنفه الطرفان بواسطة دفاعهما، حيث استأنفه المدعى عليها استئنافا أصليا في حين استأنفته المدعية استئنافا فرعيا، وبعد انتهاء الإجراءات، قضت محكمة الاستئناف بتأييد الحكم المستأنف، وهذا هو القرار المطلوب نقضه من طرف الطاعن بواسطة دفاعه بمقال يتضمن وسيلتين أجاب عنه دفاع المطلوبة في النقض بمذكرة ترمي إلى رفض الطلب. فيما يتعلق بالمقطع الأول من الوسيلة الثانية المتخذة من خرق المادة 84 من مدونة الأسرة: ذلك أن الطاعن أثار بأن هذه المادة تنص على أنه يراعي في تقدير مستحقات الزوجة فترة الزواج والوضعية المادية للزوج وأسباب الطلاق ومدى تعسف الزوج في توقيعه، إلا أن المحكمة قد عممت الحديث عن مسؤولية التطليق دون الحديث عن أسباب ومسؤولية الزوجة في إيقاعه، لأن العارض لا مسؤولية له في النازلة، وقد أدلى بما يفيد امتناعها عن الرجوع لبيت الزوجية. ومع ذلك حكم لها بواجب المتعة المقدر في 8000 درهم مع أنها المسؤولة الوحيدة عن طلب التطليق، وما ادعته في جلسة الإصلاح يبقى مجردا عن الإثبات، والقرار المطعون فيه لما لم يجب عما أثاره الطاعن في شأن مسؤوليتها عن التطليق فإنه جاء غير معلل ومعرضا للنقض. حيث تبين صحة ما أثاره الطاعن في هذا المقطع من الوسيلة الثانية، ذلك أن المطلوبة قد طلبت في مقالها الرامي إلى التطليق بسبب الشقاق تعويضها بمبلغ 40.000 درهم باعتبار الطاعن هو المسؤول عن سبب الفراق، بينما قضت لها المحكمة بمتعة قدرها 8000 درهم، وأنه بمقتضى المادة 84 من مدونة الأسرة فإن المتعة إنما يحكم بها في حالة الطلاق أو التطليق الذي يتم بطلب الزوج، والمحكمة المتعة إنما يحكم بها في حالة الطلاق أو التطليق الذي يتم بطلب الزوج، والمحكمة لما حكمت لها بالمتعة رغم أنها طلبت الحكم بالتعويض، ودون أن تحدد مسؤوليته عن الفراق لترتب على ذلك التعويض المستحق لها عند الاقتضاء، فإنها تكون قد خرقت المادة المحتج بها وعرضت قرارها للنقض جزئيا فيما ذلك. وحيث يعيب الطاعن في الوسيلة الأولى، المتخذة من عدم ارتكاز الحكم على أساس قانوني وسوء التعليل أن محكمة الاستئناف لم تجب عن الدفع كون المطلوبة في النقض قد تنازلت عن الدعوى التي التمست بمقتضاها الحكم لها بنفقتها عن الفترة ما قبل الطلاق، وأنه أدلى بنسخة حكم يفيد تنازلها عن تلك الفترة ومن ثم فإن المدة المحكوم لها بالنفقة لا تمت إلى الحقيقة بصلة، فضلا على أنه حكم لها بالصداق مع أنها أخذته تبعا للتنازل المذكور. لكن حيث إن التنازل المتمسك به من طرف الطاعن يتعلق بفترة تبتدئ من 22/6/2006، في حين أن الطاعن يقر أثناء جلسة البحث بأن زوجته خرجت من بيت الزوجية ابتداء من 1/1/2007 وهو التاريخ الذي اعتمدته محكمة الموضوع للحكم لها بنفقتها، وبالتالي فإن التنازل لا علاقة له بالمدة المحكوم بها، كما أن الطاعن لم يثبت أداء كالئ الصداق بحجة مقبولة، وأن الثابت كتابة لا يزول إلا بالكتابة، وأن التنازل لا يشير إلى براءة ذمته منه لذلك يبقى النعي غير مؤسس. وحيث يعيب الطاعن في المقطع الثاني من الوسيلة الثانية، بأنه مقتنع كون القضية ستحال على ابتدائية بركان، لعدم الاختصاص المكاني لابتدائية وجدة باعتبار أن بيت الزوجية يتواجد بمدينة السعيدية، وأن ما أدلت به المستأنف عليها من شهادة السكنى هو تحريف للحقيقة لأنها لاتسكن بمدينة وجدة وأن القرار المطعون فيه لم يجب على هذا الدفع لذلك يتعين نقضه. لكن حيث