على مستوى الشعر على مستوى السينما على مستوى النقد الأدبي على مستوى المسرح الثقافة في المجال التداولي العربي الإسلامي لها مواصفات يتعين أن تتوافر في الخطاب أيا كانت نوعية هذا الخطاب ' ويمكن في هذا الإطار اعتماد مايقوله المفكر المغربي الكبير الدكتور طه عبد الرحمن في شأن شروط انتاج الخطاب التي تتجلى عبر ثلاثة مستويات: 1- مستوى اللغة 2- مستوى المعرفة 3- مستوى العقيدة فعلى مستوى اللغة يشترط استيفاء شرطي البيان والإيجاز، وعلى مستوى المعرفة يشترط ألا تكون هذه المعرفة معرفة مجردة، بل ذات وجه عملي. ولهذا ربط الإسلام بين العلم والعمل فلا خير في علم لايتبعه عمل ولا خير في عمل لايقوم على علم . أما على مستوى العقيدة ، فيجب أن يكون الخطاب مسددا بالمقاصد الكبرى التي تصب في خدمة الإنسان والتي تعود بشكل أو بآخر إلى قاعدة (جلب المصالح ودرء المفاسد ). وبناء على هذا، يتضح ألاَّ خير في علم ليس معه عمل ولاخير في عمل ليس وراءه علم، كما لاخير في علم مقرون بعمل إذا كان هذا العمل غير مسدد بالمقاصد الكبرى كأن يكون الجانب العملي لايصب في مصلحة الإنسان . هذا باختصار شديد وأرجو ألا يكون مخلا رأي الباحث الألمعي الفذ د. طه عبد الرحمن – حفظه الله- ولعل الناظر في كتب التراث العربي بمختلف فروعه يجد ما يشبه هذا الذي ذهب إليه الدكتور طه عبد الرحمن. فقد تواضع العلماء المسلمون، على أهمية الرؤوس الثمانية، وهي فكرة أرسطية في الأصل بالنسبة لأي مقبل على تعلم علم من العلوم. وبعضهم رفع هذه الرؤوس الى عشرة، وفي ذلك يقول الشيخ الصبان : إن مبادي كل علم عشرةْ * الحد والموضوع والثمره ونسبة وفضله والواضع * والاسم الإستمداد حكم الشارع مسائل والبعض بالبعض اكتفى* ومن درى الجميع حاز الشرفا لقد اهتم العلماء المسلمون بتصنيف العلوم وألفوا في هذا الشأن مصنفات بديعة، "مثل مراتب العلوم" لابن حزم و"إحصاء العلوم" للفارابي و "كشاف اصطلحات الفنون" للتهانوي ...وكل هذه المؤلفات تشير إلى حقيقة أنهم كانوا واعين بالأساس الإبستيمولوجي للعلوم، فلكل علم حد(أي تعريف) وموضوع ومسائل وثمرة وواضع ونسبة من العلوم الأخرى وحكم شرعي، ولا يخرج عن هذه الأصول علم من العلوم نظريا كان أو عمليا اذا أخذنا بالتقسيم الأرسطي الثنائي للعلوم الذي يحصرها في الحكمة النظرية والحكمة العملية؛ أو أخذنا بغيره من التقسيمات وليس هذا مجال الخوض فيها . الثابت إذن أن أي ناظر في علم من العلوم . يجب أن يكون على بينة من هذه الرؤوس الثمانية أو العشرة حسب بعض المتأخرين، ومنهم الشيخ الصبان صاحب الحاشية المشهورة على شرح "السلم في المنطق" . إذا سلمنا بهذه الأمور مجتمعة، وجعلناها بمثابة مقدمة أساسية أو كبرى – حسب اصطلاح المناطقة- فتعالوا ننظر فى بعض تجليات المشهد الثقافي المغربي في ضوء ما سبق عرضه.. على مستوى الشعر : الشعر هو (كلام موزون مقفى يدل على معنى )؛ وهو تعريف جامع مانع أورده الناقد العربي الفذ قدامة بن جعفر في كتابه المشهور ( نقد الشعر). إذا أمعنا النظر في هذا التعريف، وجدناه يقوم على ذكر الجنس والفصل، أي أنه بتعبير المناطقة حد تام، والحد التام هو الذي يتقوم بإيراد الجنس القريب والفصل. أي بذكر المقومات الذاتية التي لاتنفك عن الشئ المعرف ف.(كلام) في قول قدامة هو الجنس القريب، و( موزون مقفى دال على معنى ) هو الفصل، ومعنى هذا أن الشعر لا يتحقق خارج هذه العناصر الذاتية، واذا اختل مقوم من هذه المقومات بطل أن يكون الكلام شعرا، سمه ما شئت ' إلا أن يكون شعرا ..