في إطار مواكبة الحوار الوطني حول إصلاح منظومة العدالة المنعقد تحت الرعاية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله،وتنفيذا لكتاب السيد وزير العدل عدد 29 س 1 المؤرخ في 22/06/2012 المتعلق بتنظيم لقاءات بإشراف الرؤساء الأولين لمحاكم الاستئناف والوكلاء العامين للملك لديها مع إشراك القضاة وموظفي هيئة كتابة الضبط والمحامين والعدول والموثقين والمفوضين القضائيين والخبراء والتراجمة والنساخ وكذا فعاليات المجتمع المدني قصد تمكين مختلف الفعاليات المعنية من متابعة أشغال الحوار الوطني والمشاركة في مناقشة المواضيع المطروحة عليه،وتقديم الاقتراحات التي من شأنها أن تفيد في صياغة الميثاق الوطني لإصلاح العدالة،وبعد تنظيم ندوة علمية أولى بتاريخ 28 غشت 2012 حول موضوع “تأهيل الموارد البشرية"،وندوة علمية ثانية بتاريخ 04 أكتوبر 2012 حول موضوع “تعزيز استقلال السلطة القضائية،دعامة أساسية لضمان ممارسة الحقوق والحريات وتحقيق الأمن القضائي"،نظمت ندوة علمية ثالثة يومه الخميس 08 نونبر 2012 حول موضوع “تأهيل المهن القضائية،دعامة أساسية لتحقيق الأمن القانوني والقضائي" بمركز الدراسات والبحوث الإنسانية والاجتماعية بوجدة. و تميزت الجلسة الافتتاحية بكلمة الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف بوجدة الأستاذ إدريس شرفي والتي رحب من خلالها بالحضور الكريم وعلى رأسهم رئيس المجلس العلمي بوجدة،وأبرز في مستهلها البعد الشمولي للإصلاح العميق لمنظومة العدالة والذي لا يقتصر فقط على القضاة وموظفي كتابة الضبط وإنما يخص أيضا المهن القضائية المختلفة،كما تطرق الرئيس الأول لأهمية الدور الذي تلعبه كل مهنة على حدة في مجال مساعدة القضاء وتحقيق الأمن القانوني سواء تعلق الأمر بالمحامين أوالعدول أوالموثقين أوالمفوضين القضائيين أوالخبراء أوالتراجمة أوالنساخ مشيرا إلى أن المهن المذكورة تعرف عدة مشاكل إن على مستوى الشروط المتطلبة لولوجها أو على مستوى التنظيم أو التكوين أو التخليق،وبضرورة تأهيلها من خلال الاهتمام بجانب التكوين والتخليق والتحديث باعتماد الوسائل التكنولوجية الحديثة. كما تناول الكلمة الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بوجدة الأستاذ رشيد تاشفين،حيث أكد على أهمية هذا اللقاء التشاركي لمناقشة موضوع هام ذي صلة بمساعدي القضاء،وحث على التركيز على جانب التخليق والتكوين في مسعى تأهيل المهن القضائية المختلفة،وختم بتقديم شكر خاص لمركز الدراسات والبحوث الإنسانية والاجتماعية بوجدة في شخص مديره. كما تناول الكلمة رئيس المجلس العلمي بوجدة د.مصطفى بنحمزة الذي ثمن هذا اللقاء العلمي من منطلق أن التواصل هو لغة العصر،وأن أي مهنة لا بد لها من الانفتاح على المجتمع،كما ذكر بمكانة القضاء على مر التاريخ الإسلامي مما يجعل الشموخ والرقي بجهاز القضاء مسؤولية الجميع،فالإصلاح لا بد أن يكونا عاما وشموليا للقضاء ومساعديه كالمحامين والعدول والموثقين وغيرهم،فإصلاح القضاء والمهن القضائية شأن مجتمعي يستلزم انخراط الجميع في إنجاح الرهان،فالمواطن ملزم هو الآخر بمساعدة القضاء على بلوغ الهدف الأسمى وهو تحقيق العدالة وأعطى أمثلة تاريخية في هذا الصدد كالصلح الذي كان شائعا بين الناس لصفاء سريرتهم وقوة وازعهم الأخلاقي.