إنه من جهة قد صدر حكم بالتطليق للشقاق، وأنه استنادا إلى المادة 128 من مدونة الأسرة فإن المقررات القضائية الصادرة بالتطليق تكون غير قابلة لأي طعن في جزئها القاضي بإنهاء العلاقة الزوجية، ومن جهة أخرى فإن المحكمة مختصة استنادا إلى عقد الزواج المعتمد بدائرتها وشهادة سكنى المطلوبة المدلى بها بالملف، لذلك يبقى ما أثير غير مقبول في جزء منه وغير مؤسس في الجزء الآخر. لهذه الأسباب: قضى المجلس الأعلى بنقض القرار المطعون فيه جزئيا فيما قضى به من متعة المطلوبة«. وكانت غرفة الأحوال الشخصية والميراث بالمجلس الأعلى مكونة من الأساتذة: إبراهيم بحماني: رئيسا، وعبد الكبير فريد: مقررا، وأحمد الحضري ومحمد ترابي وحسن منصف: أعضاء، وعمر الدهراوي: محاميا عاما والسيدة فاطمة أو بهوش: كاتبة للضبط. تعليق على القرار: استحقاق المتعة أو التعويض في قضايا التطليق يمكن القول بأنه لأول مرة تتاح فرصة للمجلس الأعلى ليُبين حالات الحكم بالمتعة في الفراق بين الزوجين، وحالات الحكم بالتعويض لمن يلحقه ضرر من الآخر. ومن المعلوم فقها أن المتعة لايحكم بها إلا في حالات الطلاق الذي يوقعه الزوج وهو ما كان يطبق أثناء تطبيق مدونة الأحوال الشخصية، كما جاء في الفصل 52 مكرر المضاف بظهير 1993/9/10 الذي نص على أنه: (يلزم كل مطلق بتمتيع مطلقته إذا كان الطلاق من جانبه بقدر يسره وحالها، إلا التي سمي لها الصداق وطلقت قبل الدخول. إذا ثبت للقاضي أن الزوج طلق بدون مبرر مقبول، تعين عليه أن يراعي عند تقدير المتعة ما يمكن أن يلحق الزوجة من أضرار). ويفهم من هذا الفصل أن الطلاق إذا كان من جانب الزوجة، كما حالة طلاق التمليك فإنه لامتعة للمطلقة لأن الطلاق لم يكن من جانب الزوج. أما في مدونة الأسرة، فإن المشرع في المادة 84 ربط استحقاق المطلقة للمتعة بالطلاق الذي يوقعه الزوج، ولم يربطه بالتطليق الذي تطلبه الزوجة. وقد أوردت المادة 84 في القسم الثالث من الباب الثاني من الكتاب الثاني، وهذا القسم يتضمن المواد المتعلقة بالطلاق الذي يطلب الزوج الإذن له به، ولا يتعلق بالتطليق الذي تطلبه الزوجة أو الزوج، لأن هذا التطليق صنفه المشرع في المواد التي تنظمه في القسم الرابع من نفس الباب الثاني المذكور. فقد تضمن الباب الأول من القسم الرابع المواد الخاصة بالتطليق للشقاق الذي يطلبه أحد الزوجين. ونصت المادة 97 من المدونة على أنه في حالة تعذر الإصلاح واستمرار الشقاق، تثبت المحكمة ذلك في محضر وتحكم بالتطليق وبالمستحقات طبقا للمواد 83 و84 و85 أعلاه، مراعية مسؤولية كل من الزوجين عن سبب الفراق في تقدير ما يمكن أن يحكم به على المسؤول لفائدة الزوج الآخر.. إذن المادة 97 تنص على الحكم بالمستحقات التي يتعين تحديدها طبقا للمواد 83 و84 و85، وهذه المواد تتعلق بمستحقات الزوجة والأطفال في حالة الطلاق بصفة عامة، لكن المادة 84 بينت كيفية تحديد المتعة وربطتها بالطلاق، فقد نصت على أنه: (يراعي في تقدير المتعة فترة الزواج والوضعية المالية للزوج وأسباب الطلاق، ومدى تعسف الزوج في توقيعه). ونظرا لأن التطليق للشقاق يمكن لكل من الزوجين أن يطلبه، فإنه إذا طلبه الزوج دون أن يثبت إخلال الزوجة بالحقوق والواجبات المنصوص عليها في المادة 51، فإنه يتعين الحكم للزوجة بالمتعة لأن الزوج إنما يطلبه في هذه الحالة ليكون الطلاق بائنا ولئلا يحكم عليه بالنفقة إن لم تكن الزوجة