ثم لنلاحظ أن قدامة ذكر في التعريف ( دال على معنى ) أي أن الكلام الذي لا يدل على معنى ليس بشعر. ثبت إذا مايلي: أ- أن الشعر كلام .. ب- أنه موزون ومقفى.. ج- أنه دال على معنى. ويمكن بناء عليه القول إن هذه المقومات ذاتية في الشعر، ومعنى كونها ذاتية. أنها لا تنفك عن الشعر وأن غياب عنصر منها - لامحالة - مفض إلى بطلان شعرية الكلام.. الآن وقد اتضح حد الشعر ( الحد بالمعنى المنطقي الأرسطي ) ' لنلق نظرة خاطفة على واقع المشهد الشعري المغربي في ضوء هذا الذي بسطناه: في مكنة أي متتبع لما يجري في المشهد الشعري المغربي أن يختصر مواصفات هذا المشهد في النقاط التالية : أ- غياب المعنى في النص الشعري. ب- تفشي الركاكة اللغوية، والترخص اللغوي، بل اللحن الفاحش.. ج- النصوص الشعرية أضحت مجرد ترصيف مجاني للألفاظ، أو لعب لغوي لاأقل ولا أكثر. د- غياب الوزن، فغالبية الكتبة (حتى لا أقول الشعراء )وجدوا في مايسمى "قصيدة النثر" مطية ذلولا وملاذا سهلا يكفيهم شر تعلم العروض لأنه يشق عليهم كثيرا، ووجدوا في دعوى الحداثة والتحديث والتجاوز مسوغا لهم لإقتحام ميدان الشعر. ه- ا لنصوص ( حتى لا أقول القصائد) في معظمها مفككة البناء منخورة النسق، لاترابط فيها بين العبارات والجمل. هذا هو الانطباع الذي يمكن أن يخرج به أي متتبع لما يجري في المشهد الشعري المغربي، فوضى عارمة، واستسهال للكتابة ناجم عن غياب الضوابط والأسس والثقافة لدى معظم من يجترحون ميدان الشعر..وعندما تغيب الضوابط تحل الفوضى بالضرورة فلا نظام خارج الضوابط والأصول؛ وهذه قاعدة يقضي بها المنطق السليم؛ فمع غياب الضوابط والأصول يغيب النظام ومع غياب النظام تحل الفوضى، وهذا أمر بديهي لايحتاج إلى استدلال .. ولعل الخطير في الأمر أن البعض يسعى للتنظير لهذه الفوضى الشعرية، أي إلباسها لبوس النظام، وهذا مسعى غريب حقا، فمتى كان النظام حالا في الفوضى، أو كانت الفوضى حالة في النظام، هذا مالا يقبله عقل سليم، بالإضافة إلى أنه مسعى فاشل عقيم، ومضيعة للوقت، وهدر له في مالا طائل من ورائه . يقول سبحانه وتعالى. "أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَّابِيًا وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاء حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِّثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ" الآية 17 سورة الرعد. نحن إذن أمام وهم يعشش في أذهان عدد كبير من (الشعراء) المغاربة وهذا الوهم الشنيع مرده إلى اعتقادهم الخاطئ أن مايكتبونه شعر؛ وهو في واقع الأمر مجرد ترهات وخزعبلات لا يصلها بالشعر الحقيقي أي واشج، وكل مايدبجونه سيذهب لامحالة إلى مزبلة التاريخ. -على مستوى السينما : واقع السينما بالمغرب واقع مزر بكل ماتحمله الكلمة من معنى، فالأفلام المغربية بالإضافة إلى رداءتها الفاقعة على مستوى التمثيل والإخراج والسيناريو، وبالإضافة إلى التلاعب بأموال دافعي الضرائب من طرف القيمين على الشأن السينمائي، وتفشي المحسوبية والزبونية في دعم الأعمال السينمائية، من طرف المركزالسينمائي، بالإضافة إلى كل هذا يمكن للمتتبع للشأن السينمائي بالمغرب ان يسجل ما يلي: أ- السينما المغربية سينما فضائحية بامتياز : الحض على الدعارة، والترويج للرذيلة . ب- السينما المغربية أصبحت وسيلة لبعض المخرجين المغرضين المدعومين