وتطرق في سياق إبراز خصوصية مهنة القضاء إلى كون بذلة القاضي لها حمولة تاريخية،كما تحدث بإسهاب عن التوثيق كعلم له قواعده الخاصة وأهميته التاريخية ودوره في صون حقوق الناس،ليختم في الأخير بأن القضاء ليست سفينة تبحر لوحدها وإنما جزء من مجتمع يصلح بصلاحه وسمو أخلاقه،فالعدالة هي ظاهرية ونسبية في بعدها الحقيقي من منطلق راسخ أن القاضي يتولى الظاهر والله يتولى السرائر. و تلت الجلسة الافتتاحية مداخلات الأساتذة المشاركين و التي اتسمت بالدقة وعمق التحليل في جلستين،ترأس الأولى الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف بوجدة الأستاذ إدريس شرفي وترأس الثانية الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بوجدة الأستاذ رشيد تاشفين،و كانت المداخلات على الشكل الآتي: 1- المداخلة الأولى ألقاها الأستاذ الحسين الزياني محامي بهيئة المحامين بوجدة في موضوع “مهنة المحاماة،تكوينا وتخليقا وتأهيلا وتحديثا"عرض من خلالها بعض مستجدات القانون المنظم للمحاماة كإعطائه مفهوم جديد لمهنة المحاماة واعتبارها مساهمة في تحقيق العدالة وتعزيز حصانة الدفاع وإحداث صندوق أداءات المحامين،كما ركز بدقة وإمعان على ثلاثة محاور أساسية وهي:التكوين والتخليق والتحديث،فاعتبر الأستاذ التكوين أهم مقومات إصلاح المحاماة واقترح إحداث معهد للتكوين خاص بالمحامين،أما فيما يتعلق بالتخليق فأكد على ضرورة مقاربة الموضوع بشكل شمولي مع تفعيل دور هيئات المحامين والنيابات العامة في المراقبة والتتبع،كما تناول بتفصيل عنصر تحديث مهنة المحاماة من خلال استعمال الوسائل التكنولوجية الحديثة وكذا ضرورة الاهتمام بتعلم اللغات الأجنبية كضرورة ملحة ومفروضة على جميع المحامين لمواكبة العولمة وللمساهمة الفعالة في الارتقاء بالمهنة،تلكم في نظر الأستاذ الزياني العناصر الأساسية لتأهيل مهنة المحاماة. 2- المداخلة الثانية ألقاها الأستاذ يونس حميد بناني رئيس المجلس الجهوي للعدول بدائرة محكمة الاستئناف بوجدة وعدل بهيئة بركان في موضوع “مهنة التوثيق العدلي، أهميتها،علاقتها بالقضاء،إصلاحها وآفاقها"استهلها بالحديث عن أهمية الوثيقة العدلية في صون حقوق الناس على مر التاريخ الإسلامي مشيرا إلى أن العدالة وظيفة دينية تابعة للقضاء كما جاء في مقدمة ابن خلدون، وأشار إلى أن العدل هو موظف عمومي مستندا في رأيه على كون القانون المنظم لمهنة العدالة رقم 03-16 أضفى على العدل صفة مساعد القضاء وألزمه بأداء اليمين القانونية وبعدم التوقف عن ممارسة مهامه إلا بعد قبول استقالته إضافة إلى منحه الحماية المخصصة للموظف العمومي،كما تطرق بإسهاب للآثار المترتبة عن رسمية العقود العدلية،وأوضح بعض المشاكل القانونية والتعقيدات الإجرائية التي تعرفها المهنة،ليختم في الأخير بتقديم اقتراحات لتطوير مهنة العدالة نجملها في إجبارية التكوين المستمر للعدول واستقلالية التوثيق العدلي بجهازه ومساطره ووسائله واعتماد الحفظ المعلوماتي للرسوم والعقود وإحداث معهد وطني للتوثيق العدلي وربط المسؤولية بالمحاسبة. 