حاملا، ولذلك فإن إنهاء العلاقة الزوجية كان بطلب منه، ومن أجله يتعين الحكم عليه بالمتعة في هذه الحالة. أما في حالة التطليق للشقاق الذي تطلبه الزوجة، ولايطلبه الزوج معها ولايريده فإنه عند الحكم بهذا التطليق لفائدة الزوجة يتعين على المحكمة أن تبين مسؤولية كل من الزوجين عن سبب الفراق، وتقدر ما يمكن أن يحكم به على المسؤول لفائدة الزوج الآخر كما تنص على ذلك المادة 97، ولا تحكم بالمتعة إذا كانت الزوجة وحدها هي طالبة التطليق للشقاق، وإنما يتعين الحكم لها بالتعويض إذا تبين لها أن الزوج مسؤول عن الفراق، كما إذا أدلت بما يفيد أنه أخل بالحقوق والواجبات المتبادلة بين الزوجين المنصوص عليها في المادة 51 من المدونة، كعدم المساكنة الشرعية أو عدم العدل عند التعدد أو عدم الإحصان إلى غير ذلك من الحقوق والواجبات المبينة بالمادة 51 من المدونة. وقد نصت المادة 52 من المدونة على أن الإخلال بالواجبات المذكورة يخول للطرف المتضرر المطالبة بتنفيذ الطرف الآخر ما هو ملزم به أو اللجوء إلى مسطرة الشقاق المنصوص عليها في المواد من 94 إلى 97 من المدونة. ومعلوم أنه بالمقابل إذا طلب الزوج التطليق للشقاق، وأثبت أن الزوجة أخلت بالواجبات والحقوق المنصوص عليها في المادة 51 من المدونة، كما إذا ثبتت في حقها الخيانة الزوجية، فإنها لا تستحق المتعة، ولا يحكم لها بالتعويض إن ثبت أن الزوج لايتحمل أي مسؤولية في الفراق، وإنما يكون من حق الزوج في هذه الحالة طلب الحكم له بالتعويض إذا ثبت أنه هو المتضرر. وإذا طلب الزوج الإذن له بالطلاق، ولم يطلب التطليق للشقاق في هذه الحالة (ثبوت الخيانة الزوجية)، فإنه مع ذلك يتعين الحكم للزوجة بالمتعة، ولكن يجب عند تقديرها مراعاة المتسبب في سبب الفراق، وفي جميع الأحوال فإنه لايحكم بالتعويض سواء للزوجة أو الزوج إلا بعد إثبات الضرر طبقا للقواعد العامة المنظمة للمسؤولية التقصيرية. وخلاصة القول، فإن قرار المجلس الأعلى رقم 433 الصادر في 2010/9/21 في الملف عدد 2009/1/2/623 قد بيَّن بشكل واضح أن المتعة لايحكم بها إلا في حالة الفراق الذي يطلبه الزوج، وهذا هو المعمول به في المذهب المالكي وفي مدونة الأحوال الشخصية سابقا بشكل واضح، أما الفراق الذي تطلبه الزوجة فإنه لايحكم لها بالمتعة، وإنما يحكم لها بالتعويض إذا أثبتت الضرر طبقا للقواعد العامة، كما أنه يحكم للزوج بالتعويض إذا ثبت تضرره من التطليق الذي طلبته الزوجة، كما إذا حكم عليها بالرجوع لبيت الزوجية وامتنعت بدون مبرر مشروع وطلبت التطليق، أو كما إذا عقد عليها وتسلمت مهرا غاليا ثم امتنعت عن الالتحاق ببيت الزوجية بدون مبرر مشروع، ففي مثل هذه الحالات يكون تضرر الزوج واضحا، ولايمكن القول بأنه لم يلحقه ضرر، وأن طلب التطليق من حق الزوجة ولا مسؤولية عليها، وإنما يجب عند دراسة طلبها في جلسة الصلح إشعار كل من الطرفين بالمسؤولية التي يتحملها تجاه الطرف الآخر، وهذا من المستجدات التي جاءت بها مدونة الأسرة. ويظهر من هذا التعليل أن الفرق بين المتعة والتعويض واضح، فالمتعة يحكم بها في حالة الفراق الذي يطلبه الزوج، أما التعويض فيحكم به في الفراق الذي يطلبه أحد الزوجين بسبب مسؤولية الزوج الآخر في الفراق.. والحكم بالتعويض يقتضي إثبات عناصر المسؤولية من خطإ وضرر وعلاقة سببية، طبقا للقواعد العامة. الأستاذ إبراهيم بحماني رئيس غرفة بالمجلس الأعلى