من طرف الدوائر الفرنكفونية الأجنبية، للنيل من المقدسات، والسخرية من كل ما يمت إلى الدين بصلة ' حتى إن المتتبع في بعض الأحيان يتساءل عن سر على التركز المشبوه على الدين في هذه الأفلام، فهل صراعنا مع الدين الإسلامي الذي كرم الإنسان، وانتشله من الظلمات. أم مع الإستعمار بكل تجلياته: الفرنكفونية، والغرب الاستعماري، والقيم والاستهلاكية . ج- السينما المغربية أصبحت سينما التطبيع مع الكيان الصهيوني: فبدعوى التسامح والانفتاح على الآخر وهي معزوفة قديمة لا تنطلي على ذي لب، بدأ بعض المخرجين المشبوهين ينتجون أفلاما حول اليهود المغاربة و تاريخهم و سفرهم الى اسرئيل( أرض الميعاد حسب الأسطورة الصهيونية ) وطريقة عيشهم، وأنهم جزء لا يتجزأ من النسيج المغربي، بل من الهوية المغربية بوصفها هوية مركبة ( إسلامية يهودية ) حتى ليخيل إليك أن المسلمين هم الطارئون على المغرب وأن اليهود أكثر تأصلا في المغرب. لا حظ معي مبلغ الوقاحة والصفاقة والخسة التي يتمتع بها هؤلاء المخرجون. د- المخرجون المغاربة لايتورع الكثير منهم عن إعلان حربه على ما يسمى بالفن النظيف . حتى لكأن الفن النظيف أصبح سبة وخطيئة وأن الفن النجس القذر هوالأصل والقاعدة التي يتعين الالتزام بها . لاحظ معي مرة أخرى مدى الصفاقة و الصلف والحقد الأعمى على كل معاني الشرف والكرامة والعفة والهوية، والذاكرة، والدين أي على كل القيم التي تجعل منا بشرا مكرمين لهم وجود في هذا العالم وسقف يحتمون به ومرجعية تعطي معنى لوجود هم أمام الأمم الأخرى .. هؤلاء المخرجون هم في الأغلب الأعم عملاء للدوائر الفرنكفونية الأجنبية وخدام على أعتاب سيدهم الفرنسي الذي يأتمرون بأوامره وينتهون بنواهيه، وما دروا أنهم بفعلتهم هذه إنما يجعلون من أنفسهم أذنابا حقراء في عين سيدهم الفرنسي قبل غيره، ذلك أنهم أذلاء أمامه وسيبقون كذلك ماداموا يحتقرون الهوية والتاريخ والذاكرة واللغة، وكان الكاتب الكبير مصطفى صادق الرافعي -رحمه الله تعالى – يقول : ماذلت لغة قوم إلا ذلوا- والحال أن هؤلاء المخرجين – المفرنسين- قلبا وقالبا لم يكتفوا بإذلال اللغة العربية، وتحقيرها والتنقيص منها، بل تجاوزوا ذلك إلى كل مايتصل بها من الهوية والدين والذاكرة والتاريخ."وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون". إن الحرب التي يشنها هؤلاء المخرجون على الفن النظيف، هي التي جعلت بعض الممثلات التافهات لا يترددن في أداء الأدوار الإباحية الفاضحة، أو التعري الغبي أمام الجمهور كما فعلت المدعوة لطيفة أحرار على خشبة المسرح وهي تؤدي دورا في مسرحية لا لون لها ولاطعم ولارائحة. وكما فعلت الممثلة سناء عكرود في مشهد إباحي فاضح يندى له الجبين في فيلم مصري سخيف رفقة ممثل مصري عربيد تافه معروف بنذالته وخسته وحقارته، وهي التي كانت حتى وقت قريب محببة جدا إلى الجمهور المغربي من خلال أدوارها في مسلسلات محترمة ناجحة كمسلسل "رمانة وبرطال" وليتها حافظت على مكانتها لدى الجمهور المغربي بدل أن تبحث عن مجد فني بين أحضان ممثل مصري تافه .. نخلص من هذا إلى أن السينما المغربية لا تتوافر فيها شروط المجال التداولي الذي حدده طه عبد الرحمن، أي أنها سينما معادية تماما للمجال التداولي العربي الإسلامي بل هي سينما العبث واللاأدرية والفوضى والإباحية، وتحقير الهوية والذات والتاريخ فما هي الثمرة من كل هذالا نغالي إذا قلنا إن ثمرتها هي : 1- تحطيم الثقة لدى المغربي في كل ماهو وطني وقومي وإسلامي . 