3- المداخلة الثالثة ألقاها الأستاذ خليل متحد موثق بوجدة ورئيس الغرفة الجهوية للتوثيق العصري بالمنطقة الشرقية في موضوع “مهنة التوثيق على ضوء القانون رقم 32-09″ استهلها بالحديث عن الانخراط التام لمهنة التوثيق في ورش إصلاح منظومة العدالة في إطار تشاركي مع وزارة العدل والحريات،وتناول بعد ذلك بعض المقتضيات الجديدة التي جاء بها القانون الجديد للمهنة رقم 32-09 والمتعلقة بتعريف مهنة التوثيق والتعيين والتأديب،مشيرا إلى كون التعيين أصبح بيد رئيس الحكومة بقرار إداري وأن مراقبة المهنة غدت ذات طابع مزدوج قضائي ومالي،كما تطرق إلى صندوق ضمان الموثقين وحالات التنافي وشروط الولوج إلى المهنة والحماية المخصصة للموثق وحقوقه وواجباته.واعتبر أن المسار التشريعي للقانون الجديد تزامن مع الشكايات والاعتقالات التي طالت بعض الموثقين مما أضعف الموقف التفاوضي للغرفة الوطنية للتوثيق العصري،كما ركز في مداخلته على مضمن المواد 8 و 27 و 34 و 37 من القانون الجديد،مقترحا في الأخير إقرار مبدأ المعاملة بالمثل بين مهنة التوثيق وباقي المهن المعنية بالولوج التفضيلي،وفتح قناة تواصل دائم بين المجالس الجهوية للتوثيق ومحاكم الاستئناف عبر تنظيم لقاءات علمية وإصدار دليل عملي للتوثيق العصري وإدراج مادة التوثيق في برامج تكوين القضاة،كما اقترح عرض الشكايات المقدمة ضد الموثقين على الهيئة الممثلة لهم لإبداء الرأي بشأنها. 4- المداخلة الرابعة ألقاها الأستاذ إبراهيم بولحروز مفوض قضائي،رئيس المجلس الجهوي للمفوضين القضائيين جهة وجدة،الناظور والحسيمة في موضوع "مهنة المفوض القضائي،حقوقه وواجباته وتأهيله بما يحقق الأهداف المتوخاة بوجود مؤسسة المفوض القضائي،تحدث من خلالها عن مظاهر القصور التي تعتري شروط مزاولة مهنة المفوض القضائي واختصاصاته وركز على ضرورة توفير الحماية للمفوض القضائي أثناء مزاولة مهامه وتحسين أوضاعه المادية،وتمكين مؤسسة المهنة من كافة الاختصاصات التي تؤهلها للإشراف مباشرة على الشأن المهني،كما تطرق لأهمية دعم جانب التكوين والتخليق وإشراك الهيئة الوطنية للمفوضين القضائيين كقوة اقتراحية عند سن أي نص قانوني يخص المهنة،وقدم في الأخير توصيات من قبيل خلق مدونة التبليغ والتنفيذ وتوحيد إجراءاتهما في مؤسسة المفوض القضائي وتحسين الوضعية المادية وإنشاء مدرسة للتكوين وتعديل قانون المساعدة القضائية. 5- المداخلة الخامسة ألقاها الأستاذ العوفي سفيان ناسخ،رئيس المكتب للرابطة الوطنية للنساخ القضائيين باستئنافية وجدة في موضوع “آفاق مهنة النساخة في إطار إصلاح منظومة العدالة،تطرق من خلالها للوضع العملي الراهن لمهنة النساخة المنظمة بمقتضى القانون رقم 00-49 الذي خول الناسخ بشكل حصري مهمة تضمين الرسوم العدلية واستخراج نسخ منها وفق شروط محددة وجعل سجلات التضمين تحت مسؤوليته،وأبرز أهمية مهنة النساخة مستعرضا التطور التشريعي في مجال تضمين الرسوم العدلية وحفظها،كما أبدى عدة ملاحظات حول القانون المنظم لمهنة النساخة مبرزا مظاهر القصور فيه سواء فيما يخص الصفة القانونية للناسخ أو الأجرة أوعلاقة المهنة بمهنة العدالة وكذا المسطرة المعقدة لاستخراج النسخ والتضمين بخط اليد وما يترتب عن ذلك من بطء في تقديم الخدمة المطلوبة،واقترح الاعتماد على المعلوميات لتأهيل مهنة النساخة،وأنهى مداخلته بمقترح إدماج النساخ في سلك الوظيفة العمومية. و بعد ذلك تم فتح باب المناقشة للسادة الحاضرين في جلسة ترأسها الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف بوجدة الأستاذ إدريس شرفي،وتوجت هذه الندوة العلمية بتسجيل عدد هام من التوصيات العامة والخاصة ذات الصلة بموضوع الندوة،والتي تعكس أهمية البعد التشاركي للحوار الوطني حول إصلاح منظومة العدالة.