2- تكريس الهيمنة الأجنبية وثقافة العبث واللاأدرية والفوضى. 3- اختصار الإنسان في أبعاد الإستهلاك واللذة . 4- تبخيس المقدسات والحط من شأن الدين والتراث واللغة والذاكرة والتاريخ. هذه هي السينما المغربية التي تدعم بأموال دافعي الضرائب لكي تجهز على ثقافتهم وهويتهم وكرامتهم وشرفهم. على مستوى النقد الأدبي. وهذه معضلة أخرى. ذلك أن البعض يحلو له أن يقول إن المغاربة متفوقون على المشارقة في هذا الباب وأن النقد المغربي متطور، ومواكب لما يجري في الساحة العالمية من جديد على مستوى السميائيات والبنيوية والشعرية والأسلوبية ...... وهذه الدعاوى يمكن منطقيا نقضها بسهولة، ذلك أنها مؤسسة على مقدمات غير صحيحة ..وكل مابني على باطل فهو باطل، نحن إذن أمام الدعاوى التالية. أ- النقد المغربي متطور بالقياس الى المشرق ب- النقد المغربي نقد زاخر بأحدث المناهج من سميائيات وأسلوبية وشعرية...و...و- الدعوى الأولى هي عبارة عن مقدمة كبرى كما يقال في المنطق والدعوى الثانية هي عبارة عن مقدمة صغرى، وحاصل هذا أننا أمام قياس مركب من مقدمتين هما على الشكل التالي : المقدمة الصغرى: النقد المغربي زاخر بأحداث المناهج... المقدمة الكبرى: وكل ماهو زاخر بأحداث المناهج فهو نقد متطور .. النتيجة ( بعد حذف الحد الأوسط – زاخر بأحداث المناهج-) هي : النقد المغربي نقد متطور.. ولأننا نؤمن بأن الاستدلال لكي يصح يجب أن تصح مقدمتاه الصغرى والكبرى، فلنا أن نتساءل : هل المقدمتان صحيحتان ؟ أما المقدمة الصغرى فعلى فرض صحتها بالنظر الى ما تعج به الساحة النقدية المغربية من مناهج غربية، حتى ليشعر المرء أنها أصبحت بمثابة حاضنة لآخر صيحات الغرب ( وخاصة الفرنكفوني منه ) في مجال النقد : غثه وسمينه؛ فهي لامعنى لها إلا إذا اندرجت في المقدمة الكبرى ( وكل ماهو زاخر بأحداث المناهج متطور ) ولكن هل نسلم بهذه المقدمة الكبرى ؟ بيت القصيد. فهل بالضرورة أن اقتفاء مايجد في الغرب دليل على التطور والابداع، هل الغرب هو المقياس في مدى التطوروالإبداع ؟هل النقد الأدبي وظيفته هي الترجيع الببغاوي لكل ما يستجد في الغرب (وبخاصة الفرنكفوني منه ) أم أن النقد شيء أخر قائم على ثوابتوله وظيفة معينة هي إلقاء الضوء على النصوص الأدبية وتقريبها من القارئ، وتقويم النص على المستوى الفني واللغوي، والبلاغي وكشف ما يعتور النص الأدبى من نقائص واعوجاج . هذه هي وظيفة النقد، وليست وظيفة النقد الأدبي، أن يقوم الناقد بنثر المصطلحات نثرا – كيفما اتفق- وأن يسلك مسلكا غريبا في التحليل و أن يقول النص مالم يقله صاحبه بدعوى – موت المؤلف – وغيرها من الدعاوى الباطلة التي يمجها الذوق السليم والفطرة الصافية. ما معنى أن يصبح كلام الناقد عبارة عن معميات وطلاسم وألغاز واستعراض فج سخيف للمصطلحات ومقابلاتها الأجنبية، وعرض لأنواع من الخطاطات والأشكال و( السهام والنبال) التي لا تفيد إطلاقا في تحليل النص الإبداعي، بل تزيده غموضا وإبهاما. لماذا لا يقول الناقد شيئا عن النص المنقود، لماذا لا يكشف خباياه، وأبعاده، لماذا لاينفذ إلى مضمونه لماذا لا يتطرق إلى الجانب البلاغي في النص .. إذن هل مجرد الارتهان إلى مناهج الغرب دليل على التفوق والتطور؟ إن المنطق السليم لايقبل هذا الأمر إطلاقا .. وبناء عليه، أستطيع أن أجزم أن كتابات طه حسين، والعقاد وإحسان عباس، وشوقي ضيف وعبدالمنعم تليمة وعبد المحسن طه بدر وأحمد الشايب، وناصر الدين الأسد، وأحمد مطلوب، وعز الدين إسماعيل ومحمد مندور، تتحقق فيها شروط النقد الأدبي، فيما تنعدم هذه الشروط أو تكاد عند ( النقاد المغاربة) الذين أضحت كتاباتهم، بفعل غياب الرؤية الواضحة والمنهجية الصارمة وبفعل غياب العلة الغائية أشبه بطقوس السحرة والمشعوذين وكلام الكهان الذي يحتاج فهمه إلى معجزة لا ندري نوعها .. ثبت إذن أن المقدمة الكبرى باطلة، وإذ بطلت ا لمقدمة الكبرى فالنتيجة باطلة .. هل يحترم النقاد المغاربة المجال التداولي العربي الإسلامي كما أسس له المفكر الفذ طه عبد الرحمان ؟ المؤكد أن كل شروط إنتاج المعرفة -كما تصورها طه عبد الرحمن - منتفية تماما في النقد الأدبي المغربي، الأمر الذي يترتب عنه أن هذا النقد هو مجرد هراء ولغو ليس إلا .. على مستوى المسرح المسرح ' هذا الفن الجميل الذي يمنح الفرجة للمشاهد ويجعله يقتنص لحظة فرح جميل، تحول مع كثير من التجارب الفجة إلى مجرد تهريج على الخشبة، وحالة هستيرية لا نظيرلها وهذيان غريب، فتتداخل المشاهد على الخشبة على نحو يجعلك تتساءل، هل أنت أمام مسرحية، أم في سوق شعبي حيث تتعالى الصيحات من كل حدب وصوب . هذا حال عبد الحق الزروالي مثلا ' صاحب ( زكروم الأدب ) و(ما أقبحها من تسمية ) فبالإضافة إلى الأخطاء النحوية الفاضحة التي يرتكبها هذا الشخص على خشبة المسرح، والتي تصطك لها عظام سيبويه – رحمه الله- في القبر. فأنت تجد نفسك أمام شخص يحدث نفسه –كالمجذوب- ويهمهم تارة بكلام غير مفهوم، وأخرى ينط كالقرد على خشبة المسرح، دون أن تعرف لذلك سببا محددا، فلا أنت تعرف لماذا ينط، ولا أنت تعرف لماذا يطلق بين الفينة والأخرى صرخة مدوية تهتز لها جدران القاعة ولا أنت تعرف لماذا يصطنع فجأة البكاء، ولماذا يتبعه أخرى بالضحك، ولاأنت تستطيع أن تتبين موضوع المسرحية. فلا يوجد موضوع أصلا في مسرح الزروالي، ولا يوجد انسجام موضوعي في مسرحه، بل لعلك تكتشف أنه أورد أكثر من مئة موضوع في مسرحية واحدة، دون أن يستوفي أي موضوع منها حقه. فتتساءل بينك وبين نفسك : أهذا هو المسرح، عبارة عن هلوسات وصراخ ' وهستيريا على الخشبة . ملاحظة : ماقلته هنا عن عبد الحق الزروالي، ينطبق على أغلب التجارب المسرحية في المغرب، باستثناء تجربة فريدة جدا ومتميزة، وهي تجربة المسرحي الكبير، عبد الكريم برشيد والمسكيني الصغير والراحل محمد مسكين... الخلاصة: - هل هناك احترام للمجال التداولي العربي الإسلامي على مستوى المشهد الثقافي المغربي.؟ - هل المشهد الثقافي المغربي يعبر عن البعد الغائي والقيم السامية التي يتعين أن تكون حاضرة، هل المشهد الثقافي منخرط في البعد المقاصدي الذي بغيابه تؤول الثقافة إلى مجرد ترف ولهو وترهات وخزعبلات؟ أترك للقارئ الكريم أن يجيب عن هذا بنفسه . وماتوفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب هامش: أود التنبيه على مايلي: أولا : لم أتطرق إلى الجانب الفكري في إبداع المغاربة، لأنني أعتقد أن هذا هو الفرع الوحيد الذي برز فيه المغاربة، وأبلوا فيه بلاء حسنا. ولهذا فأنا أستثني إنجازات المغاربة على المستوى الفلسفي والفكري لأنها بالفعل راقية جدا، وهي وجه مشرق بالفعل، وعليه فما بسطته في هذا المقال لا ينطبق على البحث الفلسفي . ثانيا : لم أتطرق إلى واقع البحث اللساني بالمغرب لأنه يحتاج لى شيء من التفصيل، على أنني سأنظر فيه مستقبلا إن شاء الله تعالى ...