ونجمل هذه التوصيات في ما يلي: 1- تعزيز آليات التكوين للنهوض بالمهن القضائية من خلال إحداث معهد للتكوين خاص بالمحامين ومعهد التكوين المهني للتوثيق ودعم التكوين بشكل مؤسساتي لباقي المهن القضائية المساعدة للقضاء. 2- تكريس البعد التشاركي مع المهن القضائية عند وضع مشاريع النصوص القانونية المنظمة لها. 3- ترسيخ معايير ناجعة للتخليق من خلال تفعيل دور الهيئات الممثلة للمهن القضائية المختلفة في المراقبة والتتبع إلى جانب السلطة القضائية المختصة وإشراكها بإبداء الرأي عند النظر في شكايات المتقاضين،في أفق وضع وتفعيل آليات تعاون هيآت المهن القضائية مع النيابات العامة في مجال التخليق. 4- وضع برامج التكوين في ميدان الأعراف المهنية لمساعدي القضاء. 5- تأهيل المهن القضائية من خلال تحديث آليات عملها،وذلك بالاعتماد على المعلوميات واستعمال الوسائل الحديثة في الاتصال لتتلاءم مع برامج التحديث والمكننة الشاملة التي تعرفها الإدارة القضائية. 6- اعتماد المنظومة المعلوماتية في تدبير وحفظ العقود العدلية. 7- حوسبة إجراءات التبليغ والتنفيذ وربط مكاتب المفوضين القضائيين بالمحاكم الكترونيا لفتح قناة تواصل دائم. 8- تقوية ودعم آليات تخليق المهن القضائية مع تطوير أساليب المراقبة والتتبع والتقييم. 9- خلق خلية مركزية للتتبع تعمل بشكل تلقائي ودائم مهمتها رصد العوائق والإشكالات القانونية والعملية الناجمة عن تطبيق الأنظمة القانونية المتعلقة بالمهن القضائية لإيجاد الحلول المناسبة لها ضمانا لتحديث دائم وآني للمنظومة القانونية ذات الصلة بها . 10- وضع دليل عملي متعلق بالتوثيق العصري. 11- تخصيص المحامين بنظام ضريبي يراعي خصوصية المهنة. 12- تحسين الوضعية المادية للمفوضين القضائيين. 13- وضع مدونة للقيم والأعراف المهنية بالنسبة لمختلف المهن القضائية. 14- إعادة النظر في مسطرة التأديب بالنسبة للمهن القضائية من خلال إعطاء دور أكبر ومحوري للهيآت المهنية في المراقبة والتتبع والتأديب وتدبير الشأن المهني. 15- ضرورة الإسراع في إخراج النصوص التنظيمية المتعلقة بالتوثيق العصري إلى حيز الوجود. 16- التفكير في إمكانية التلقي الفردي في التوثيق العدلي، وفي إمكانية الإشهاد في النظام العدلي من طرف المرأة تكريسا لمبدأ المساواة بين الرجل والمرأة. 17- التفكير في إعادة النظر في نظام التعويضات عن المساعدة القضائية. 18- عقد لقاءات علمية وموائد مستديرة على الصعيد الوطني والجهوي بمشاركة كل المتدخلين المعنيين لمناقشة المقتضيات الجديدة للقانون المنظم للتوثيق كقناة تواصل دائم لإيجاد حلول آنية للمشاكل العملية التي يمكن أن تظهر مستقبلا. هذه التوصيات العامة والخاصة ستكون موضوع تقرير عام يرفع إلى وزير العدل والحريات تنفيذا للرسالة الدورية المذكورة.كما تم التأكيد على أن هذه الندوة ما هي إلا إحدى اللبنات في بناء المقاربة المتكاملة و المتجانسة لعناصر الإصلاح القضائي والتي حددها جلالة الملك محمد السادس نصره الله في الخطاب الملكي السامي و التاريخي بمناسبة الذكرى 56 لثورة الملك و الشعب بتاريخ 20/08/2009.وتلى التقرير العام للندوة طرف المقرر العام للندوات واللقاءات ذات الصلة بالحوار الوطني حول إصلاح منظومة العدالة بالدائرة القضائي لمحكمة الاستئناف بوجدة الأستاذ سفيان ادريوش .